سبتة ومليلية.. كي يفهم العرب
محمد غربي العزيزي (المغرب)
يتساءل عرب كثيرون بشأن وضعية مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين؟ ولماذا يتعامل المغرب بهدوء شديد مع مسألة المدينتين اللتين تحتلهما إسبانيا، على عكس صرامته الشديدة وحساسيته العالية تجاه قضية الصحراء، وأحيانا كثيرة يلجأ بعضهم إلى المزايدة على المغاربة بهذا الخصوص، إذ يقول قائلهم إن الأولى صرف الجهد عن الاهتمام بالقدس أو غيرها من القضايا العربية والإفريقية، إلى تحرير هاتين المدينتين من قبضة الإسبان أوّلا.
المطالبة بالسيادة على أرض ما لا بد وأن ترتكز على عدّة مقومات، تدعم شرعية هذه المطالبة، ومن أهمها تلك المرتبطة بالتاريخ والجغرافيا والقانون. وقد يتم القفز على ذلك كله باللجوء إلى القوة العسكرية في حالات محدودة جدا، أثبت التاريخ فشلها.
الحقيقة الوحيدة التي لا يمكن إنكارها اليوم أن سبتة ومليلية مدينتان مرتبطتان جغرافيا بالمغرب، فهذا أمر واقع وواضح لا لبس فيه، والحكومات المغربية على مر تاريخها لم ولن تعترف بشرعية الوجود الإسباني بهما، بل تعتبرهما جزءً من التراب المغربي، وعودتهما إلى حوزة السيادة الوطنية المغربية أمر لا محيد عنه. لكن باستثناء العامل الجغرافي تبقى هناك عدة مسائل ينبغي الانتباه لها، والتي قد لا تنصف المطالبات المغربية بالسيادة على المدينيتن، خصوصا إذا نظرنا إلى الموضوع من وجهة نظر قانونية وتاريخية، حيث تجعل التفسيرات الإسبانية أمر المدينتين بالغ التعقيد.
لقد دخل الإحتلال الإيبيري إلى المدينتين منذ القرن 15، أي قبل 600 سنة تقريبا، واستطاع الإسبان أن يحافظوا على وجودهم في المدينتين، على الرغم من محاولات التحرير الكثيرة التي بدأها السلطان المغربي المولى إسماعيل في القرن 16 وانتهاءً بثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي ما بين 1921 و1926، وهذا ما أكسب الوجود الإسباني بالثّغرين نوعَا من "شرعية تاريخية زمنية" لا يمكن القفز عليها، على الرغم من أن المِلكية لا تسقط بالتقادم، إلاّ أنّ وجود المدينتين تحت "السيادة" الإسبانية ستمائة سنة تقريبا غيّر معطيات كثيرة مهمة على الأرض، وهو أمر يستحيل تجاهله.
لتحصين وجودهم بالمدينتين، لم يعتمد الإسبان، عبر تاريخهم الطويل هناك، على الجانب العسكري فقط، بل عمدوا إلى تغيير معالم المدينتين عمرانيا واقتصاديا، حتى أضحتا فضاءً أوروبيا بامتياز. والأخطر من ذلك كله أن الإسبان تمكّنوا من تحقيق تفوق ديمغرافي بشري، يضمن الاطمئنان إلى ولاء سكان المدينتين لهم، فالإسبان يشكلون، منذ زمن، أغلبية سكانية بالمدينتين بعدما تم تهجير الغالبية العظمى من ساكنتها المسلمة، لتحل محلها ساكنة أخرى ذات دماء إسبانية استوطنت المدينتين وتوارثتهما أبا عن جد عقودا طويلة، وتدين بالولاء المطلق لملك إسبانيا. وهذا ما جعل الأخيرة تمنحهم حكما ذاتيا منذ1992 حيث أصبح لكل مدينة جمعية برلمانية وحكومة مستقلة، وهذا جانب آخر يعقّد أمر المطالبة بالمدينتين، فلو عمد المغرب مثلا إلى المطالبة بتطبيق مبدأ تقرير المصير، فالأكيد أن الكفة الإسبانية ستكون الأرجح، وهنا سنفقد المدينتين نهائيا.
إذن، الشرعية التاريخية والديمغرافية تُرجحان كفة أسبانيا، وأكبر مثال على ذلك هو الهزيمة التي تجرّعتها إسبانيا نفسها في الاستفتاء الذي أجرته بريطانيا عام 1961 في مستعمرتها، جبل طارق، والذي يعتبر غالبية سكانه من الإسبان. وعلى الرغم من ذلك، اختاروا البقاء تحت السيادة البريطانية، مع تمتعهم بنظام حكم ذاتي موسع، الأمر الذي أفقد أسبانيا كل أوراقها في المطالبة بالمعبر.
أمام كل ما سبق، لم يبق سوى الجانب العسكري، وهو أن يدخل الجيش المغربي المدينتين، ويخضعهما بالقوة إلى السيادة المغربية، وهذا شبه مستحيل، نظرا لاختلال ميزان القوى بين الطرفين، فحتى لو حقق المغرب توازنا عسكريا مع أسبانيا، فإن الأخيرة مرتبطة باتفاقية دفاع مشترك مع ثلاثين دولة أوروبية، بحكم أنها بلد كامل العضوية في الاتحاد الأوروبي، فضلا عن عضويتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو). وبالتالي، سيجد المغرب نفسه وحيدا في حربٍ لا طاقة له بها، علما أنّ غالبية قواته تعسكر في الجنوب في الصحراء المغربية التي توجد بها هي الأخرى مطالب انفصالية مدعومة من الجارة الجزائر. وبالتالي، سيعتبر إقدام المغرب على أي مغامرة عسكرية غير محسوبة العواقب انتحارا، ولن ينفعه آنذاك تعاطف العرب معه وبياناتهم التضامنية.
وما الحل إذن؟ الحل هو المراهنة على عاملي الوقت وتغير الظروف الجيوسياسية، فبعد سنوات قليلة، سيستعيد المغاربة أغلبيتهم الديموغرافية في المدينتين، حيث بيَّنت آخر الإحصاءات ارتفاعا كبيرا في عدد السكان المغاربة في مقابل تراجع مهول لنظرائهم الأسبان، وهو الأمر الذي أكدّته وزارة الدفاع الاسبانية نفسها، حينما دقت ناقوس الخطر قبل سنتين، منبّهة إلى تناقص حاد في عدد الإسبان المنخرطين في الدفاع عن المدينتين ضد أي هجوم مغربي محتمل، في مقابل تزايد مضطّرد في عدد المغاربة.
هذا التفوق الديمغرافي هو الكفيل باللجوء إلى المطالبة بإجراء استفتاء لتقرير مصير المدينتين حيث يضع المغاربة نصب أعينهم عدة خطط للحصول على الأقل على سيادة مشتركة على الثغرين.
المطالبة بالسيادة على أرض ما لا بد وأن ترتكز على عدّة مقومات، تدعم شرعية هذه المطالبة، ومن أهمها تلك المرتبطة بالتاريخ والجغرافيا والقانون. وقد يتم القفز على ذلك كله باللجوء إلى القوة العسكرية في حالات محدودة جدا، أثبت التاريخ فشلها.
الحقيقة الوحيدة التي لا يمكن إنكارها اليوم أن سبتة ومليلية مدينتان مرتبطتان جغرافيا بالمغرب، فهذا أمر واقع وواضح لا لبس فيه، والحكومات المغربية على مر تاريخها لم ولن تعترف بشرعية الوجود الإسباني بهما، بل تعتبرهما جزءً من التراب المغربي، وعودتهما إلى حوزة السيادة الوطنية المغربية أمر لا محيد عنه. لكن باستثناء العامل الجغرافي تبقى هناك عدة مسائل ينبغي الانتباه لها، والتي قد لا تنصف المطالبات المغربية بالسيادة على المدينيتن، خصوصا إذا نظرنا إلى الموضوع من وجهة نظر قانونية وتاريخية، حيث تجعل التفسيرات الإسبانية أمر المدينتين بالغ التعقيد.
لقد دخل الإحتلال الإيبيري إلى المدينتين منذ القرن 15، أي قبل 600 سنة تقريبا، واستطاع الإسبان أن يحافظوا على وجودهم في المدينتين، على الرغم من محاولات التحرير الكثيرة التي بدأها السلطان المغربي المولى إسماعيل في القرن 16 وانتهاءً بثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي ما بين 1921 و1926، وهذا ما أكسب الوجود الإسباني بالثّغرين نوعَا من "شرعية تاريخية زمنية" لا يمكن القفز عليها، على الرغم من أن المِلكية لا تسقط بالتقادم، إلاّ أنّ وجود المدينتين تحت "السيادة" الإسبانية ستمائة سنة تقريبا غيّر معطيات كثيرة مهمة على الأرض، وهو أمر يستحيل تجاهله.
لتحصين وجودهم بالمدينتين، لم يعتمد الإسبان، عبر تاريخهم الطويل هناك، على الجانب العسكري فقط، بل عمدوا إلى تغيير معالم المدينتين عمرانيا واقتصاديا، حتى أضحتا فضاءً أوروبيا بامتياز. والأخطر من ذلك كله أن الإسبان تمكّنوا من تحقيق تفوق ديمغرافي بشري، يضمن الاطمئنان إلى ولاء سكان المدينتين لهم، فالإسبان يشكلون، منذ زمن، أغلبية سكانية بالمدينتين بعدما تم تهجير الغالبية العظمى من ساكنتها المسلمة، لتحل محلها ساكنة أخرى ذات دماء إسبانية استوطنت المدينتين وتوارثتهما أبا عن جد عقودا طويلة، وتدين بالولاء المطلق لملك إسبانيا. وهذا ما جعل الأخيرة تمنحهم حكما ذاتيا منذ1992 حيث أصبح لكل مدينة جمعية برلمانية وحكومة مستقلة، وهذا جانب آخر يعقّد أمر المطالبة بالمدينتين، فلو عمد المغرب مثلا إلى المطالبة بتطبيق مبدأ تقرير المصير، فالأكيد أن الكفة الإسبانية ستكون الأرجح، وهنا سنفقد المدينتين نهائيا.
إذن، الشرعية التاريخية والديمغرافية تُرجحان كفة أسبانيا، وأكبر مثال على ذلك هو الهزيمة التي تجرّعتها إسبانيا نفسها في الاستفتاء الذي أجرته بريطانيا عام 1961 في مستعمرتها، جبل طارق، والذي يعتبر غالبية سكانه من الإسبان. وعلى الرغم من ذلك، اختاروا البقاء تحت السيادة البريطانية، مع تمتعهم بنظام حكم ذاتي موسع، الأمر الذي أفقد أسبانيا كل أوراقها في المطالبة بالمعبر.
أمام كل ما سبق، لم يبق سوى الجانب العسكري، وهو أن يدخل الجيش المغربي المدينتين، ويخضعهما بالقوة إلى السيادة المغربية، وهذا شبه مستحيل، نظرا لاختلال ميزان القوى بين الطرفين، فحتى لو حقق المغرب توازنا عسكريا مع أسبانيا، فإن الأخيرة مرتبطة باتفاقية دفاع مشترك مع ثلاثين دولة أوروبية، بحكم أنها بلد كامل العضوية في الاتحاد الأوروبي، فضلا عن عضويتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو). وبالتالي، سيجد المغرب نفسه وحيدا في حربٍ لا طاقة له بها، علما أنّ غالبية قواته تعسكر في الجنوب في الصحراء المغربية التي توجد بها هي الأخرى مطالب انفصالية مدعومة من الجارة الجزائر. وبالتالي، سيعتبر إقدام المغرب على أي مغامرة عسكرية غير محسوبة العواقب انتحارا، ولن ينفعه آنذاك تعاطف العرب معه وبياناتهم التضامنية.
وما الحل إذن؟ الحل هو المراهنة على عاملي الوقت وتغير الظروف الجيوسياسية، فبعد سنوات قليلة، سيستعيد المغاربة أغلبيتهم الديموغرافية في المدينتين، حيث بيَّنت آخر الإحصاءات ارتفاعا كبيرا في عدد السكان المغاربة في مقابل تراجع مهول لنظرائهم الأسبان، وهو الأمر الذي أكدّته وزارة الدفاع الاسبانية نفسها، حينما دقت ناقوس الخطر قبل سنتين، منبّهة إلى تناقص حاد في عدد الإسبان المنخرطين في الدفاع عن المدينتين ضد أي هجوم مغربي محتمل، في مقابل تزايد مضطّرد في عدد المغاربة.
هذا التفوق الديمغرافي هو الكفيل باللجوء إلى المطالبة بإجراء استفتاء لتقرير مصير المدينتين حيث يضع المغاربة نصب أعينهم عدة خطط للحصول على الأقل على سيادة مشتركة على الثغرين.