إذا حلّ الربيع في تونس، فزغوان هي القبلة. مدينة خضراء شُيّدت على أعلى قمة الجبل، يحضنها وتسنده، إليها تُشد الرحلات المدرسية نهاية كل أسبوع لزيارة أزقتها الأندلسية والاستمتاع بمتنزّهاتها، والوقوف بالخصوص عند معبدها الروماني، معبد المياه الذي بقي شاهداً على العبقرية الرومانية والدقة التكنولوجية منذ عشرين قرناً.
ويقال إن اسم المدينة مشتق من المياه نظراً لثرواتها المائية الكبيرة، فالاسم، Ziqua، مرتبط بكلمة Aqua اللاتينية التي تعني ماء. فالمدينة، التي تقع في الشمال الشرقي التونسي وتبعد على العاصمة مسافة 51 كيلومتراً، تشتهر بمياهها العذبة وطبيعتها الخلابة، وقد تعاقبت عليها العديد من الحضارات، كالحضارة الرومانية والحضارة الإسلامية، وصولاً إلى احتضان المهاجرين الأندلسيين.
غير أن الأثر الروماني هو الأبرز في المدينة، ولا سيما معبد المياه الذي يمثل أعقد شبكة لنقل المياه جرى الكشف عنها في التاريخ. المعبد أمر ببنائه الإمبراطور إيدريان في القرن الثاني ميلادي كمكان للتعبّد، ولكن منه تنطلق رحلة الماء البعيدة إلى قرطاج لتزويد سكان قرطاج بالماء الصالح للشرب والمتدفق من عيون الماء الزلال في جبل زغوان. وهي بالتأكيد أكبر شبكة لنقل المياه وأكثرها إتقاناً في العهد الروماني وما تلاه.
اقرأ أيضا:"سيدي محرز".. سلطان "تونس" وحاميها
وتمتد هذه الشبكة العجيبة على حوالي 132 كيلومتراً بين زغوان وقرطاج، غير أن المذهل فيها هو مرورها من خلال "الحنايا" التي بقيت آثارها إلى اليوم على طول الطريق الرابطة بين المدن التونسية، وشاهدة على دقة الهندسة الرومانية، إذ ترتفع 50 متراً عن سطح الأرض وتمتد بانحدار مدروس من جبل زغوان حتّى قرطاج بدرجة ميلان قدرها صفر فاصل تسع وعشرين درجة (0.29 د)، ليستمرّ الماء في التدفّق بنسق متّزن حتى يصل إلى قرطاج.
غير أن الآثار الرومانية في زغوان لا تقتصر على المعبد والحنايا وقوس العين، إذ إن المدينة لا تزال تحتفظ بواحدة من أقدم الكنائس المسيحيّة التي حافظ عليها سكان زغوان إلى اليوم لتتوسط المدينة جنباً إلى جنب مع المسجد. ولكن المدينة عرفت عدة تأثيرات بعد ذلك، و لعلّ أبرزها التأثير الأندلسي، الذي بقي ماثلاً إلى اليوم في معمار المدينة وموسيقاها وأكلاتها الشعبية وحلوياتها العريقة.
وتشتهر زغوان بـ"كعك الورقة" الأندلسي الذي يصنع باللوز وماء زهرة النسري الشهيرة، وأكلة "المقربطة"، وهي من تراث الحضارة العثمانية التركية، ولكن عنوانها الأبرز اليوم هو مقام الولي الصالح سيدي علي عزوز، وهو رجل دين وصاحب طريقة ومربٍّ، بالإضافة إلى دوره السياسي المعروف الذي ساهم في إرساء وتوطيد الأمن داخل الدولة المرادية في عهد محمد الحفصي، وكذلك مع الدولة الحسينية، ما جعل علاقته بالسلطة علاقة قوية مكّنت من إشعاع الزاوية وانتشار الطريقة العزوزية في تونس. وتنسب إليها اليوم أيضاً الفرق الموسيقية الدينية التي استفادت من المألوف الأندلسي في إيقاعاته وبناء قصائده وتذكر شيخها بأغان يحفظها التونسيون من كل الجهات.
ومع النصف الثاني من مايو/ أيار، تتهيأ مدينة زغوان للاحتفاء بزهرتها الشهيرة "النسري" التي تينع خلال هذه الفترة ويفوح عطرها في كل مكان. وتصبح الزهرة شغل المدينة الأول وتتحوّل بيوتها إلى مصانع تقليدية صغيرة لتقطيرها واستخراج مائها الرائع ذي الخصوصيات الطبية الاستثنائية، خاصة في تنشيط القلب، ولكنه يُستعمل أيضاً في الحلويات والشاي والقهوة، أو يشرب مع قليل من الماء والسكر.
وتبدأ العائلات المالكة لجنان النسري في جمع الزهور مع ساعات الفجر الأولى حتى لا تفقد خصائصها بتعرضها لحرارة الشمس. وتباشر النسوة في البيوت في اليوم نفسه وفي أجواء احتفالية، تقطير الزهور تفادياً لتلفها السريع. وتقيم المدينة مهرجاناً ثقافياً كبيراً أصبح اليوم من أهم محطاتها الثقافية.
وتحاول السلطات في المنطقة أن تزيد من مساحات غرس هذه النبتة ذات الخصوصيات المتعددة، ويسعى الباحثون بالمدرسة العليا للفلاحة بزغوان إلى تعميق بحوثهم للاستفادة منها والتعرف إلى بقية فضائلها.
اقرأ أيضا:أكبر علم في العالم.. تونسي
غير أن الأثر الروماني هو الأبرز في المدينة، ولا سيما معبد المياه الذي يمثل أعقد شبكة لنقل المياه جرى الكشف عنها في التاريخ. المعبد أمر ببنائه الإمبراطور إيدريان في القرن الثاني ميلادي كمكان للتعبّد، ولكن منه تنطلق رحلة الماء البعيدة إلى قرطاج لتزويد سكان قرطاج بالماء الصالح للشرب والمتدفق من عيون الماء الزلال في جبل زغوان. وهي بالتأكيد أكبر شبكة لنقل المياه وأكثرها إتقاناً في العهد الروماني وما تلاه.
اقرأ أيضا:"سيدي محرز".. سلطان "تونس" وحاميها
وتمتد هذه الشبكة العجيبة على حوالي 132 كيلومتراً بين زغوان وقرطاج، غير أن المذهل فيها هو مرورها من خلال "الحنايا" التي بقيت آثارها إلى اليوم على طول الطريق الرابطة بين المدن التونسية، وشاهدة على دقة الهندسة الرومانية، إذ ترتفع 50 متراً عن سطح الأرض وتمتد بانحدار مدروس من جبل زغوان حتّى قرطاج بدرجة ميلان قدرها صفر فاصل تسع وعشرين درجة (0.29 د)، ليستمرّ الماء في التدفّق بنسق متّزن حتى يصل إلى قرطاج.
غير أن الآثار الرومانية في زغوان لا تقتصر على المعبد والحنايا وقوس العين، إذ إن المدينة لا تزال تحتفظ بواحدة من أقدم الكنائس المسيحيّة التي حافظ عليها سكان زغوان إلى اليوم لتتوسط المدينة جنباً إلى جنب مع المسجد. ولكن المدينة عرفت عدة تأثيرات بعد ذلك، و لعلّ أبرزها التأثير الأندلسي، الذي بقي ماثلاً إلى اليوم في معمار المدينة وموسيقاها وأكلاتها الشعبية وحلوياتها العريقة.
وتشتهر زغوان بـ"كعك الورقة" الأندلسي الذي يصنع باللوز وماء زهرة النسري الشهيرة، وأكلة "المقربطة"، وهي من تراث الحضارة العثمانية التركية، ولكن عنوانها الأبرز اليوم هو مقام الولي الصالح سيدي علي عزوز، وهو رجل دين وصاحب طريقة ومربٍّ، بالإضافة إلى دوره السياسي المعروف الذي ساهم في إرساء وتوطيد الأمن داخل الدولة المرادية في عهد محمد الحفصي، وكذلك مع الدولة الحسينية، ما جعل علاقته بالسلطة علاقة قوية مكّنت من إشعاع الزاوية وانتشار الطريقة العزوزية في تونس. وتنسب إليها اليوم أيضاً الفرق الموسيقية الدينية التي استفادت من المألوف الأندلسي في إيقاعاته وبناء قصائده وتذكر شيخها بأغان يحفظها التونسيون من كل الجهات.
ومع النصف الثاني من مايو/ أيار، تتهيأ مدينة زغوان للاحتفاء بزهرتها الشهيرة "النسري" التي تينع خلال هذه الفترة ويفوح عطرها في كل مكان. وتصبح الزهرة شغل المدينة الأول وتتحوّل بيوتها إلى مصانع تقليدية صغيرة لتقطيرها واستخراج مائها الرائع ذي الخصوصيات الطبية الاستثنائية، خاصة في تنشيط القلب، ولكنه يُستعمل أيضاً في الحلويات والشاي والقهوة، أو يشرب مع قليل من الماء والسكر.
وتبدأ العائلات المالكة لجنان النسري في جمع الزهور مع ساعات الفجر الأولى حتى لا تفقد خصائصها بتعرضها لحرارة الشمس. وتباشر النسوة في البيوت في اليوم نفسه وفي أجواء احتفالية، تقطير الزهور تفادياً لتلفها السريع. وتقيم المدينة مهرجاناً ثقافياً كبيراً أصبح اليوم من أهم محطاتها الثقافية.
وتحاول السلطات في المنطقة أن تزيد من مساحات غرس هذه النبتة ذات الخصوصيات المتعددة، ويسعى الباحثون بالمدرسة العليا للفلاحة بزغوان إلى تعميق بحوثهم للاستفادة منها والتعرف إلى بقية فضائلها.
اقرأ أيضا:أكبر علم في العالم.. تونسي