زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى العراق، التي استمرت لثلاثة أيام، تعكس الاهتمام الإيراني الشديد بساحة العراق خلال هذه المرحلة التي يمر فيها هذا البلد بأزمة تضعه على شفير حرب طائفية، ولا سيما بعد تسمية حيدر العبادي رئيساً للحكومة الجديدة، وهو من دعمه الإيرانيون ليجلس مكان حليفهم السابق نوري المالكي، لوضع حد لأزمة قد تؤثر سلباً وبشكل مباشر على إيران.
واللقاءات العديدة التي أجراها ظريف مع القيادات العراقية بمختلف أطيافها، تقرأ على أنها رغبة إيرانية بتأدية دور إيجابي هناك، مع محاولة أن يحظى هذا الدور بمشروعية ومقبولية على الساحة العراقية الداخلية وحتى إقليمياً، بما أن طهران تسعى لأن تكون "قوة إيجابية" في المنطقة بعد سنوات من العزلة الدولية، ليس فقط بسبب البرنامج النووي، وإنما أيضاً بسبب المواقف التي اتخذتها طهران من التحركات والاحتجاجات الشعبية في بعض البلدان العربية، وهو ما أدى لتراجع شعبيتها عربياً.
اهتمت الصحف ووسائل الإعلام الايرانية، بزيارة ظريف، وبلقائه بالمرجع علي السيستاني، وبحيدر العبادي، فضلاً عن رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني، من باب "سعي إيران لتحقيق توافق سياسي في الداخل العراقي وهو ما يؤمن استقرارها واستقرار المنطقة"، بحسب ما اهتمت صحف إيرانية بقوله.
ووضعت صحيفة "كيهان" المحسوبة على التيار المحافظ المتشدد، انتقادها المتكرر لسياسات حكومة الرئيس حسن روحاني، جانباً، وكتبت أن الجولة "تؤكد جهوزية إيران لتقديم المساعدات اللازمة للعراق لمحاربتها لتنظيم داعش، ولتقديم أي دعم يطلبه العراق"، وهذا الكلام يأتي تزامنا مع التصريحات الإيرانية الرسمية التي تقول إن البلاد لم ترسل أي قوات عسكرية للقتال في العراق حتى الآن، وتنفي أيضاً أي تعاون إيراني ــ أميركي واضح ومعلن لمواجهة "داعش".
من جهتها، كتبت صحيفة "إيران"، المحسوبة على الحكومة، تحليلاً يتطرق لخلفيات هذه الزيارة، فقالت إن "نظرة طهران للداخل العراقي تقوم الآن على ضرورة دعم صورة العراق الواحد الموحد، وتقليص الفجوة الموجودة بين العشائر السنية من جهة والأطياف الشيعية من جهة أخرى، أو حتى المسافة الموجودة بين أكراد العراق والحكومة المركزية في بغداد".
ولعل لقاءات ظريف مع السياسيين الأكراد والعرب السنة والعرب الشيعة على حد سواء، أمر يحمل في طياته رغبة بتحقيق تقارب في ما بينها للتسريع في تشكيل الحكومة العراقية بعد موافقة الجميع، ولاسيما رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، على تسليم راية الحكومة للعبادي.
وخلف هذه الرغبة يكمن تخوف إيراني من تقدم تنظيم "الدولة الإسلامية"، وتشكيله تهديداً جدياً لطهران، مع احتمال جرّ إيران لساحة قتال علنية واضحة وهو ما لا تريده البلاد خلال هذه المرحلة. فاستقرار العراق اليوم يهم الجمهورية الاسلامية بشدة، ليتفرغ حكام طهران لتحقيق "إنجازات" في بقية ملفاتهم الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها الملف النووي. والأهم من هذا، أن حكومة الرئيس حسن روحاني، طرحت نفسها على أنها المتبنية لخطاب "الاعتدال والحوار والدبلوماسية"، ولا يمكن تحقيق هذا مع كل التحديات التي تعترض تطوير علاقات إيران مع دول المنطقة، ولعل العراق سيفتح أمام طهران هذا المجال في حال أقنعت العالم بأنها صاحبة مشروع لعراق واحد.
من جهة ثانية، كتبت صحيفة "أفتاب يزد" الإصلاحية، بقلم مهدي ملكي الخبير في شؤون الشرق الأوسط، أن زيارة ظريف "كانت ضرورية خلال هذه المرحلة، ولكن مع هذا تبقى مهمة العراق ومسؤوليته هي الأكبر في مواجهة ما يتعرض له".
وتشير الصحيفة إلى رفض التدخل العسكري الخارجي الإيراني في الأراضي العراقية، وترى في ضرب الولايات المتحدة لمعاقل تنظيم "داعش" تعبيراً عن خوف واشنطن على المصالح الأميركية "وليس خوفاً على العراق". وتتهم الصحيفة "بعض دول المنطقة والغرب" بصناعة ودعم "داعش"، في محاولة لإيجاد بلبلة في المنطقة، "ولكن هذه الأطراف اكتشفت أن الخطر المحدق أصبح يهددها، فما الضير من أن تحارب الولايات المتحدة التطرف والإرهاب على الأراضي العراقية، قبل أن تصبح مضطرة لحالة تأهب لمحاربة الإرهاب على أراضيها؟".
وتنطلق هذه الرؤية الإصلاحية من أن الدعم الإيراني لانتخاب العبادي رئيساً للحكومة، ليس اتفاقاً معلناً مع الولايات المتحدة التي دعمته أيضاً، وإنما هي "محاولة إيرانية لتأدية دور مؤثر في المنطقة في محاولة لاستعادة هذا المركز الذي فقدته منذ سنوات".