ولدت سارة شمَّة في دمشق عام 1975، وتخرجت من كلية الفنون الجميلة، قسم التصوير الزيتي بالدرجة الأولى، وعملت في مركز أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية في دمشق. حازت على الجائزة الرابعة في مسابقة البورتريه العالمية في لندن، عام 2004.
عندما تخرجت من كلية الفنون الجميلة، فاجأت الناس بلوحاتها الضخمة والمؤثرة، ممّا ميّزها وميّز شخصيتها الفنية، وجمعت في أعمالها بين التصويرية والبنيوية إلى التفكيكية، من نقاوة الصورة إلى تشوُّهات الوجه والأطراف. ولكن بصماتها واضحة المعالم باستلهام المواضيع ذات التعبير المشحون بالقلق والخوف والرهبة، إلى التصوف والانشغال بالروح وتجلياتها وشطحاتها. إنها تمزج بين الأنوثة والذكورة في وجد صوفي يعبق بالنشوة الطاغية.
وها هي الأصابع تختلط بالجسد على إيقاع موسيقى الألوان الدافئة والحارة في تشكيل من المتعة التي لا تضاهى. الجلوس أمام المرآة والتحديق فيها يخلق متعة في داخلنا لا تقدر. وكلما استمر هذا الجلوس وهذا التحديق زادت النشوة لتصل إلى الجمال. وهذا ما تفعله ساره شمة عندما تجلس أمام المرآة/ اللوحة، إنها تذوب فيها إلى درجة التماهي، والتلاشي في الذات، فلا نعرف من يتلاشى في الآخر، الأصل أم اللوحة أم الاثنان معاً.
تتعالى في اللوحة وتذوب لتصل إلى مولانا جلال الدين الرومي، فنجدها تنصهر في نشوة صوفية، في استسلامه العذب للحالة التي وصلت إليها. إنها تختار واحداً تلبسه أناها، وتبدأ برقصة المولوية، منتشية ومحلقة، لتصل إلى عوالم بعيدة، فيها اللون، وفيها الحركة، وفيها الفن الذي يصبو إلى مرحلة العشق. ثم تعبر لتصوّر وجهها، فنراها ملفحة بحجاب موشّى، ونجدها تحاصر الشفتين وفتحات الأنف والعينين، فيتحوّل الرأس إلى كائن سرمدي يغرق في غباشة اللون.
لقد استطاعت الفنانة أن تخرج كلّ أنوثتها من داخل جسدها، تلك التي لا يمكن لأحد أن يعرف أسرارها سواها. لقد فرشت الأنوثة أمام أعيننا لتدهشنا فقط، ولتقول أشياء كثيرة، ربما ستكون عاجزة إن هي جلست أمامنا وباحت بها، وهذا عمل لا يستطيع إخراجه من الجسد إلا من امتلك غروراً أو إعجاباً بالذات إلى درجة التصوّف والعبادة. ومن حقّ كلّ مبدع أن يكون كذلك عندما يقدم إعجازه، وكثيراً ما تنقلب انطوائيتها التوحيدية إلى نرجسية، وذلك عندما تستنسخ وجهها في المرآة، واستطاعت أن تسحب رجلها في اللحظة الأخيرة من فخ الوقوع في نسخ الواقع، وقد يعود ذلك إلى الحرفية العالية التي تتمتع بها، وهي ذاتها التي جعلتها تهتم بأدق التفاصيل.
إنها قلقة ومتألمة، تريد أن تسمع صوتها المكبوت إلى أطراف كلّ الدنيا، وكي تكسر المألوف، وتخرج من اللوحة، تعبئ نفسها في دوائر زجاجية تتحدى نفسها في إعادة خلق اللوحة. وعندما تصل إلى نشوة الإبداع تلتذ بتشويه الوجه والجسد وتخرج تعابير النفس وعذابها إلى الأصابع والعينين وتقاسيم الوجه، ثم تبتهج لانتصارها فتبدأ التدخين بمتعة الانتصار والتحدي، والضوء ينسكب على جسد نظيف ينضح بمتعة الأنوثة الحقيقية، والظل يكسر الرتابة وهو يهرب من الضوء. تفلت اليد من رسغها، تمتد لتمسك الفراغ، أو تستسلم لزحف الأصابع ثم ترتفع إلى أعلى متحدية هذا الدخان الذي يلتف على بهائه وهو يتماوج إلى أعلى.
انفعالات مكبوتة، لا يمكن أن تسكّنها هذه الأغطية التي لا يمكن أن تدفن كلّ هذا الألم البشري الذي يتدفق من الوجه. كأنما عذابات المرأة عبر كلّ تاريخ القهر. أي دمار تحمله هذه الوجوه البشرية لأنثى؟ أي ألم هذا الذي يصّر على تخريب جمال هذه الوجوه والأجساد؟ إنها قدرة على سحب هذا كلّه من داخل النفس ونثره عذاباً فوق روح هذا الجمال. إنها رحلة القلق والبحث والعجز عن السيطرة على الانفعالات الإنسانية المخزونة داخل الفنان، ثم وهو يفلتها من عقالها إلى بياض اللوحة لتشكل دراما إنسانية.