24 أكتوبر 2024
زوبعة ليبيا في تونس
عاد الجدل الحزبي والسياسي في تونس بشأن ما يجري في ليبيا بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان البلاد، واجتماعه مع الرئيس قيس سعيد، حيث تركزت المباحثات أولا وأساسا على الموقف من تطورات الأحداث في ليبيا.
ظل الموقف الرسمي التونسي من الأزمات المتتالية في ليبيا مذبذبا، ولا يستقر على توجّه محدّد، فمع اندلاع الثورة الليبية (فبراير/ شباط 2011) لم تتأخر الحكومة الانتقالية التونسية، برئاسة الراحل الباجي قائد السبسي عن تقديم الدعم السياسي الواضح للثورة الليبية، بل والسماح بدخول الدعم العسكري إلى مجموعات الثوار في الغرب الليبي، مرورا بالتراب التونسي. ومع وصول "الترويكا" إلى الحكم سنة 2012، وتولي المنصف المرزوقي الرئاسة كانت العلاقات جيدة بين طرابلس وتونس. وفي 2014، عندما أعلن اللواء المتمرد، خليفة حفتر، عن انقلابه التلفزيوني على قناة العربية، وعلى الرغم من أن رئيس حكومة تصريف الأعمال وقتها، مهدي جمعة، كان مرتميا بكلّيته في أحضان الإمارات وولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، فقد كان موقف الرئيس المرزوقي حينها حاسما وقاطعا، معتبرا أن أي سلوك انقلابي هو عمل غير شرعي، وتهديد لمسار الثورات العربية، ولا يمكن التزام الصمت إزاءه، أو ادّعاء الحياد، بسبب التأثير المباشر لما يجري في ليبيا على الوضع التونسي.
في السنوات اللاحقة من حكم الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، حاولت الخارجية التونسية التزام موقف الحياد من الأزمة، وكان أن حضرت المفاوضات بين الفرقاء الليبيين في الصخيرات، واستقبل الرئيس حينها رئيس حكومة الوفاق حاليا، فايز السراج، واللواء المتقاعد خليفة حفتر، محاولا رأب الصدع، على الرغم من إدراكه أن الصراع في ليبيا أعقد من أن تنهيه الوساطة التونسية، خصوصا في ظل تدخل إماراتي فرنسي مصري داعم لمجموعات حفتر العسكرية.
وفي ظل تطورات المشهد الليبي أخيرا، والرغبة الواضحة لدى حلفاء حفتر في حسم الصراع لصالحه، مهما كانت الخسائر، ودخول تركيا طرفا مؤيدا للحكومة الشرعية في طرابلس، وتوقيعها اتفاق ترسيم الحدود البحرية واتفاقات أمنية مرفقة معها، كان على الأوساط السياسية إبداء موقفٍ واضح مما يجري في ليبيا، خصوصا وأن الرئيس الجديد قيس سعيد بدا قليل الخبرة والدراية بالشأن الخارجي، مع رغبةٍ واضحةٍ في ملازمة نوعٍ من الجمود الدبلوماسي إزاء الوضع الليبي، وهو ما تجلّى في غياب تصوّر لموقع تونس الرسمية من الأزمة. وجاءت زيارة الرئيس التركي، أردوغان، مرفوقا بوزير خارجيته ومسؤول المخابرات، لتثير صراعا
سياسيا حادّا بين الفرقاء السياسيين والحزبيين في البلاد.
ولا تخفي بعض القوى السياسية في تونس مناهضتها التوجهات التركية إلى حد التماهي مع الحلف الآخر، الإماراتي السعودي المصري الداعم خليفة حفتر، فقد جاءت بيانات صدرت عن الحزب الدستوري، والذي يمثل امتدادا لنظام الرئيس المخلوع بن علي، منددا بالزيارة، وهو السياق نفسه الذي اندرجت ضمنه مواقف حركة الشعب، ذات التوجه القومي، وحزب مشروع تونس، فقد دعت جميعها، وبمفردات متقاربة، إلى رفض أي تقارب مع تركيا، بل ذهبت حركة الشعب إلى تأكيد "أن أي اصطفاف وراء محور تركيا/ قطر يمثل خطرا حقيقيا لأمن تونس وسلامة أراضيها"، وهو التوجه نفسه الذي أبداه حزبا مشروع تونس والدستوري الحر، والغريب أن هذه الأحزاب التي نددت بالتدخل التركي صمتت إزاء التدخل العسكري الإماراتي المصري الفرنسي في ليبيا، المستمر منذ اندلاع الصراع العسكري هناك.
في المقابل، أبدى الرئيس السابق المنصف المرزوقي رفضه الدعوة إلى الحياد إزاء ما يجري في الصراع الليبي، معتبرا أن القضية لا تتعلق بمجرد خلاف سياسي، وإنما يرتبط بموقف من "عصابات مرتزقة يقودها جنرال متمرّد أجير محور الشر السعودي الإماراتي المصري يتأهب لذبح أخوتنا وأهلنا وجيراننا للعودة بهم إلى عصر ما قبل الثورة. المشكلة أن هذه الجريمة لا ترتكب في جزر الواق الواق، وإنما على حدودنا، على خط الدفاع الأخير عن بيتنا"، على حد قوله.
تكشف تطورات المشهد الليبي عن حالة انقسام حادّة لدى القوى الحزبية التونسية إزاء الموقف المطلوب مما يجري هناك بين مصطفٍّ مع خليفة حفتر، مباشرة أو مواربة، تحت دعوى الحياد، أو الداعين إلى موقف حاسم يحفظ لتونس حقوقها، ويحمي ثورتها في ظل أوضاع ليبية منفلتة، وتدخل دولي ضم طيفا واسعا من الطامعين، بداية من الإمارات والسعودية والكيان الصهيوني، ووصولا إلى روسيا ومصر وتركيا. ويظل السؤال المحيّر إلى متى ستستمر حالة العجز الدبلوماسي التونسي، والحياد السلبي الذي جعل الأطراف المختلفة لا تمنح تونس ما تستحق من أهميةٍ يفرضها الجوار الجغرافي مع ليبيا، والتاريخ والمصالح المشتركة، إلى حد عدم إشراكها في أي حوار حول مستقبل ليبيا، بما فيه تجاهل دعوتها إلى مؤتمر برلين المقبل؟
في السنوات اللاحقة من حكم الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، حاولت الخارجية التونسية التزام موقف الحياد من الأزمة، وكان أن حضرت المفاوضات بين الفرقاء الليبيين في الصخيرات، واستقبل الرئيس حينها رئيس حكومة الوفاق حاليا، فايز السراج، واللواء المتقاعد خليفة حفتر، محاولا رأب الصدع، على الرغم من إدراكه أن الصراع في ليبيا أعقد من أن تنهيه الوساطة التونسية، خصوصا في ظل تدخل إماراتي فرنسي مصري داعم لمجموعات حفتر العسكرية.
وفي ظل تطورات المشهد الليبي أخيرا، والرغبة الواضحة لدى حلفاء حفتر في حسم الصراع لصالحه، مهما كانت الخسائر، ودخول تركيا طرفا مؤيدا للحكومة الشرعية في طرابلس، وتوقيعها اتفاق ترسيم الحدود البحرية واتفاقات أمنية مرفقة معها، كان على الأوساط السياسية إبداء موقفٍ واضح مما يجري في ليبيا، خصوصا وأن الرئيس الجديد قيس سعيد بدا قليل الخبرة والدراية بالشأن الخارجي، مع رغبةٍ واضحةٍ في ملازمة نوعٍ من الجمود الدبلوماسي إزاء الوضع الليبي، وهو ما تجلّى في غياب تصوّر لموقع تونس الرسمية من الأزمة. وجاءت زيارة الرئيس التركي، أردوغان، مرفوقا بوزير خارجيته ومسؤول المخابرات، لتثير صراعا
ولا تخفي بعض القوى السياسية في تونس مناهضتها التوجهات التركية إلى حد التماهي مع الحلف الآخر، الإماراتي السعودي المصري الداعم خليفة حفتر، فقد جاءت بيانات صدرت عن الحزب الدستوري، والذي يمثل امتدادا لنظام الرئيس المخلوع بن علي، منددا بالزيارة، وهو السياق نفسه الذي اندرجت ضمنه مواقف حركة الشعب، ذات التوجه القومي، وحزب مشروع تونس، فقد دعت جميعها، وبمفردات متقاربة، إلى رفض أي تقارب مع تركيا، بل ذهبت حركة الشعب إلى تأكيد "أن أي اصطفاف وراء محور تركيا/ قطر يمثل خطرا حقيقيا لأمن تونس وسلامة أراضيها"، وهو التوجه نفسه الذي أبداه حزبا مشروع تونس والدستوري الحر، والغريب أن هذه الأحزاب التي نددت بالتدخل التركي صمتت إزاء التدخل العسكري الإماراتي المصري الفرنسي في ليبيا، المستمر منذ اندلاع الصراع العسكري هناك.
في المقابل، أبدى الرئيس السابق المنصف المرزوقي رفضه الدعوة إلى الحياد إزاء ما يجري في الصراع الليبي، معتبرا أن القضية لا تتعلق بمجرد خلاف سياسي، وإنما يرتبط بموقف من "عصابات مرتزقة يقودها جنرال متمرّد أجير محور الشر السعودي الإماراتي المصري يتأهب لذبح أخوتنا وأهلنا وجيراننا للعودة بهم إلى عصر ما قبل الثورة. المشكلة أن هذه الجريمة لا ترتكب في جزر الواق الواق، وإنما على حدودنا، على خط الدفاع الأخير عن بيتنا"، على حد قوله.
تكشف تطورات المشهد الليبي عن حالة انقسام حادّة لدى القوى الحزبية التونسية إزاء الموقف المطلوب مما يجري هناك بين مصطفٍّ مع خليفة حفتر، مباشرة أو مواربة، تحت دعوى الحياد، أو الداعين إلى موقف حاسم يحفظ لتونس حقوقها، ويحمي ثورتها في ظل أوضاع ليبية منفلتة، وتدخل دولي ضم طيفا واسعا من الطامعين، بداية من الإمارات والسعودية والكيان الصهيوني، ووصولا إلى روسيا ومصر وتركيا. ويظل السؤال المحيّر إلى متى ستستمر حالة العجز الدبلوماسي التونسي، والحياد السلبي الذي جعل الأطراف المختلفة لا تمنح تونس ما تستحق من أهميةٍ يفرضها الجوار الجغرافي مع ليبيا، والتاريخ والمصالح المشتركة، إلى حد عدم إشراكها في أي حوار حول مستقبل ليبيا، بما فيه تجاهل دعوتها إلى مؤتمر برلين المقبل؟