ليست إقالة البرلمان العراقي، أمس الأربعاء، وزير المالية، أحد وزراء كتلة التحالف الكردستاني في الائتلاف الحكومي، هوشيار زيباري، على خلفية اتهامه بقضايا فساد مالي وإداري، بعد جلسة استجواب، حدثاً عادياً، بل من شأنها أن تكون ذات وقعٌ على أكثر من صعيد. فإزاحته من المشهد السياسي لن تكون عملية يسيرةً. ولن يكون من السهل اختيار خلفٍ له، ولا سيما في ظل مطالبة النواب بتعيين شخصية تكنوقراطية بدلاً من زيباري. ومن المتوقع أن تعقّد إقالته المفاوضات بين حكومتي أربيل وبغداد لناحية تسوية الخلافات برعاية أميركية من أجل الإسراع بإطلاق معركة تحرير الموصل من سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، إذ إنه من الواضح أن موعد بدء هذه المعركة لن يحدد قبل تسوية الخلافات بين الطرفين نظراً للدور المرتقب أن تؤديه قوات البشمركة في المعركة الأهم في إطار الحرب ضد "داعش".
ولم تفلح جهود ووساطات القادة الأكراد الذين سعوا إلى لملمة موضوع إقالة الوزير أو تأجيلها، إذ أجبرت الجهات الساعية لإقالته البرلمان على تجاهل طلب من رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، بتأجيل التصويت. وفرضت إرادتها وعرضت الموضوع على التصويت ليتم سحب الثقة من الوزير. وسيواجه الوزير المقال تهماً بالفساد أمام القضاء. ويرى مراقبون أنّه سيصعب عليه تجاوزها والحصول على التبرئة منها. وقال مصدر برلماني لـ"العربي الجديد" إن "رئيس البرلمان سليم الجبوري أعلن خلال الجلسة عن تسلمه طلباً من رئيس الحكومة (...) بتأجيل التصويت على إقالة زيباري بسبب استمرار مباحثاته مع صندوق النقد الدولي"، مبيناً أن "البرلمان رفض تدخّل العبادي وصوت على اعتماد التصويت السري" خلال التصويت على إقالة زيباري. وأضاف، أنه "خلال الجلسة تسلّم الجبوري طلباً موقعاً من 102 نائب لتأجيل التصويت على عدم القناعة بأجوبة الوزير، لكن البرلمان رفضه أيضاً".
وأكّد رئيس البرلمان خلال الجلسة "عدم وجود أي سند قانوني لإعادة التصويت على عدم القناعة بأجوبة زيباري"، مشيراً إلى أنّه "انطلاقاً من واجبنا في الحفاظ على النظام وسير عمل جلسات البرلمان فإننا سنمارس ما خوله لنا النظام الداخلي وقواعد السلوك الانتخابي الذي يخلو من أي فقرة تنص على إعادة التصويت على قرار تم اتخاذه في البرلمان إلّا في حالتين، وهما غير متوافرتين هنا". وأشار المصدر إلى أنّ "الجبوري طلب بعد ذلك التصويت اعتماد التصويت السري على سحب الثقة من الوزير"، فوافق المجلس على ذلك وبدأ التصويت. وأوضح أن "نواب التحالف الوطني اختلفوا بشأن سحب الثقة، وانقسموا في ما بينهم"، مشيراً إلى أن "كتلة الصدر صوتت بسحب الثقة، بينما صوت نواب كتلة المواطن التي يتزعمها عمار الحكيم ضد الإقالة"، مضيفاً أن "نواب كتلة بدر صوتوا ضدّ زيباري، وانقسم نواب كتلة القانون بين الرفض والقبول، في وقت صوت فيه نواب تحالف القوى لمصلحة زيباري". ولفت إلى أنه "بعد فرز الأصوات اتضح أن 158 نائباً صوتوا بنعم لسحب الثقة مقابل 77 بلا، فيما سلمت 14 ورقة تصويت فارغة".
واعتبر النائب عن الكتلة المسيحية، لويس كاروا، أن "التصويت اعتمد على آلية الحضور والتصويت القانوني". وقال لـ"العربي الجديد" إنّ "عملية جمع التواقيع لإعادة التصويت على أجوبة زيباري ليست ذات جدوى في البرلمان"، وأن "الكتل البرلمانية لم تكن جميعها مقتنعة بالتصويت، وهذا أمر واقع في ظل عدم وجود إجماع نيابي على التصويت". وأشار إلى أن "الكثير من النواب غيروا رأيهم خلال جلسة اليوم ولم يصوتوا ضدّ الوزير، لكن النواب الذين صوتوا ضد الوزير حققوا النصاب القانوني رسمياً".
وعقب التصويت، أعلن النائب عن دولة القانون هيثم الجبوري، "تزويد هيئة النزاهة بجميع ملفات الفساد المتعلقة بالوزير زيباري لاتخاذ الإجراءات القانونية والقضائية ضدّه". وقال في مؤتمر صحافي عقده في مبنى البرلمان إنه "تم الاتصال مع رئيس هيئة النزاهة، حسن الياسري، والاتفاق على تزويد الهيئة بجميع ملفات الفساد المتعلقة بوزير المالية لاتخاذ الإجراءات القانونية والقضائية بشأنها". وأضاف أنّه "تم الاتفاق على تشكيل هيئة تحقيق خاصة داخل هيئة النزاهة لمتابعة سير تلك الإجراءات"، مشيراً إلى أنّ "سفارات غربية وزعامات سياسية تدخلت في موضوع إقالة وزير المالية وحاولت تسويته". وأوضح أنّ "رئيس الحكومة حيدر العبادي سيقدم شخصية أخرى من داخل الحزب الديمقراطي ويحاول فرضها على البرلمان بدل زيباري، لكنّنا نأمل منه أن يقدم شخصية تكنوقراط مستقلة، وبخلاف ذلك سنرفض تمرير المرشح الجديد"، وفق تعبيره.
ورأى الخبير القانوني، أحمد عبد اللطيف، أنّ "زيباري اليوم سيكون بمواجهة القضاء الذي سيواجهه بكثير من التهم بالفساد". وقال لـ"العربي الجديد" إن "القضاء سينظر في كافة الملفات المقدمة ضد زيباري، وبما أن تلك الملفات كانت كافية لسحب الثقة منه، فإنها ستكفي لإدانته فيها". وأشار إلى أنّ "القادة الأكراد لا نفوذ لهم ولا سلطة على القضاء العراقي، لذا فإن تسوية الموضوع ستكون صعبة للغاية، إلّا في حال تسويته سياسياً".
يشار إلى أن المسؤولين الأكراد بذلوا جهوداً كبيرة لمنع التصويت على إقالة الوزير زيباري، بعدما صوت البرلمان قبل أسبوعين على عدم القناعة بأجوبته بشأن ملفات الفساد التي أثيرت ضدّه.