04 أكتوبر 2024
سجون وإجراءات هنا وهناك
(1)
دانت محكمة الصلح في بئر السبع، النائب العربي الفلسطيني في الكنيسيت الإسرائيلي، باسل غطاس، بتهمة محاولة تهريب هواتف جوالة ورسائل إلى أسرى فلسطينيين في سجن كتسيعوت الصحراوي، وسيتم الحكم عليه بالسجن سنتين بسجن فعلي، بعد استقالته من البرلمان. وحسب لائحة الاتهام، فقد قام غطاس بمحاولة تهريب رسائل وهواتف محمولة إلى الأسير وليد دقة المحكوم عليه بالمؤبد، بسبب دوره في قتل جندي إسرائيلي، ما قد يترتب عليه الإضرار بأمن إسرائيل، والتسبب في وقوع عمليات إرهابية تدار من داخل السجن الإسرائيلي.
وفي تعليق للنائب غطاس قال إنه غير نادم على ما فعل، وإنه قد ساعد بمحض إرادته في تسهيل دخول هاتف محمول للأسير الفلسطيني، بدافع إنساني فقط ليس أكثر، وإنه قام بواجب أخلاقي، ويتحمل نتيجة ما فعله بكل الرضا، وإن عليه الآن أن يهيئ نفسه للانتقال من العمل في النضال البرلماني إلى مرحلة النضال من داخل السجون.
(2)
بدأ أكثر من 1300 أسير فلسطيني في سجون الاحتلال الإسرائيلي موجة إضرابٍ جديدة للمطالبة بـ"إنهاء سياسة العزلة وسياسة الاعتقال الإداري"، إضافة إلى المطالبة بتركيب هاتف عمومي للتواصل مع ذويهم، إضافة إلى مطالب أخرى، تتعلق بتسهيل الزيارات، وبالسماح بدخول الكتب والصحف والقنوات الفضائية، والمطالبة بإنهاء سياسة الإهمال الطبي.
وقد أطلق الأسرى على الإضراب الذي يقوده عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، المناضل مروان البرغوثي، اسم إضراب الحرية والكرامة، ومن المتوقع أن يطول هذا الإضراب، الأكبر منذ عام 2012، بسبب تعنت السلطات الإسرائيلية ورهانها على أن سياسة التجاهل والإجراءات العقابية سوف تضعف عزيمة الأسرى المضربين.
وقالت اللجنة الإعلامية للإضراب إن هناك حالات من الغيبوبة والإعياء بدأت في صفوف الأسرى المضربين، بالإضافة إلى تبنّي سلطات السجون الإسرائيلية إجراءات عقابية، مثل عزْل المضربين والتفتيش ومصادرة المتعلقات الشخصية، كما فرّقت قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتصاماً تضامنياً قام به فلسطينيون خارج أسوار سجن عوفر جنوب رام الله، فيما تم السماح بحفلات شواء قام بها مستوطنون إسرائيليون متطرّفون خارج أسوار السجن، وقد صرّح أحدهم لصحافيين إسرائيليين: نريد أن يسيل لعابهم.
(3)
ما سبق من أخبار متناثرة في الصحف، في الأسابيع القليلة الماضية، لفت نظري إلى عدة نقاط، كان أكثرها وضوحا تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية بشكل عام في المجتمعات العربية، وعلى المستوى المصري بالطبع، فلم تعد القضية الفلسطينية القضية المركزية للعرب، كما كانت في الماضي، وأصبحت أخبار مثل استشهاد فلسطينيين أو اعتقال أعداد ضخمة من الشباب الفلسطيني أو اقتحام المسجد الأقصى أو قصف غزة روتينية، مثل ما يحدث في أي مكان، فقد أصبح الشأن الداخلي هو الأهم، وأصبحت الهموم المحلية الأكبر والأكثر قسوةً، وأصبحت الشروخ تزداد عمقاً داخل كل دولة عربية.
ولا أزعم أنني من النشطاء المهتمين بالقضية الفلسطينية، ولم أنضم يوما لأحد التيارات التي تطنطن بالقضية أو بالعروبة أو بالمقاومة، وإن كنت من الذين بدؤوا الاهتمام بالشأن العام عن طريق دعم الانتفاضة الفلسطينية عام 2002 عندما كنت طالبا في الجامعة، ثم تطورت مع شبابٍ عديدين وقتها إلى الاقتناع بفكرة أن غياب الحرية والديمقراطية في مصر هو ما أدى إلى أن تكون مصر عاجزةً عن اتخاذ أي قرارٍ، أو أي موقف لدعم القضية الفلسطينية، وأن الحكم العسكري والاستبداد في الوطن العربي هو الذي قادنا إلى الضعف والتخلف والهوان، إنها أنظمة عسكرية مستبدة تطنطن وتجعجع بالوطنية والمقاومة والممانعة، من أجل إسكات المعارضة الداخلية.. في حين أن تلك الأنظمة تقيم علاقات غير شرعية في الخفاء مع إسرائيل.
ولكن، أصبحت الصورة في هذه الأيام أقبح، فأصبحت القضية أكثر هامشيةً للشباب العربي، حتى أخبار الأسرى ونضالاتهم وحملات الأمعاء الخاوية لا تجذب إلا اهتمام بضعة أفراد هنا وهناك، بل، ويا للكارثة، ستجد أن ملايين من الشباب العربي الذي يستهجن مجرد الاهتمام بأخبار فلسطين، وستجد ملايين الشباب المتأثر بالرواية الرسمية المصرية التي يتم ترويجها في وسائل الإعلام المصرية أوقات الأزمات، لتبرير العلاقات الدافئة المصرية الإسرائيلية، أن الفلسطينيين هم من باعوا أرضهم طواعية لليهود، وأن حركة حماس صناعة إسرائيلية تهدف إلى تدمير مصر، وإقامة دولة فلسطينية في سيناء!
(4)
اللافت للنظر أيضا تشابه الأسلوب وطريقة التعامل بين السلطات في السجون المصرية والإسرائيلية، وإن كانت الأخيرة أكثر نظافةً وآدميةً مقارنة بالسجون المصرية، فالإدارتان الشقيقتان لا تكترثان بالإضراب عن الطعام، وتعاقبان المضربين بمصادرة المتعلقات، وبمزيد من العزلة والتكدير للمعتقلين وذويهم، وهما لا تكترثان بحقوق الإنسان، ولا بالمواثيق الدولية، ولا بحقوق السجناء.
صحيح أن الحكومات المصرية المتعاقبة والأجهزة الأمنية الحاكمة لمصر تعتبر إسرائيل الصديق والشريك والطريق، وأن المصالح مشتركة والهدف واحد، وأن ما فات من حروبٍ.. قد مات، ولكنّ هناك فارقا كبيرا يجب الانتباه إليه، وهو أن إسرائيل دولة احتلال، تسرق الحق الفلسطيني وتغتصبه، فمن الطبيعي أن يكون الفلسطينيون أعداءها، ومن الطبيعي أن تعتبر نوابا عربا مثل عزمي بشارة أو باسل غطاس عملاء وخونة للدولة الإسرائيلية، لأنهم يعملون ضد مصلحة دولة إسرائيل وأمنها، فهم متعاطفون مع شعبهم الفلسطيني. ومن الطبيعي أن تتعامل إسرائيل مع الأسرى الفلسطينيين على أنهم أعداء للوطن، لكن الفارق الغريب هو أن السلطات المصرية أيضا تتعامل مع كل من يعارض أو يختلف في الرأي مع الرئيس والحكومة على أنه خائن وعميل وعدو للوطن.
هل من الطبيعي أن تتشابه الإجراءات التي تتخذها السلطات الإسرائيلية ضد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية مع الإجراءات التي تتخذها السلطات المصرية ضد المعارضين المصريين في السجون المصرية؟ وإن كان ما يزيد أسفا إن علمت أنه، على الرغم من كل ما يحدث في السجون الإسرائيلية التي فيها فلسطينيون، فإنها قد تكون أكثر رحمةً من السجون المصرية التي فيها مصريون معارضون.
وفي تعليق للنائب غطاس قال إنه غير نادم على ما فعل، وإنه قد ساعد بمحض إرادته في تسهيل دخول هاتف محمول للأسير الفلسطيني، بدافع إنساني فقط ليس أكثر، وإنه قام بواجب أخلاقي، ويتحمل نتيجة ما فعله بكل الرضا، وإن عليه الآن أن يهيئ نفسه للانتقال من العمل في النضال البرلماني إلى مرحلة النضال من داخل السجون.
(2)
بدأ أكثر من 1300 أسير فلسطيني في سجون الاحتلال الإسرائيلي موجة إضرابٍ جديدة للمطالبة بـ"إنهاء سياسة العزلة وسياسة الاعتقال الإداري"، إضافة إلى المطالبة بتركيب هاتف عمومي للتواصل مع ذويهم، إضافة إلى مطالب أخرى، تتعلق بتسهيل الزيارات، وبالسماح بدخول الكتب والصحف والقنوات الفضائية، والمطالبة بإنهاء سياسة الإهمال الطبي.
وقد أطلق الأسرى على الإضراب الذي يقوده عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، المناضل مروان البرغوثي، اسم إضراب الحرية والكرامة، ومن المتوقع أن يطول هذا الإضراب، الأكبر منذ عام 2012، بسبب تعنت السلطات الإسرائيلية ورهانها على أن سياسة التجاهل والإجراءات العقابية سوف تضعف عزيمة الأسرى المضربين.
وقالت اللجنة الإعلامية للإضراب إن هناك حالات من الغيبوبة والإعياء بدأت في صفوف الأسرى المضربين، بالإضافة إلى تبنّي سلطات السجون الإسرائيلية إجراءات عقابية، مثل عزْل المضربين والتفتيش ومصادرة المتعلقات الشخصية، كما فرّقت قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتصاماً تضامنياً قام به فلسطينيون خارج أسوار سجن عوفر جنوب رام الله، فيما تم السماح بحفلات شواء قام بها مستوطنون إسرائيليون متطرّفون خارج أسوار السجن، وقد صرّح أحدهم لصحافيين إسرائيليين: نريد أن يسيل لعابهم.
(3)
ما سبق من أخبار متناثرة في الصحف، في الأسابيع القليلة الماضية، لفت نظري إلى عدة نقاط، كان أكثرها وضوحا تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية بشكل عام في المجتمعات العربية، وعلى المستوى المصري بالطبع، فلم تعد القضية الفلسطينية القضية المركزية للعرب، كما كانت في الماضي، وأصبحت أخبار مثل استشهاد فلسطينيين أو اعتقال أعداد ضخمة من الشباب الفلسطيني أو اقتحام المسجد الأقصى أو قصف غزة روتينية، مثل ما يحدث في أي مكان، فقد أصبح الشأن الداخلي هو الأهم، وأصبحت الهموم المحلية الأكبر والأكثر قسوةً، وأصبحت الشروخ تزداد عمقاً داخل كل دولة عربية.
ولا أزعم أنني من النشطاء المهتمين بالقضية الفلسطينية، ولم أنضم يوما لأحد التيارات التي تطنطن بالقضية أو بالعروبة أو بالمقاومة، وإن كنت من الذين بدؤوا الاهتمام بالشأن العام عن طريق دعم الانتفاضة الفلسطينية عام 2002 عندما كنت طالبا في الجامعة، ثم تطورت مع شبابٍ عديدين وقتها إلى الاقتناع بفكرة أن غياب الحرية والديمقراطية في مصر هو ما أدى إلى أن تكون مصر عاجزةً عن اتخاذ أي قرارٍ، أو أي موقف لدعم القضية الفلسطينية، وأن الحكم العسكري والاستبداد في الوطن العربي هو الذي قادنا إلى الضعف والتخلف والهوان، إنها أنظمة عسكرية مستبدة تطنطن وتجعجع بالوطنية والمقاومة والممانعة، من أجل إسكات المعارضة الداخلية.. في حين أن تلك الأنظمة تقيم علاقات غير شرعية في الخفاء مع إسرائيل.
ولكن، أصبحت الصورة في هذه الأيام أقبح، فأصبحت القضية أكثر هامشيةً للشباب العربي، حتى أخبار الأسرى ونضالاتهم وحملات الأمعاء الخاوية لا تجذب إلا اهتمام بضعة أفراد هنا وهناك، بل، ويا للكارثة، ستجد أن ملايين من الشباب العربي الذي يستهجن مجرد الاهتمام بأخبار فلسطين، وستجد ملايين الشباب المتأثر بالرواية الرسمية المصرية التي يتم ترويجها في وسائل الإعلام المصرية أوقات الأزمات، لتبرير العلاقات الدافئة المصرية الإسرائيلية، أن الفلسطينيين هم من باعوا أرضهم طواعية لليهود، وأن حركة حماس صناعة إسرائيلية تهدف إلى تدمير مصر، وإقامة دولة فلسطينية في سيناء!
(4)
اللافت للنظر أيضا تشابه الأسلوب وطريقة التعامل بين السلطات في السجون المصرية والإسرائيلية، وإن كانت الأخيرة أكثر نظافةً وآدميةً مقارنة بالسجون المصرية، فالإدارتان الشقيقتان لا تكترثان بالإضراب عن الطعام، وتعاقبان المضربين بمصادرة المتعلقات، وبمزيد من العزلة والتكدير للمعتقلين وذويهم، وهما لا تكترثان بحقوق الإنسان، ولا بالمواثيق الدولية، ولا بحقوق السجناء.
صحيح أن الحكومات المصرية المتعاقبة والأجهزة الأمنية الحاكمة لمصر تعتبر إسرائيل الصديق والشريك والطريق، وأن المصالح مشتركة والهدف واحد، وأن ما فات من حروبٍ.. قد مات، ولكنّ هناك فارقا كبيرا يجب الانتباه إليه، وهو أن إسرائيل دولة احتلال، تسرق الحق الفلسطيني وتغتصبه، فمن الطبيعي أن يكون الفلسطينيون أعداءها، ومن الطبيعي أن تعتبر نوابا عربا مثل عزمي بشارة أو باسل غطاس عملاء وخونة للدولة الإسرائيلية، لأنهم يعملون ضد مصلحة دولة إسرائيل وأمنها، فهم متعاطفون مع شعبهم الفلسطيني. ومن الطبيعي أن تتعامل إسرائيل مع الأسرى الفلسطينيين على أنهم أعداء للوطن، لكن الفارق الغريب هو أن السلطات المصرية أيضا تتعامل مع كل من يعارض أو يختلف في الرأي مع الرئيس والحكومة على أنه خائن وعميل وعدو للوطن.
هل من الطبيعي أن تتشابه الإجراءات التي تتخذها السلطات الإسرائيلية ضد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية مع الإجراءات التي تتخذها السلطات المصرية ضد المعارضين المصريين في السجون المصرية؟ وإن كان ما يزيد أسفا إن علمت أنه، على الرغم من كل ما يحدث في السجون الإسرائيلية التي فيها فلسطينيون، فإنها قد تكون أكثر رحمةً من السجون المصرية التي فيها مصريون معارضون.