وسط انتشار وباء كورونا، قام مسلمون في الدنمارك برفع صوت الأذان بعض المرات، بعدما انتشرت الظاهرة في أكثر من بلد أوروبي، بما فيها إسبانيا وإيطاليا وألمانيا. وخلال الأيام الماضية، وبعد التخفيف من إجراءات العزل، تعالت مطالب بحظر رفع الأذان بمكبّرات الصوت، وأصبح الأذان مادة سياسية وإعلامية بعد أن أكدت وزارة الكنائس (الجهة المسؤولة عن تنظيم شؤون الديانات في البلد) تلقيها 3 طلبات من مساجد دنماركية ترغب ببث الأذان من سماعات خارجية.
في البداية تصدت أحزاب اليمين والمحافظين لرفض الطلب، إذ اشتركت أحزاب المحافظين وفينسترا (ليبرالي) والبرجوازي الجديد في الرفض التام، وذلك قبل أن ينضم الحزب الحاكم، الاجتماعي الديمقراطي، لمراجعة المنع، وإن كان يتريث بسبب أنه "قد ينتهك الدستور والاتفاقات الدولية". لكن يبدو أن السجال بدأ ينتج تأييدا شعبيا مؤيدا للحظر.
ووفقا لنتائج استطلاع أجراه مركز "فوكس ميتر" للاستطلاعات، فإن نحو 74 في المائة من الدنمركيين المُستطلعين (1005 مواطنين، في الفترة بين 24 يونيو/حزيران و29 منه)، يؤيدون حظر رفع صوت الأذان في مدن وضواحي الدنمارك.
نتائج الاستطلاع لم تكن مفاجئة، بحسب مقرر شؤون الهجرة والدمج في الحزب الحاكم (يسار الوسط)، راسموس ستوكلوند. بيد أن هذا المشرع، بحسب وكالة الأنباء الدنماركية، ريتزاو، يرى أنه "لا يُعرف حجم المشكلة بعد، فهي (رفع الأذان) لم تحصل سوى أثناء أزمة كورونا".
ويضيف ستوكلوند أن "مسلمي الدنمارك عموماً موجودون لعقود بشكل سلمي، وأعتقد أن أغلبيتهم لا يريدون رفع الأذان (بمكبرات صوت)". مؤكدا رغبته أيضا أن يكون الحظر بحسب تفاقم المشكلة.
وكان وزير الهجرة والدمج، ماتياس تيسفايا، قد أكد في رسالة جوابية للبرلمان الدنماركي، خلال شهر يونيو/حزيران المنصرم، أن "الحظر المستهدف تحديدا أذان المسلمين أمر يخالف القانون". وهو بذلك يشير إلى عدم تخصيص ديانة محددة بالحظر، بسبب ما يمكن أن يحمله ذلك من إشكاليات دستورية وحقوقية. ويرغب الوزير تيسفايا في جوابه البرلماني "دراسة قانونية لاستيضاح قانونية الحظر".
وفي الاستطلاع المشار إليه، سُئل المشاركون عما إذا كانوا يتفقون مع إحداث "تعديلات دستورية، والتحلل من بعض المواثيق للتمكن من حظر الأذان؟"، فأجاب حوالي 41 في المائة أنهم يتفقون مع ذلك.
وتشير وكالة الأنباء الرسمية، ريتزاو، إلى أن شريط فيديو ظهر من ضاحية غيلروب، قرب آرهوس ( وسط غرب)، ظهر فيه رفع أذان، بعد الحصول على إذن من البلدية، بحسب الوكالة التي أضافت أمس "لم يعرف بعد كيف حصلوا عليها (الموافقة)". وشهدت المنطقة احتجاجات تسبب بها مجيء زعيم حزب متطرف، "تشديد الاتجاه"، راسموس بالودان، للاحتجاج على وجود مسلمين ومهاجرين في بلده. وقام في مايو/أيار الماضي مجموعة من "جينارايشين ايندتيتاير" Génération Identitair الأوروبية المتشددة بمباغتة السكان ورفع يافطة كبيرة تدعو لحظر الأذان، ما استدعى تدخل الشرطة والإطفائية لإزالة اليافطة وحدوث احتجاجات من بعض شبان المنطقة المسلمين.
ويعتبر السجال حول مسلمي الدنمارك قضية حساسة وحذرة في البلد، منذ أن اندلعت في 2005 "أزمة رسوم النبي محمد الكاريكاتيرية" التي نشرت في صحيفة محلية وأدت لشرخ في علاقة الدنمارك بمسلميها وبعض الدول. ومؤخرا بدأت السلطات الدنماركية دراسة "تمويل دول خارجية لمساجد الدنمارك"، حيث يسلط الضوء على الجانب التركي. وبحسب معلومات خاصة بـ"العربي الجديد" يقوم الجانب الإماراتي، وخصوصا سفارة أبو ظبي، بحملة كبيرة في كوبنهاغن وغيرها من دول اسكندينافية لإثارة زوبعة تتعلق بمركز حمد الثقافي، الذي شيدته قطر قبل سنوات، هذا بالإضافة لفتح خطوط مع بعض المراكز الإسلامية المتعثرة ماليا، ومحاولة أبو ظبي تقديم نفسها بديلا في أوساط الجاليات العربية والمسلمة، رغم أن المشرعين يدعون إلى حظر التمويل الخارجي.
وتتصاعد دعوات "وقف أسلمة الدنمارك" من قبل معسكر اليمين المتطرف وجماعات متشددة تشبه حركة "بيغيدا" (وطنيون أوروبيون لوقف الأسلمة) في دول اسكندينافية من بينها النرويج والدنمارك. ويصل عدد مسلمي الدنمارك إلى حوالى 350 ألفا من أصل 5.5 ملايين مواطن.
وفي يوليو/تموز 2011 اُرتكبت مذبحة مروعة بحق شبيبة نرويجيين في جزيرة أوتويا على يد إرهابي متعصب، أندرس بريفيك، بذريعة "وقف أسلمة أوروبا".
واتخذت حكومة يمين الوسط السابقة في الدنمارك خطوات حظرت من خلالها النقاب في الأماكن العامة، ما تسبب بسجال مشابه للسجال الحالي. وتأمل سلطات كوبنهاغن ألا يؤدي سجال الأذان إلى توتر مع مسلميها. ويعول يمين ويمين الوسط على إيجاد صيغ تحظر رفع الأذان بمكبرات الصوت مثلما أوجدت صيغة فضفاضة لحظر النقاب، من دون أن يعني قانونيا استهداف خاص بالمسلمات وسمي قانون "حظر غطاء الوجه"، بما فيه أقنعة المظاهرات والتي تميزت بها حركة "أنتيفا" المعادية للفاشية.