لم يكن بنيامين نتنياهو يتصوّر، عندما أطلق سلاح "داعش" ورقة ليساوي بينها وبين المقاومة الفلسطينية، وهو مزهو بنفسه وقدراته البلاغية، أن يأتي مَن يقلب سحره عليه ويرفع المرآة أمامه ليرى حقيقة جيشه فيرعبه ما يراه. هذا بالضبط ما فعلته النائبة حنين زعبي في المقابلة الصحافية قبل يومين. ومع أن المقابلة كانت مخصصة لموضوع الاستئناف الذي رفعته ضد إبعادها عن الكنيست، إلا أن زعبي لم تحجم عن الرد على الأسئلة التي سعى من ورائها الصحافي الإسرائيلي إلى إحراجها، فجاء جواب زعبي حاسماً وقاطعاً: "التكنولجيا المتطورة أكثر فتكاً من السكين، فذلك يذبح بهمجية (في إشارة إلى داعش) والآخر يقصف من طائرته، ذاك يرى عيون ضحاياه والآخر يقصف عن بُعد، ذلك يقتل شخصاً، أما قذيفة الطائرة أو المدفعية فتفتك بالمئات، ذاك يباهي بهمجيته والآخر يتصنع أنه حضاري وإنساني".
بطبيعة الحال، كانت الصدمة والمفاجأة التي أحدثتها المقاربة والمقارنة في رد حنين زعبي أكبر من أن تتحملها إسرائيل وديمقراطيوها، فدارت عجلات التحريض العنصري بسهولة وبسرعة كبيرتين. وتطايرت التصريحات المختلفة من أقصى اليمين إلى قلب اليسار (حزب العمل) في التحريض على زعبي والمطالبة برأسها وبطردها من الكنيست ومن الوطن كله إلى غزة وقطر كما اقترح ليبرمان ونظراؤه: إلى غزة كي تعيش براحة "بلباسها العصري مع أصدقائها من حماس والجهاد"، هكذا بكل بساطة وبكل عنصرية... وإلى قطر كي تلحق بمعلمها وقائدها عزمي بشارة...
وإذا كان اليمين فظاً وصريحاً في تحريضه الدموي على زعبي ورفاقها، فإن النائب في حزب العمل، إيتان كابل كان أذكى في التحريض عندما اعتبر أن زعبي في تصريحاتها هذه تقوم بعصر "ليمونة الديمقراطية" حتى آخر نقطة، وهو التعبير الجديد في تحريض اليسار الإسرائيلي بعد أن كان هذا اليسار ومعه محكمة العدل العليا تتهم المفكر العربي، عزمي بشارة، بأنه كان يشد حبل الديمقراطية الإسرائيلية لنقطة تهدد بانقطاعه، أو تجاوزه إلى مجال مخالفة القانون. والواقع أنه لا بشارة شد حبل الديمقراطية حتى آخره، ولا حنين قامت بدورها بعصر ليمونة ديمقراطيتهم حتى آخر قطرتها. فقد جفت ليمونة ديمقراطيتهم وانقطع حبلها منذ زمن طويل...