"يبلغ ميكايل ب. من العمر 55 عاماً، وهو عاطل عن العمل، يقيم في ضواحي مدينة نانت، ولديه معرفة جيدة بالبَسْتنة وبعلم النباتات. يقضي جزءاً من نهاره في قطف الخضار والنباتات البرّيّة الصالحة للأكل من الريف المحيط بمكان سكنه. ويعدّ من قطافه حساءً كل مساء تقريباً، يحمله إلى مجموعة من اللاجئين الذين يعيشون على بعد 5 محطات باص من بيته. يوم 11 آذار، كان الحساء الذي أعدّه يتألف من الجزر ومن الجزر الأبيض والسبانخ النيوزيلاندي. قام ميكايل ب. بإضافة القشدة الطازجة والبقدونس إلى الطبق قبل وضعه في وعاء خزفي مغلق بإحكام وحمله في عربة صغيرة. كانت الساعة السابعة والنصف مساءً عندما غادر منزله".
"تبلغ ميلين ت. من العمر 81 عاماً، وهي متقاعدة تقيم في كاليه. تتفحّص خط الإنترنت الخاص بها لتتأكد أنّه يعمل جيداً قبل الذهاب إلى النوم. منذ سنة كاملة، يتجمع مهاجرون كل مساء أمام منزلها من أجل استخدام خط الإنترنت الذي تتركه طوعاً بلا كلمة سرّ".
ينتمي هذان المقتطفان إلى أرشيف مكتوب خاصّ بأفعال الضيافة، لا سيما ضيافة الغرباء واللاجئين والمهاجرين، يعدّه "مركز استكشاف الموارد الحضرية (PEROU)" في باريس، بالتعاون مع شبكة من الناشطين والكتّاب والفنانين الذين ينتمون إلى بلدان متوسطية بشكل أساسي.
يضمّ هذا النصّ الأرشيفي، الذي يحمل اسم "في جميع الأنحاء. عمل مشترك" شهادات تروي تجارب ضيافة رأت النور في السنوات القليلة الماضية، حول ضفاف البحر الأبيض المتوسط، وفي أماكن أخرى من المعمورة. والأرشيف المكتوب يشكّل، إلى جانب فيلم قصير ومجموعة من الصور، الحجر الأساس لمشروع طلب، فريد في نوعه، يقدّمه المركز إلى منظمة الأمم المتحدة للعلم والثقافة (يونسكو)، وهو طلب بالاعتراف بفعل الضيافة باعتباره تراثاً ثقافياً غير مادي للإنسانية. هو طلب فريد في نوعه، لأنّ قائمة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو تضم عادةً تقاليد وطقوساً تراثية تخصّ ثقافة أو مجتمعاً بعينه، لكنّها لا تحفل بممارسات تتقاطع فيها السياسة بالأخلاق، ويُنظر إليها بوصفها مشتركاً إنسانياً أكثر مما تعتبر تقليداً محلياً. وهو أيضاً طلب خاص في نوعه، لأنّ "الجهات التي تتقدم بطلب كهذا عادةً ما تكون دولاً" كما يوضح لـ"العربي الجديد" سيباستيان تييري، وهو أحد مؤسّسي المركز ومنسّق نشاطاته.
يضيف تييري: "الضيافة كنز إنسانيّ مشترك يهدّد العنف الذي يحكم عالمنا وجوده. يهدف مشروعنا إلى التأكيد على حاجتنا الماسة، جميعاً، لأفعال الضيافة التي ترى النور هنا وهناك، وعلى دورها في تأسيس اجتماع إنساني أكثر رحابة. لهذا، قررنا التقدم بطلب إلى اليونسكو للحصول على حماية لأفعال ولفتات الضيافة، براً وبحراً، ولتوسيعها وتكثيفها والإعلاء من شأنها". يتابع: "بدأنا بتعبئة النموذج الخاص بالتسجيل في قائمة الحماية العاجلة، ووفرنا تقريباً كلّ الشروط والوثائق المطلوبة، مثل التعريف بالغرض المراد تسجيله، وأسباب تسجيله في قائمة الحماية العاجلة، بالإضافة إلى أرشيف مشترك مكتوب، وأرشيف مصوّر وآخر سينمائي، من شأنها توثيق أفعال الضيافة التي تحدث على طرقات الهجرة، وتسليط الضوء على الأفراد والجماعات المعنية بالمشروع". ويتابع تييري: "سنتقدم بالملف إلى اليونسكو في ربيع العام المقبل 2021، وسيرافق ذلك عرضٌ للمشروع ومؤتمر في مقر المنظمة في باريس".
يتضمن الملف المقدّم مقترحاً بخطة لحماية الضيافة، تطلبه اليونسكو في طلب كهذا. ويقول تييري: "تشتمل الخطة على جانبين: برّي وبحري. نقترح أولاً إقامة مجمع سكني كبير للضيافة، مضاد، في مفهومه وطريقة عمله، لمراكز استقبال المهاجرين المعروفة. أما بحراً، فقد تقدمنا بطلب إلى الفنان الياباني شيغيرو بان، الذي يتكفل بتصميم باخرة ستُعرَض، أولاً، في مركز جورج بومبيدو في مدينة ميتز (شرق فرنسا)، باعتبارها امتداداً بحرياً له، قبل أن يجري منحها لجمعية إس أو إس ميديتيرانيه، التي تنفذ منذ عدة سنوات، عمليات إنقاذ لمهاجرين في البحر الأبيض المتوسط. ويضاف إلى هذين المقترحين قيامُ الجمعية، بالتعاون مع أفراد وجمعيات في إيطاليا، بتحويل مبنى سبن تايم في روما، الذي يقيم فيه مهاجرون، إلى متحف لأفعال الضيافة، يستضيف الأرشيف المصوّر للمشروع".
وإذا كانت "غاية المشروع عملية وسياسية" كما يقول تييري، فإنّ الفن والأدب والعمارة ليست بتفاصيل فيه، بل نقطة انطلاقه. يشهد على هذا الأرشيف المكتوب، الذي يبدو أقرب إلى نص أدبي مؤلف من قطع صغيرة منه إلى مجموعة شهادات لناشطين، كما يشهد على ذلك مشروع الباخرة، الذي يجمع الفن المعاصر إلى العمارة، والذي يقوم به فنان ياباني عُرف بتصاميمه وتنفيذه لمشاريع عاجلة لاحتضان مهاجرين وناجين من كوارث طبيعية. كما أن التقدم بالطلب إلى اليونسكو، بحدّ ذاته، هو المشروع الفني الذي يعمل على إنجازه سيباستيان تييري: "نريد، من خلال هذا الطلب، استخدام الفن للتأثير سياسياً واجتماعياً. يتطلب هذا ليّ عنق الفنّ بعض الشيء، والنظرَ إلى العمل الفني بوصفه شكلاً من أشكال الفعل".