منذ عام 1984، شاركت الباحثة الأركيولوجية الإيطالية سابينا أنطونيني في العديد من الحفريات والمسوحات الأثرية في اليمن ضمن البعثة الأثرية لبلادها في العديد من المواقع مثل براقش وتمنع، كما نالت شهادة الدكتوراه في تاريخ الفن في الشرق الأدنى من "جامعة نابلولي" ضمن بحثها عن التسلسل الحضاري في المنطقة نفسها.
تلقي أنطونيني المزيد من الضوء على التاريخ العربي قبل الإسلام في محاضرتها "تجسيد القوة في جنوب الجزيرة العربية في القرون المبكرة" التي تنظّمها "دار الإثار الإسلامية" في الكويت عند السابعة من مساء اليوم الإثنين.
تتناول المحاضِرة التعبيرات الفنية التي أنتجتها الحضارة السبئية منذ الألف قبل الميلاد وصولاً إلى القرن الثالث بعد الميلاد، حيث بنيت المدن مستطيلة الشكل يحيطها بها سور تتمركز عليه أربعة أبراج وبوابتان متقابلتان، وتظهر أنماط البناء الخصوصية التي تمثّل الفنون العربية في الممالك اليمنية مع تأثيرات هلنستية ومصرية بحكم التفاعل معها.
تدرس الباحثة التماثيل التي خلّفتها حضارات اليمن الحميرية والقتبانية والمعينية، وتعدّ أولى النصب التي تقام لملوك المنطقة وآلهتها من البرونز والحجر، حيث نفّذت بداية بأساليب بدائية لا تظهر ملامح الوجه وفاقدة للأرجل كما أن سطوحها وجوانبها نحتت أقرب للشكل المكعب، لكن مع تطّورها أصبحت تحوي تفاصيل أكثر تتعلّق بتسريحة الشعر واللباس والأكمام، وحملت هذه المنحوتات قداسة رمزية أيضاً.
استخدم السبئيون الأحجار النفيسة حيث كانت تصنع منها الخواتم والحلي، وينقش عليها بخط المسند، كما تستعمل كأختام لتوثيق المعاملات الرسمية، كما توجد منحوتات حجرية كمقاعد وأسرّة وقطع أثاث داخل البيت، كما عثر على أدوات من الفخار والزجاج والمعادن المختلفة وكلها تعكس تفاصيل الحياة اليومية حينذاك.
في المعابد التي بُنيت منها العشرات تمّ توظيف الفنون لغايات متعدّدة، حيث تصوّر النقوش الكهنة وطقوسهم الدينية والملوك والمقاتلين وتوثيق الحروب والمعارك التي كانوا يخوضونها، إلى جانب تصوير الحياة الزراعية وأعمال الفلاحين في مواسم البذار والحصاد، وكذلك تظهر الراقصات ضمن احتفالات المعبد في العديد من المناسبات.
لا زالت الاكتشافات الأثرية في اليمن لم توضّح الصورة كاملة عن الحياة السياسية والاجتماعية والدينية في بلد لم تنقطع فيه الحضارات خلال أكثر من عشرة آلاف عام، وكانت بعثات التنقيب قد ازداد عملها قبل اندلاع الصراع المسلّح في السنوات الأخيرة، حيث تشير الباحثة عنه في أكثر من حديث لها إلى واقع تهريب الآثار وتخريبها وسبل المحافظة عليها في الأزمات.