ووصل وفد سعودي إلى العاصمة الأردنية، أمس، إيذاناً ببدء بالتحضير للزيارة، التي تأتي ضمن الجولة الخارجية للأمير السعودي. وتواصل "العربي الجديد" مع مصادر حكومية، غير أنها لم تنف الزيارة أو تؤكدها، وهو مؤشر على محاولة الجهات الرسمية الأردنية إضفاء السرّية مرحلياً عليها، وخصوصًا أن مقتل الصحافي جمال خاشقجي ما زال يلقي بظلاله على أحاديث الأردنيين.
ومن الواضح أن الحكومة الأردنية لا تتعجل بالإعلان رسمياً عن زيارة بن سلمان إلى عمان، حتى تتلافى الأصوات والمظاهر الاحتجاجية؛ فالحكومة التي أعلنت قبل أيام عن إطلاق منصة "حقك تعرف"، لا تزال تفضل العمل تحت جنح الظلام.
من جهته، رأى المحلل السياسي الأردني، الدكتور أنيس الخصاونة، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنّ هذه الزيارة "تمثل خدمةً كبيرة للسعودية"، التي تواجه اليوم، بحسب رأيه، "عزلة واضحة بسب مقتل خاشقجي، وهناك اتجاهات سلبية حولها وحول قياداتها في مختلف دول العالم، وهناك موقف دولي واضح وقوي بسبب هذه القضية، لم ترتق إليه مواقف الدول العربية".
وأوضح الخصاونة أن الموقف الدولي من ولي العهد السعودي، "مرتبط بالاتهامات المباشرة التي طاولته في قضية مقتل خاشقجي، وهي اتهامات تعتمد على تسجيلات وأدلة تشير إلى دوره في الجريمة"، مضيفاً أنه "رغم تراجع الإدارة الأميركية قليلاً في موقفها حول هذ القضية، إلا أن الموقف الدولي واضح جداً".
ولفت المحلل السياسي إلى أن "الأردن الرسمي لا يستطيع إلا أن يستقبل ولي العهد السعودي، الذي يأتي إلى عمّان بصفته الرسمية، وهناك علاقات ومصالح قوية تربط الأردن بالسعودية". لكنه أكد في المقابل أن بن سلمان "لن يلقى ترحاباً كبيراً من قبل الأردنيين، وخاصة من قبل المنظمات الإنسانية والحقوقية" بسبب مقتل الصحافي خاشقجي.
بدوره، رأى الرئيس السابق للجمعية الأردنية للعلوم السياسية، المحلل السياسي الأردني الدكتور خالد شنيكات، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الزيارة "تأتي في خضم تطورات وارتدادات متعلقة بقضية مقتل خاشقجي، حيث تواجه السعودية ضغوطاً دولية متزايدة في هذا الموضوع، فيما تراوح حرب اليمن مكانها".
وأضاف شنيكات أن ولي العهد السعودي "يسعى في ظلّ هذه الظروف إلى التواصل والحديث مع الدول التي تقف ضمنياً في إطار المحور السعودي، أو ما يسمى محور الاعتدال العربي، كمصر والأردن والبحرين"، معتبراً أن "هدف الأردن الذي يمر بأزمة اقتصادية، هو تعزيز العلاقات الاقتصادية مع السعودية، أما قضية خاشقجي، فالحكومة أصدرت بياناً رحبت فيه بالإجراءات السعودية لملاحقة المتهمين في مقتل خاشقجي". لكنه لفت إلى أنه "حتى هذه اللحظة، لا توجد ردود شعبية احتجاجية واضحة على الزيارة، كما حدث في تونس ومصر".
وتثير زيارة بن سلمان لدول عربية جدلاً واسعاً ورفضاً شعبياً وإعلامياً، لا سيما في تونس ومصر. ومن المتوقع، في حال تأكيدها، أن تثير الزيارة مطالبات شعبية أردنية برفضها، وبضرورة عدم استقبال الأمير السعودي، باعتباره "متورطاً" في قضية خاشقجي. ومن المتوقع ألا تلاقي الزيارة بكل الأحوال ترحيباً شعبياً، خاصة أن ردود فعل الأردنيين جاءت غاضبة على الجريمة، التي تشير أصابع الاتهام فيها إلى دائرة الحكم في السعودية، مع ارتباط اسم بن سلمان بالقضية، على أساس أن الأوامر صدرت مباشرة منه لتنفيذها، وذلك حتى وفق ما خلصت إليه وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه".
وكانت الحكومة الأردنية قد أشارت في بيان رسمي منتصف شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، إلى أهمية إعلان النيابة العامة في السعودية عن توجيه التهم إلى عددٍ من الموقوفين في قضية قتل خاشقجي، معتبرة أن هذا الإعلان "يمثل خطوة هامة نحو تحقيق العدالة من خلال التحقيقات التي أعلنت السعودية إجرائها لاستجلاء الحقيقة الكاملة حول ملابسات القضية، وإحقاق العدالة ومحاسبة المتورطين فيها".
وتمر العلاقات الأردنية - السعودية حالياً بفترة برودة تعود لأسباب سياسية، أبرزها مواقف الرياض مما يُعرف بـ"صفقة القرن"، خصوصاً ملف القدس المحتلة وإدارة المقدسات. كما أن لهذا الفتور أبعاد اقتصادية، فالسعودية ساعدت بسخاء العديد من الدول واستثنت الأردن، فيما يعتقد الأردنيون أنهم يدفعون فاتورة مواقفهم التي تميل إلى المواقف السعودية.
وتعرضت السعودية خلال الأشهر الماضية إلى هجوم نيابي في الأردن، بعدما طالب النائب طارق خوري بضرورة إنهاء دورها في الإشراف على الحج، فيما شدد النائب خالد رمضان عواد على أن "الأردن ليس للبيع مقابل أموال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وحليفه محمد بن زايد".