في "سوق الأحد" بمدينة أغادير المغربية، ليس صعباً أن تجد ضالتك، فهنا فقط يوجد زيت الأرغان (أو أركان أو أرقان) الطازج، من بين كلّ بقاع الأرض، وهنا تصنع الطبيعة الكريمة المبهرة بأنامل المرأة الريفية المغربية معجزة مضاعفة، تشفي وتطيّب وتزيّن.
فهذا الزيت نوعان، زيت الطبخ، الذي يميّز أطباق الكسكس والطاجين والأرز والعصيدة، وزيت التجميل "الأبيض" الذي يدخل في علاج الكوليسترول وتساقط الشعر وتغذية البشرة.
حكاية التصنيع
تجلس بائعة "زيت الأرغان" أمام حانوت للأعشاب الطبية، لتبدأ عملية عصر عجين "الأرغان" وإخراج الزيت الصافي في حوض، ثم تعبئته بعبوات وفق طبيعة الاستخدام.
اسمها أمّ كلثوم، ذات الأصول أمازيغية، تعلّمت المهنة من والدها وهي في 12 من العمر، وعن الرحلة التي تقطعها بذور الأرغان حتى تصبح زيتاً نادراً ومباركاً تقول المرأة الخمسينية: في منطقتنا، "حاحا"، نقطف ثمار الأرغان من الغابة - أي الأرض - ونضعها في الشمس حتى تجفّ، ونزيل القشرة الخارجية عنها، ثم نكسرها للحصول على البذور التي تؤخذ عند الفران لتحميصها أو نحمصها بطاجين البيت، ثم نطحنها بواسطة الرحى، ونرشّ قليلاً من الماء عليها لاستخراج الزيت، ثم نخزنها في الجرار الطينية، ونغلفها بالبلاستيك، بعد إضافة الملح الخشن للمحافظة عليها. نبيع العجينة التي تُستعمل طعاماً للأبقار لتدرّ الحليب، أو تُستعمل في البرونزاج، أما عجينة الأرغان الأبيض فتجفف وتستخدم غسولاً للوجه، يخلط مع ماء الورد المنتشر في الحمّامات المغربية... لا يُهدر شيء حتى خشب الشجرة يُستخدم حطباً".
الشجرة النادرة
تتواجد أشجار الأرغان، أو لوز البربر، المهدّدة بالانقراض، في منطقة سوس جهة أكادير، وتشتهر بزيتها الذي هو من أندر الزيوت في العالم لكثرة فوائده، والذي يصل سعر علبة ما للطبخ منه إلى 20 دولاراً وسعر علبة الزينة والعلاج 40 دولاراً.
وعن مميزات الشجرة كما خبرتها أمّ كلثوم، تقول: "لا تُزرع الشجرة، إنما تنمو وحدها، نلتقط ثمارها المتساقطة أرضا كحبات التمر خلال فصليّ الربيع والصيف ورائحتها كالمشمش كما تصف أم كلثوم ويقضي الناس شهراً أو شهرين في الموسم، بحيث يتعاون الفلاحون فيما بينهم".
ويكثر الطلب على هذا الزيت في مواسم الأعراس، وفي صباحية العروس تحديداً، إذ تتناوله عائلة العروس والعريس مع الأرز والعسل، كدلالة على شرف العائلة والعروس. أما في رمضان فيؤكل مع خبز "البطبوط"، ويتوجّب وضعه على مائدة الضيوف في الأعياد إلى جانب العسل والأملو (خليط اللوز المطحون وزيت أرغان والعسل الذي يعدّ وجبة مثالية للفطور، وفطور المتزوجين غداة زفافهم تحديداً)
يستخدم الزيت لتقوية الشعر بالدرجة الأولى، وقد أخضعه العلماء لتجربة مختبرية أثبتت فعاليته الطبية والتجميلية، إذ قامت شركات عالمية بإعطاء ملعقة صغيرة من الزيت صباحاً ومساء لمدة عشرين يوماً لمرضى الكولسترول، فأثبت جدارته في الشفاء. كما يمكنه من تنقية خلايا جلدة الرأس، مما يسهل وصول الأكسجين لبويصلة الشعر وتنفسها بحيوية، على أن يتمّ استخدامه بعد غسل فروة الرأس، كما يشجّع أخصائيو التجميل على استعماله لتأخير تجاعيد البشرة.
بين اليدوي والآلي
دخلت الآلة إلى هذه المهنة التراثية رغم أنف الريفيات المغربيات، تبتسم أم كلثوم قائلة: "النساء فقط يُجدن هذا، هذه مهنتنا".
ويقول أهل السوق إنّ "الرجال" أحضروا الآلات الحديثة، بدافع التقليل من الأيدي العاملة، وتوفير الوقت وزيادة الأرباح، وإنّ شركات تصنيع الأرغان بدأت تنتشر في المنطقة، على حساب مشهد الصناعة التقليدية الآخذ بالتآكل.
بهذا الصدد ينفي يوسف ناصر، ممثّل شركة "تيقونتاف أرقان" أن تكون عملية عصر الزيت ممكننة مئة بالمئة، لأن قشرة حبة الأرغان تزال بأيدي النساء القرويات، مضيفاً: "تقتصر المكننة على استخراج الزيت، واخترنا الآلة بدافع المحافظة على النظافة والجودة العالية، بدل الطريقة التقليدية، التي تخلط الماء مع عجينة الأرغان، مما يفسد الزيت بعد خمسة عشر يوماً، وبعد ثلاثة شهور يطلق رائحة كريهة ويبدأ بالتعفن، أما بالآلة والتحليل المختبري فيبقى قابلاً للاستهلاك مدّة سنتين بجودته، وبفيتامين E وA، لأننا نصدّره فهو مطلوب عالمياً".
معوقات
وعلى مستوى التصدير، يعاني المنتوج من قرصنة شركات تقوم بإعادة تعليبه، وتصديره بأسعار باهظة على شكل مساحيق تجميل أو أدوية، كما يستخدم الآن في الدنمارك لمعالجة الأكزيما، يقول ناصر: "الزيت لا ناقص فيه ولا زائد، له نتيجة حتمية على اليدين والقدمين والشعر، لذلك يجذب أسواقاً عالمية، مما يضاعف الطلب والإنتاج".
ومن التحدّيات التي تواجه الشجرة النادرة، الزحف الإسمنتي الذي يقضي على هكتارات كبيرة من غابة الأرغان، مقابل اهتمام ضعيف من الجهات المسؤولة، وتمّ مؤخراً في منطقة آزرو، القريبة من أكادير، قطع ما يقارب 300 شجرة لبناء كلية وفق قول ناصر.
تمتد غابات الأرغان على مرّ البصر في الطريق الواصلة من مراكش إلى أكادير، ومن أكادير عودة إلى الصويرة، وتنتشر التعاونيات النسوية التي تعمل بإنتاج الزيت بكثرة على جوانب الطرق وتبلغ مساحتها 830 ألف هكتار. يضاف لذلك أن المغرب يتطلع إلى إنتاج 10 آلاف طنّ سنويّاً من الزيت، وإعادة تأهيل 200 ألف هكتار، وغرس خمسة آلاف من هكتار غابة الأركان بحلول عام 2020 لمحاربة التصحّر، وتحسين الدخل الشهري للأسر القروية التي تعتمد على الأركان مصدراً أساسياً للدخل.
إقرأ أيضاً: زهور الكركديه.. ياقوت برّي في كلّ منزل
لا يتوقّف الأمر عند أرغان، فالمغرب يشتهر أيضاً بإنتاج زيوت أخرى مثل السمسم، وبذرة الكتان، و"الشالوج" أو الحبة السوداء، وزيوت أساسية مثل "اليازيز" إكليل الجبل، والزعتر، والزعيترة، والبابونج والشيح التي تستخرج بالتقطير وزيت "القطران" المستخرج من خشب العرعر المحروق والمفيد للشعر تحديداً.
فهذا الزيت نوعان، زيت الطبخ، الذي يميّز أطباق الكسكس والطاجين والأرز والعصيدة، وزيت التجميل "الأبيض" الذي يدخل في علاج الكوليسترول وتساقط الشعر وتغذية البشرة.
حكاية التصنيع
تجلس بائعة "زيت الأرغان" أمام حانوت للأعشاب الطبية، لتبدأ عملية عصر عجين "الأرغان" وإخراج الزيت الصافي في حوض، ثم تعبئته بعبوات وفق طبيعة الاستخدام.
اسمها أمّ كلثوم، ذات الأصول أمازيغية، تعلّمت المهنة من والدها وهي في 12 من العمر، وعن الرحلة التي تقطعها بذور الأرغان حتى تصبح زيتاً نادراً ومباركاً تقول المرأة الخمسينية: في منطقتنا، "حاحا"، نقطف ثمار الأرغان من الغابة - أي الأرض - ونضعها في الشمس حتى تجفّ، ونزيل القشرة الخارجية عنها، ثم نكسرها للحصول على البذور التي تؤخذ عند الفران لتحميصها أو نحمصها بطاجين البيت، ثم نطحنها بواسطة الرحى، ونرشّ قليلاً من الماء عليها لاستخراج الزيت، ثم نخزنها في الجرار الطينية، ونغلفها بالبلاستيك، بعد إضافة الملح الخشن للمحافظة عليها. نبيع العجينة التي تُستعمل طعاماً للأبقار لتدرّ الحليب، أو تُستعمل في البرونزاج، أما عجينة الأرغان الأبيض فتجفف وتستخدم غسولاً للوجه، يخلط مع ماء الورد المنتشر في الحمّامات المغربية... لا يُهدر شيء حتى خشب الشجرة يُستخدم حطباً".
الشجرة النادرة
تتواجد أشجار الأرغان، أو لوز البربر، المهدّدة بالانقراض، في منطقة سوس جهة أكادير، وتشتهر بزيتها الذي هو من أندر الزيوت في العالم لكثرة فوائده، والذي يصل سعر علبة ما للطبخ منه إلى 20 دولاراً وسعر علبة الزينة والعلاج 40 دولاراً.
وعن مميزات الشجرة كما خبرتها أمّ كلثوم، تقول: "لا تُزرع الشجرة، إنما تنمو وحدها، نلتقط ثمارها المتساقطة أرضا كحبات التمر خلال فصليّ الربيع والصيف ورائحتها كالمشمش كما تصف أم كلثوم ويقضي الناس شهراً أو شهرين في الموسم، بحيث يتعاون الفلاحون فيما بينهم".
ويكثر الطلب على هذا الزيت في مواسم الأعراس، وفي صباحية العروس تحديداً، إذ تتناوله عائلة العروس والعريس مع الأرز والعسل، كدلالة على شرف العائلة والعروس. أما في رمضان فيؤكل مع خبز "البطبوط"، ويتوجّب وضعه على مائدة الضيوف في الأعياد إلى جانب العسل والأملو (خليط اللوز المطحون وزيت أرغان والعسل الذي يعدّ وجبة مثالية للفطور، وفطور المتزوجين غداة زفافهم تحديداً)
يستخدم الزيت لتقوية الشعر بالدرجة الأولى، وقد أخضعه العلماء لتجربة مختبرية أثبتت فعاليته الطبية والتجميلية، إذ قامت شركات عالمية بإعطاء ملعقة صغيرة من الزيت صباحاً ومساء لمدة عشرين يوماً لمرضى الكولسترول، فأثبت جدارته في الشفاء. كما يمكنه من تنقية خلايا جلدة الرأس، مما يسهل وصول الأكسجين لبويصلة الشعر وتنفسها بحيوية، على أن يتمّ استخدامه بعد غسل فروة الرأس، كما يشجّع أخصائيو التجميل على استعماله لتأخير تجاعيد البشرة.
بين اليدوي والآلي
دخلت الآلة إلى هذه المهنة التراثية رغم أنف الريفيات المغربيات، تبتسم أم كلثوم قائلة: "النساء فقط يُجدن هذا، هذه مهنتنا".
ويقول أهل السوق إنّ "الرجال" أحضروا الآلات الحديثة، بدافع التقليل من الأيدي العاملة، وتوفير الوقت وزيادة الأرباح، وإنّ شركات تصنيع الأرغان بدأت تنتشر في المنطقة، على حساب مشهد الصناعة التقليدية الآخذ بالتآكل.
بهذا الصدد ينفي يوسف ناصر، ممثّل شركة "تيقونتاف أرقان" أن تكون عملية عصر الزيت ممكننة مئة بالمئة، لأن قشرة حبة الأرغان تزال بأيدي النساء القرويات، مضيفاً: "تقتصر المكننة على استخراج الزيت، واخترنا الآلة بدافع المحافظة على النظافة والجودة العالية، بدل الطريقة التقليدية، التي تخلط الماء مع عجينة الأرغان، مما يفسد الزيت بعد خمسة عشر يوماً، وبعد ثلاثة شهور يطلق رائحة كريهة ويبدأ بالتعفن، أما بالآلة والتحليل المختبري فيبقى قابلاً للاستهلاك مدّة سنتين بجودته، وبفيتامين E وA، لأننا نصدّره فهو مطلوب عالمياً".
معوقات
وعلى مستوى التصدير، يعاني المنتوج من قرصنة شركات تقوم بإعادة تعليبه، وتصديره بأسعار باهظة على شكل مساحيق تجميل أو أدوية، كما يستخدم الآن في الدنمارك لمعالجة الأكزيما، يقول ناصر: "الزيت لا ناقص فيه ولا زائد، له نتيجة حتمية على اليدين والقدمين والشعر، لذلك يجذب أسواقاً عالمية، مما يضاعف الطلب والإنتاج".
ومن التحدّيات التي تواجه الشجرة النادرة، الزحف الإسمنتي الذي يقضي على هكتارات كبيرة من غابة الأرغان، مقابل اهتمام ضعيف من الجهات المسؤولة، وتمّ مؤخراً في منطقة آزرو، القريبة من أكادير، قطع ما يقارب 300 شجرة لبناء كلية وفق قول ناصر.
تمتد غابات الأرغان على مرّ البصر في الطريق الواصلة من مراكش إلى أكادير، ومن أكادير عودة إلى الصويرة، وتنتشر التعاونيات النسوية التي تعمل بإنتاج الزيت بكثرة على جوانب الطرق وتبلغ مساحتها 830 ألف هكتار. يضاف لذلك أن المغرب يتطلع إلى إنتاج 10 آلاف طنّ سنويّاً من الزيت، وإعادة تأهيل 200 ألف هكتار، وغرس خمسة آلاف من هكتار غابة الأركان بحلول عام 2020 لمحاربة التصحّر، وتحسين الدخل الشهري للأسر القروية التي تعتمد على الأركان مصدراً أساسياً للدخل.
إقرأ أيضاً: زهور الكركديه.. ياقوت برّي في كلّ منزل
لا يتوقّف الأمر عند أرغان، فالمغرب يشتهر أيضاً بإنتاج زيوت أخرى مثل السمسم، وبذرة الكتان، و"الشالوج" أو الحبة السوداء، وزيوت أساسية مثل "اليازيز" إكليل الجبل، والزعتر، والزعيترة، والبابونج والشيح التي تستخرج بالتقطير وزيت "القطران" المستخرج من خشب العرعر المحروق والمفيد للشعر تحديداً.