على الرغم من أهمية الزيارة في هذا التوقيت، حيث يعقد مؤتمر "جنيف 2" حالياً حول الأزمة السورية، إلا أن خبيراً في الشؤون التركية يرفض، في حديث لـ"الجديد"، اعتبارها كإعادة تموضع لتركيا أمام تقدم ايران في الملفين النووي والسوري، وخصوصاً أن أنقرة كانت أول من دعا الى اسقاط نظام بشار الأسد. ويؤكد الخبير نفسه أنّ الزيارة كانت على جدول أعمال رئيس الحكومة التركي منذ فترة، وهي تأتي في سياق الانفتاح الإيراني على تركيا، خصوصاً بعد انتخاب حسن روحاني رئيساً، مشيراً الى أن "ايران، ومنذ انتخاب روحاني، خفّفت من لهجتها الصدامية مع أنقرة، كما أنها بعثت برسائل إيجابية تمثّلت في المساعدة على تحرير الطيارين التركيّين اللذين اختُطفا في لبنان، وتقديم وعود بتخفيف حدة الاحتقان المذهبي في المنطقة، إضافة الى تحسين العلاقات الثنائية".
إذاً، للزيارة طابع اقتصادي، ولتركيا مصلحة في تعزيز علاقاتها مع ايران بهذا الشأن، خصوصاً مع التباطؤ الاقتصادي، حيث تحتاج الجمهورية الاسلامية الى أسواق جديدة. وفي ظل الاتفاق المبدئي الأميركي ــ الإيراني الذي وُقع في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي في جنيف، فثمة فرصة لزيادة التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، بحسب الخبير في الشؤون التركية عينه، مشيراً الى أن "ايران مصدر مهم للطاقة والنفط في تركيا، حيث تشكل الواردات بهذا الشأن حوالى 19 في المئة و50 في المئة".
بطبيعة الحال، فإن سوريا تُعتبر ملفاً خلافياً بين الطرفين، لذلك هناك اتفاق ضمني على عدم التركيز عليه في المحادثات الثنائية الحالية، وذلك على الرغم من أن أردوغان قال بهذا الشأن إن "البلدين الكبيرين اللذين يلعبان دوراً مهماً لهما كلمتهما المسموعة في حل مشاكل المنطقة". ويبدو أن الطرفين مهّدا الأجواء لهذه الزيارة من خلال التخفيف من حدة لهجة كل منهما بخصوص الملف السوري. صحيح أن أنقرة لم تتنازل عن موقفها بضرورة رحيل نظام الرئيس بشار الأسد ودعم الانتقال السياسي، وهو ما تعارضه طهران بشدة، غير أن الأخيرة ركزت في تصريحاتها على دعم الاستقرار في البلاد.
الأولوية اقتصادية بالنسبة لتركيا، غير أنها "لم تتخلَّ عن الشعب السوري"، بحسب الخبير في الشؤون التركية. ويضيف أنّ "تركيا تستضيف أكثر من 400 ألف لاجئ سوري على أراضيها، وتوفّر لهم الاستشفاء والخدمات. كما أنها لا تزال ملتزمة بدعمها للمعارضة السورية، لكن من دون موقف دولي قوي لن يكون هناك تقدم الى الأمام".
وكان وزير الخارجية التركي، أحمد داوود أوغلو، قد أجرى في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر زيارة الى طهران، كما قام نظيره الإيراني محمد جواد ظريف بزيارة الى تركيا في الشهر الجاري. وبحسب وزارة الخارجية الإيرانية، فإن روحاني سيزور تركيا بدوره، خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية، مرضية أفخم، قد علقت على أهمية الزيارة بالنسبة للملف السوري بالقول إن "الحوار والاتصالات دخلت مرحلة جديدة ونأمل ان يستمر هذا التوجه، وهي تخدم مصالح البلدين، نأمل ان تخدم مصالح المنطقة". ويتوقع أن يتم خلال الزيارة اليوم، إنشاء مجلس أعلى استراتيجي بين البلدين.
ربما تكون ايران قد نجحت في انتزاع نقاط هامة في ملفها النووي والملف السوري، وهو ما دفع الى انكفاء بعض القوى الإقليمية ومنها أنقرة، خصوصاً مع تدهور الوضع الميداني في سوريا لغير صالح المعارضة المسلحة، لكن الخبير يرفض التقييم القائل بتراجع تركيا في الملف السوري، ويؤكد أن تركيا "مع أي حل سياسي يضمن خروج الأسد ونظامه من السلطة".
وبالنسبة للموقف التركي من "جنيف 2"، وعدم الاعتراض على مشاركة ايران فيه، يلفت إلى أنه "لا يوجد تصريح رسمي بهذا الشأن، لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية كان قد ذكر قبل المؤتمر أن كل الدول التي يمكنها أن تساعد على حل الأزمة موضع ترحيب في المؤتمر، وهو ما فسره البعض على أنه ترحيب بايران".