دوامة أزمة التمويل التي تعيشها مصر ما زالت تخنق الاقتصاد، خاصة ما يتعلق بسداد التزاماته الخارجية، ومع ظهور أزمة مديونية شركات النفط الأجنبية، لجأت الحكومة للاقتراض من المصارف المحلية والإقليمية غير مرة في 2014، لتدبير نحو نصف هذه المديونية والمقدرة بنحو 6 مليارات دولار.
وأخيراً أعلن وزير البترول المصري أنه تم تدبير 2.1 مليار دولار لسداد جزء من مديونية شركات النفط الأجنبية، وأن مديونية هذه الشركات أصبحت بحدود 3 مليارات دولار، وبلا شك، فإن سداد الديون شيء إيجابي يؤدي إلى مساحات واسعة أمام صانع السياسة الاقتصادية، حيث يختار بدائل أفضل لاستيراد المواد الخام أو مستلزمات الإنتاج، أو يتخفف من أعباء الدين المتمثلة في الديون والأقساط.
لكن الحالة المصرية في سداد ديون شركات النفط المصرية، لا تؤدي إلى هذه النتائج الإيجابية لسداد الديون، لأن ما تم هو مجرد تحويل للديون من شركات النفط الأجنبية إلى استحقاق للبنوك المحلية والإقليمية العاملة في مصر، وهذا الإجراء ليس مجانياً، ولكنه عادة ما يكون بكلفة تمويل أعلى، متمثلة في سعر الفائدة.
وفي ظل غياب الشفافية في مصر منذ فترات طويلة، فلم تعلن الحكومة، ولا وزير البترول عن كلفة هذه الخطوة التي تم بمقتضاها تحويل الديون من شركات النفط إلى استحقاق للبنوك المحلية. ولا يوجد برلمان يحاسب الحكومة على هذه الخطوة، ولا إعلام يحرص على حق المواطن في معرفة الكلفة الاقتصادية لهذه الخطوة.
إن ما قامت به الحكومة المصرية لا يصنّف بأي حال ولا بأي منطق على أنه سداد ديون، هو ليس أكثر من مزاحمة منها للقطاع الخاص في اقتراض النقد الأجنبي. كما أن شركات النفط الأجنبية تعي هذا جيداً، وتعلم الوضع المالي المتأزم بمصر، وهو الأمر الذي يجعلها تعيد التفكير في ضخ استثمارات جديدة لإنتاج أو استكشاف النفط بمصر.
إلا إذا كان ذلك بشروط تؤدي إلى طغيان هذه الشركات على الحقوق المصرية، التي سيكون موقفها ضعيفاً، كما أن المناخ العام لأسعار النفط المتدنية في السوق العالمي، سيجعل الشركات الأجنبية تعيد النظر في قرارات استثمارها بمصر لضعف المردود الاقتصادي، ولعدم ضمان تأخر مستحقاتها لدى الحكومة المصرية مرة أخرى.
ومما يُعمى به على المواطن المصري في شأن ديون الهيئة العامة للبترول لصالح شركات النفط العالمية، أن الأمر يُعرض على أنه دين لهيئة البترول، ولا يعرض على أنه دين على خزانة الدولة.