تشعر المحامية اللبنانية لينا العيّا، مسؤولة القسم القانوني في جمعيّة عدل ورحمة، الناشطة في مجال خدمة المساجين، بالقلق مما تصف بـ"التلكؤ" في الإفراج عن من أمضوا مدة عقوبتهم ويحتجزون لعدم تسديدهم الغرامات المفروضة في ظل الحديث عن تزايد معدلات العدوى بفيروس كوفيد-19 في لبنان والعالم، إذ إن "كورونا لو أصاب سجينا سينتقل لألف"، كما تقول العيا.
ورغم موافقة مجلس الوزراء اللبناني في السابع عشر من مارس/آذار 2020، على مشروع قانون معجل يرمي لإعفاء السجناء من دفع الغرامات المحتجزين بسببها، ضمن إطار الإجراءات الحكومية للحدّ من انتشار الفيروس، لكنّ تفعيل القرار يحتاج لموافقة المجلس النيابي والذي لم يبتّ به بعد، بحسب ما يقوله مقرر لجنة السجون في نقابة محامي طرابلس محمد صبلوح، والذي يعتبر أن تخفيف الاكتظاظ في السجون أولوية في الوضع الحالي، وخاصة أنه يعرف سجناء يعانون من حالة صحية سيئة وسوء مناعة، ووصول العدوى لهم يضعهم والدولة أمام كارثة محققة، وهو ما تتفق معه العيا التي لفتت إلى وجود محتجزين نتيجة بطء الإجراءات أو أخطاء إدارية، وهؤلاء لم يشملهم القرار.
ورغم موافقة مجلس الوزراء اللبناني في السابع عشر من مارس/آذار 2020، على مشروع قانون معجل يرمي لإعفاء السجناء من دفع الغرامات المحتجزين بسببها، ضمن إطار الإجراءات الحكومية للحدّ من انتشار الفيروس، لكنّ تفعيل القرار يحتاج لموافقة المجلس النيابي والذي لم يبتّ به بعد، بحسب ما يقوله مقرر لجنة السجون في نقابة محامي طرابلس محمد صبلوح، والذي يعتبر أن تخفيف الاكتظاظ في السجون أولوية في الوضع الحالي، وخاصة أنه يعرف سجناء يعانون من حالة صحية سيئة وسوء مناعة، ووصول العدوى لهم يضعهم والدولة أمام كارثة محققة، وهو ما تتفق معه العيا التي لفتت إلى وجود محتجزين نتيجة بطء الإجراءات أو أخطاء إدارية، وهؤلاء لم يشملهم القرار.
ذعر الأهالي
تعيش الخمسينية اللبنانية سلمى (اسم مستعار بناء على طلبها) حالة من الذعر، خوفاً على ابنها العشريني رامي المحتجز في سجن رومية شرقي بيروت بعد انتهاء محكوميّته منذ أكتوبر/تشرين الأوّل 2019، بسبب عدم دفع غرامة قدرها 6 ملايين ليرة لبنانيّة، أي ما يعادل (3965 دولارا أميركيا).
وتحاول الوالدة التواصل مع الجهات المعنية للإفراج عن ابنها الذي قضى 6 سنوات في الحبس، كما تروي لـ"العربي الجديد"، مشيرة إلى أن الوضع المادي المتردي للأسرة فرض عليه البقاء في السجن، بسبب عدم قدرتهم على دفع الغرامة والإفراج عنه، قائلة :"أنتظر بفارغ الصبر تنفيذ القرار الحكومي لألتقيه، خاصة وأننا لا تستطيع زيارته والاطمئنان عليه بعد فرض حالة الطوارئ الصحيّة والتعبئة العامة في البلاد بسبب كورونا".
ويعدّ التعثر المالي الذي يحول دون دفع السجناء أو أسرهم للغرامات المترتبة عليهم من أبرز الأسباب التي تؤدي لاستمرار احتجازهم، وفق تأكيد عضو مجلس نقابة المحامين إيلي بازرلي، ومن بين هؤلاء الثلاثينية سارة إبراهيم، (اسم مستعار بناءا على طلبها)، والتي"ما تركت حدا ما تواصلت معه لتأمين مبلغ، 3 ملايين ليرة (1983 دولارا)"، بعد ما أنهت حكما بالحبس 5 أعوام انتهت في يناير/كانون الثاني الماضي، لكنها قضت 20 يوماً إضافياً بانتظار مساعدة من نقابة محامي طرابلس في تأمين قيمة الغرامة، وما زاد الأمر قطيعة أهلها لكونها متورطة في قضية مخدرات، غير أنها لم تخرج إلا بعد تأمين جزء من غرامتها بواسطة الناشطة اللبنانية ملاك حبلص، والتي تقدم المساعدة للمحتجزين بسبب غرامات، وهؤلاء يبلغ عددهم حالياً 110 سجناء، وفق ما يقوله رئيس مديريّة السجون في وزارة العدل اللبنانية القاضي رجا أبي نادر.
ولا تعيق الغرامات الإفراج عن السجناء اللبنانيين فحسب، بل تشمل الأجانب الذين بلغت نسبتهم من المحتجزين 13% وفقاً لتقرير صادر عن المركز اللبناني لحقوق الإنسان عام 2010، ويرجح حقوقيون وثقت معدة التحقيق إفاداتهم ازدياد نسبة هؤلاء في السنوات الخمس الأخيرة، نتيجة تدفق اللاجئين السوريين إلى لبنان، إذ تروي حبلص، أنها قابلت في فبراير/شباط المنصرم فتاتين سوريتين محتجزتين في سجن القبة بطرابلس، عقب انقضاء محكوميتهما لعدم قدرة ذويهما في سورية على دفع غراماتهما، وعدم متابعة أي جهة لقضاياهما.
صعوبة وضع السجناء الأجانب يعود بالأساس إلى غياب دعم القرابة، ومنهم من لا يعرف لغة البلد وإجراءاته، بالإضافة إلى عدم وجود محامين لهم في معظم الحالات، بحسب إفادة المحامي والأستاذ المحاضر في القانون ربيع قيس.
أخطاء إدارية تؤخر الإفراج
تؤدي أخطاء إدارية إلى تأخير الإفراج عن السجناء لدى انتهاء المحكومية كما تؤكد الناشطة العيّا لـ"العربي الجديد"، وتتضيف :"تقع أخطاء بأرقام النيابات، أو إرسال الرقم الخطأ إلى القلم العدلي، بالإضافة إلى ضياع الخلاصات التي تفيد انتهاء المحكومية، أو التأخر في تحريرها، فضلاً عن الآليات القديمة التي ما تزال مستخدمة مثل عدم الربط بين القلم العدلي وأقلام المحاكم"، مشيرة إلى عدم تناسب توزيع النيابات العامّة والهيئات الاتهاميّة مع الوضع الحالي والحاجات المستجدّة، ومع الاكتظاظ في السجون، فإن القلم العدليّ عليه ضغوطات جمّة قد تؤخّر القيام بواجباته حيال السجناء الذين انتهت محكوميّاتهم، بالإضافة إلى فقر الوعي القانوني لدى العديد من السجناء وعدم معرفتهم لحقوقهم، وهذا ما وقع للثلاثيني الفلسطيني زياد جنيد، والذي قضى حكماً بالحبس من يوليو/تمّوز2007 حتى يوليو 2016، جزء منه في سجن رومية ثم انتقل لسجن الريحانيّة، لكن لم يفرج عنه بعد انتهاء حكمه، بل مكث 3 شهور و25 يوماً إضافياً، إما بسبب البطء في إجراءات إخلاء سبيله، أو حصول خطأ ما لم يعرفه، وفقاً لما قاله لـ"العربي الجديد"، واصفاً تجربة احتجازه بقوله: "واحد ميت، وعم بموت أكتر، يعني كان عنده نفس وخنقوه بهالتأخير، السجن مقبرة تحت الأرض، ما كنّا نشوف الشمس إلّا يوم الأحد دقائق، وقت الزيارة كان دقائق كمان".
وتتناقض هذه الإجراءات مع المادة 58 من المرسوم رقم 14310 لعام 1949 المتعلق بإدارة السجون، والتي تنص على أن "يحال الى المحاكمة بجرم التعدي على الحرية ويتعرض للعقاب المنصوص عنه في المادة 368 من قانون العقوبات كل جندي أو امرأة حارسة يقبل أو يسجن أو يبقي في السجن شخصا ما بدون أوراق مثبتة قانوناً أو يبقيه في السجن بعد الوقت المحدد".
ويحتجز السجين عقب إنهاء محكوميته بسبب التأخر في إنهاء ملفاته القضائية، إذ فوجئ العشرينيّ اللبنانيّ عبدالله الأحدب والذي حكم عام 2015 بالحبس 5 سنوات وغرامة قدرها 5 ملايين ليرة (3304 دولارات)، عندما طلب النشرة الخاصة بالأحكام الصادرة وما عليه من غرامات ومخالفات قبل انتهاء محكوميته المقررة في 10 يوليو/تموز 2019، أنه حوكم غيابيّاً بموجب دعوى من عام 2009 دون أن يُبلغ بها، وحتى دمج الحكمين، مضت 5 أشهر على الأحدب وهو محتجز في محبسه بانتظار نهاية الإجراءات الطويلة، منها شهر ونصف عوضاً عن جزء من الغرامة المستحقة عليه.
ويقول الأحدب لـ"العربي الجديد" إنه طلب النشرة قبل حلول موعد الإفراج عنه لأنّه تعلّم من تجربة سجناء آخرين صدموا بقضايا أخرى بحقهم في اللحظة التي كانوا ينتظرون فيها الحرية.
وهنا أكد المحامي صبلوح أن العديد من السجناء يحتجزون الآن بسبب هذه المشاكل، في الوقت الذي أخرجت فيه الدول العديد من السجناء هذه الفترة خوفاً من الوباء، "لأن نظرتهم إليهم أكثر إنسانية"، كما يقول.
وتعاني السجون اللبنانية من اكتظاظ هائل، إذ وصل عدد السجناء إلى 7046 سجيناً حتى التاسع من مارس/آذار عام 2020 ، يتوزعون 25 سجناً، بالإضافة إلى النظارات، بحسب البيانات المنشورة على الموقع الإلكتروني لمديرية السجون، ويفوق هذا العدد الطاقة الاستيعابية للسجون والتي حددتها الدولة بـ 3653 سجيناً.
أجانب ينتظرون تسوية أوضاعهم
يبين تقرير صادر عن منظّمة ألف اللبنانيّة لحقوق الإنسان عام 2013، أن العديد من النازحين واللاجئين والمهاجرين يقضون وقتاً أطول بعد انتهاء مدّة حكمهم في انتظار شغور مكان لاستقبالهم في مركز الاحتجاز، وهو أحد الأسباب للبقاء في السجن بعد انتهاء المحكوميّة، وهؤلاء ممن تتأخر المديرية العامة للأمن العام بتسلمهم ليُصار إلى تسوية أوضاعهم وتأمين تذاكر سفر لهم بغية ترحيلهم إلى بلادهم، بموجب النظام القائم، ويستمر احتجازهم في السجون والنظارات حتى يتم نقلهم إلى مركز الأمن العام، الذي تتراوح مدة احتجاز الأجانب فيه بين بضعة أيّام وحتى شهر كحدّ أقصى، ويبلغ عدد المحتجزين فيه حالياً 400 محتجز، وفقاً لرئيس المركز العقيد بسّام فرح.
وتعزو ميرا بيني، منسقة القضايا والخدمات القانونيّة في مركز المهاجرين المجتمعي (جمعية حقوقية في بيروت) التأخر في ترحيل السجناء الأجانب إلى عدم وضوح المعايير التي يتبعها الأمن العام في ذلك، ومن بين هؤلاء سوريون يعادون لبلادهم، وقد يعرضهم ذلك للخطر كما جاء في تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش الصادر في 2 سبتمبر/أيلول 2019، بأن 3 سوريين على الأقل من بين 2731 سوريّاً تمّ ترحيلهم من قبل الأمن العام اللبناني في الفترة بين 21 مايو/أيّار و28 أغسطس/آب 2019، احتجزتهم السلطات السورية.
ويردّ العقيد فرح بقوله إن السوريين ينقسمون إلى قسمين الأول دخل إلى لبنان قبل 24 أبريل/نيسان 2019، ومعظم هؤلاء يتمّ إخلاء سبيلهم، وقسم دخل بشكل غير قانوني بعد هذا التاريخ، وهؤلاء يرحلون إلى سورية بعد إحالتهم لمركز الأمن العام، بناءً على قرار صادر عن المجلس الأعلى للدفاع في 15 أبريل 2019، وقرار آخر صادر عن الأمن العام اللبناني في 13 مايو 2019، ويجيز القراران ترحيل السوريين الداخلين إلى لبنان خلسة، عبر المعابر غير الرسمية، بعد تاريخ 24 أبريل.
وتبين مها فتحة، المحامية في هيئة رعاية السجناء التابعة لدار الفتوى في لبنان، أن الهيئة تابعت العديد من الحالات التي يشكل الترحيل خطرا عليها، ودفعت كفالتها من أجل إخراجها من مركز الأمن العام، كما حصل مع السوري أيمن كامل (اسم مستعار لحمايته) والذي أحيل إلى مركز الأمن العام، بعد قضاء محكوميته بالحبس 6 سنوات عقب دخوله لبنان في 2 يناير/كانون الثاني 2006، وقضى 81 يوماً في المركز انتظاراً لترحيله رغم وجود خطر عليه، ثم خرج بعد تدخل هيئة رعاية السجناء، لكنه يصف أيام الاحتجاز بقوله إن "الست سنوات في السجن قي كفّة، و81 يوما بنظارة الأمن العام بكفّة أخرى، كان 5 أشخاص ينامون على فرشتين"، مشيراً إلى أن كثيرين طلبوا العودة الطوعية إلى سورية، بعد أن ضاقوا ذرعاً بالأوضاع في مركز الاحتجاز، عقب مكوثهم 60 يوماً دون اتخاذ أي إجراءات.