تتسابق المكوّنات والطوائف العراقية للحصول على سلاح ودعم خارجي، خارج إطار الدولة وبشكل متصاعد خلال الفترة الماضية، وهو أمر يثير مخاوف العراقيين، ويعزز سيناريوهات الاقتتال الداخلي والتقسيم، على الرغم من أن الهدف المعلن لمحاولات الحصول على السلاح هو "الحرب على الإرهاب"، المتمثل بتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وحماية مناطق كل فئة من أي خطر. لكن يعتبر مراقبون أن هذه التطورات هي الأخطر على العراق، داعين لحصر السلاح بيد الدولة فقط.
ولعل ما أثاره نائب رئيس الجمهورية العراقية المُقال إياد علاوي، من اختفاء عشرات المدرعات التي قدّمتها دولة خليجية للعراق بعد وصولها البلاد، واتهام مليشيات بالاستيلاء عليها، دليل على هذه الصفحة الجديدة التي أدخلت المجتمع العراقي في حالة من العسكرة أكبر من سابقاتها يتحكّم فيها قادة وزعماء حرب من مختلف الطوائف.
يضاف إلى ذلك، الدعم الحكومي غير المحدود للمليشيات وتسليحها بكافة أنواع السلاح ومنه الثقيل، وتخصيص موازنة لها تزيد على موازنة وزارة الدفاع. وهو ما يثير مخاوف كافة المكوّنات العراقية التي دفعها ذلك إلى السعي للحصول على دعم عسكري من جهات خارجيّة، لحماية نفسها ومناطقها من "الإرهاب"، فيما يُحمّل مراقبون الحكومة مسؤولية كل ذلك، وما ينتج عنه من عسكرة لكل طوائف المجتمع.
يقول عميد في وزارة الدفاع العراقية، لـ"العربي الجديد"، إن "عمليات سرقة وتسريب للأسلحة التي نحصل عليها من حكومات ودول أجنبية وعربية، تجري على يد المليشيات وجماعات مسلّحة أخرى بدعوى محاربة الإرهاب"، مشيراً إلى أن "المليشيات والأكراد والعشائر في سباق محموم للتسلّح، فيما يبقى الجيش النظامي أضعف حلقات هذا السباق".
يشير العميد نفسه إلى "عمليات السرقة التي عادة ما تتم بطريقة الإعارة، لكن تلك الأسلحة لا تعود وتصبح ضمن ترسانة المليشيات، وبالتالي فإن هناك عمليات شراء لسلاح الجيش من جهات مختلفة بينها الأكراد، وضغوطا سياسية من أطراف أخرى كالعشائر للأخذ من سلاح الجيش"، معرباً عن أسفه لأن هناك "دولة إقليمية معروفة تُسهّل عمل مافيات السلاح الأوروبية لنقل الأسلحة والذخيرة إلى العراق".
وفي ظل الصراع المحموم للتسليح بين الفصائل العراقية، لم يكن مفاجئاً إعلان رئيس الجبهة التركمانية العراقية أرشد الصالحي، قبل أيام، بأنّ "المكوّن التركماني يسعى للحصول على دعم دولي وتسليح". وعزا مساعيه إلى "معاناته جرّاء الهجمة الإرهابية التي يتعرّض لها العراق، ما بين احتلال مدنه، ونزوح أكثر من 250 ألف تركماني من بلدات احتلها داعش في تلعفر ونواحيها، ومدن تابعة لقضاء الطوز، إلى جانب الاستهداف المتكرر لنخب هذا المكوّن، ما يمثّل تهديداً لوجوده وجغرافيته"، على حد قوله. وأوضح الصالحي أنه "زار لندن والتقى عدداً من المسؤولين البريطانيين، وبحث معهم حصول التركمان على دعم دولي، وتسليحهم بعد فشل الحكومة العراقية في ضمان حقوقهم"، مشيراً إلى أنه يخطط للقيام "بزيارات إلى الأردن وتركيا ومصر والولايات المتحدة والجامعة العربية ولقاءات أخرى قريبة مع الخارجية الأميركية لبحث موضوع التسليح".
اقرأ أيضاً: العراق: انفلات أمنيّ في ديالى يثير مخاوف أهلها
من جهته، يقول عضو "تحالف القوى العراقيّة"، محمد العبيدي، إنّ "كافة المكوّنات والطوائف العراقيّة تسعى اليوم للحصول على السلاح، خوفاً من المليشيات الطائفية التي أصبحت قوة عسكرية مجهّزة بترسانة تفوق ترسانة الجيش العراقي". ويلفت العبيدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المليشيات بدأت سباق التسليح في العراق. وإلى جانب حصولها على السلاح الإيراني وسلاح من الحكومة العراقيّة، عمدت إلى تنفيذ عمليات سرقة لسلاح الجيش العراقي، بالخفاء والعلن، فقد سيطرت على ترسانة الجيش بحجة قتالها لداعش، ولا أحد يستطيع محاسبتها".
ويشير العبيدي إلى أنّ "المليشيات لم تكتفِ بعمليات السرقة من الترسانة العسكريّة، بل سيطرت حتى على عقود الأسلحة المخصصة للجيش، وسلبت السلاح والدعم المقدّم للجيش العراقي من دول عدة، الأمر الذي أدى إلى وجود ترسانة خطيرة من السلاح والعتاد والتجهيزات العسكريّة بيد المليشيات، ما جعل منها القوة الأولى في العراق. وهو ما ساهم في زيادة مخاوف كافة المكوّنات التي تخشى على نفسها وعلى مناطقها من تلك المليشيات، وبدأت بالبحث عن سلاح لحماية نفسها".
ويكشف العبيدي أنّ "طلب التسليح لم يتوقف على المكوّن التركماني، بل امتد إلى العشائر السنيّة، التي تسعى للحصول على السلاح من واشنطن لتحرير مناطقها، وكذلك المسيحيين والأيزيديين، الذين يسعون لتشكيل قوات حماية لهم، فضلاً عن وجود البشمركة وهي القوة الخاصة بالأكراد". ويشدد على أنه "مهما كانت المسميات، فكل ذلك ليس مبرراً، لأن وجود السلاح خارج إطار الدولة أمر ينذر بالخطر، ويجرّ البلاد إلى مخاطر كبيرة، لذا يجب على الحكومة أن تعمل على نزع سلاح المليشيات وغيرها، وأن تحصر السلاح بيد أجهزة الدولة فقط".
أما الخبير السياسي فراس العيثاوي، فيرى أنّ "العراق يتجه نحو التشرذم والتمزّق وتشكيل مليشيات وجهات مسلّحة تابعة لكل المكونات"، معتبراً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة فشلت فشلاً ذريعاً بسياستها تجاه المكوّنات العراقية، وأنّها تتحمل مسؤولية كل ذلك التمزّق في النسيج الاجتماعي العراقي، بسبب فسحها المجال واسعاً وتقديمها الدعم والتسليح إلى المليشيات الطائفية المتنفّذة في البلاد، على حساب المكونات الأخرى".
ويشير العيثاوي إلى أنّ "الحكومة قلّصت موازنة وزارة الدفاع لأجل تسليح المليشيات، كما أنّها دعمت تلك المليشيات وأضفت عليها شرعيّة وجعلتها فوق سلطة القانون"، مبينا أنّ "الدعم الحكومي للمليشيات دفعها لتهديد كافة المكوّنات العراقيّة الأخرى واحتلالها لمناطقهم، كما حدث في ديالى وجرف الصخر وصلاح الدين".
ويرى العيثاوي أن "ذلك جعل المليشيات التهديد الأكبر الذي يواجه المكونات العراقيّة الأخرى ويستهدف وجودها، ما دفع بالأخيرة إلى البحث عن تسليح دولي للحفاظ على أنفسها وممتلكاتها ومناطقها"، مشيراً إلى أن "الحكومة هي الجهة الوحيدة التي يجب عليها أن تتحمّل مسؤولية ذلك"، داعياً إياها إلى "النظر بعقلانية لخطورة تسليح المجتمع والمكونات العراقيّة، وما يجرّه على البلاد من ويلات"، مشدداً على "أهمية نزع السلاح من المليشيات وإيقاف الدعم المقدّم لها لتلافي الخطر المحدق بالبلاد".
اقرأ أيضاً: اختفاء عشرات المدرعات التي تبرعت بها دولة خليجية للعراق