سد الفرات.. حلم تنموي يواجه الانهيار في سورية

28 مارس 2017
+ الخط -
حذر اقتصاديون سوريون من كارثة انهيار سد الفرات، نتيجة احتدام المعارك على تخوم مدينة الرقة السورية، معقل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وتوجيه قذائف قريبة من السد وانقطاع التيار الكهربائي عنه وإحراق غرفة العمليات التي تتحكم بمنسوب السد وضخ المياه من مناطق الرشح.

ويقول الخبير الاقتصادي عبد الناصر الجاسم، لا يمكن تخيل الأضرار الاقتصادية التي قد يسببها انهيار السد، والتي أولها انقطاع الكهرباء عن معظم مناطق سورية وما لها من تبعات على الصناعة والزراعة.

ويضيف الجاسم، لـ"العربي الجديد"، أن الأفظع هو الكارثة البشرية وتهديد حياة أكثر من 3 ملايين سوري، كما أن انهيار السد سيؤدي إلى تجريف الأراضي الزراعية والمباني السكنية، في أكثر من 300 قرية ومزرعة، وتدمير مشروعات الري المبنية أصلاً على وجود السد، والتي صرف عليها مليارات الليرات عبر عقود من الزمن.

واستبعد الجاسم انهيار سد الفرات مذكراً بشائعة انهيار سد الموصل قبل عامين، وتبين فيما بعد أن الهدف هو تهجير السكان لأهداف ديموغرافية وسياسية.

وشغلت تحذيرات تنظيم "داعش" من انهيار سد الفرات، خلال الأيام الفائتة، جميع السوريين لمعرفتهم بالكارثة التي يمكن أن تحل ببلدهم ومدنهم وفي مقدمتها الرقة.

ويخشى السوريون أن تكون تحذيرات "داعش" صحيحة أو أن يستخدم طرف ما السد كورقة للتغلب على الآخر، ومن ثم يدفع السوريون ثمناً لا طاقة لهم على تحمله.

وتعتبر مدن الجزيرة السورية (الرقة ودير الزور والحسكة) خزان سورية المائي والغذائي، حيث يزيد إنتاج القمح عن مليوني طن والشعير عن نحو 700 ألف طن، فضلاً عن زراعة منتجات أخرى مثل البقوليات والخضر.

وكان الهدف من بناء سد الفرات ري مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية الخصبة ودرء أخطار فيضانه وخلق مجتمع جديد متطور في منطقة المشروع، حيث وصل عدد السكان في المنطقة بعد بناء السد إلى ما يقارب 140 ألف نسمة.

هل تضرر السد؟

كانت وكالة "أعماق" التابعة لتنظيم "داعش" قد نقلت عن مصدر في ديوان الخدمات قوله إن السد خرج عن الخدمة وأغلقت جميع البوابات بفعل الغارات والضربات المدفعية الأميركية المكثفة.

وأكد المصدر أن توقف عمل السد جاء نتيجة انقطاع التغذية الذاتية من التيار الكهربائي مما أدى إلى خروج جميع التجهيزات والأقسام عن الخدمة بشكل كامل، مشيراً إلى أن السد مهدد بالانهيار في أي لحظة نتيجة الضربات وبسبب الارتفاع الكبير في منسوب المياه التي يحجزها السد، مشيراً إلى أنه غير قادر على إرسال ورشات الصيانة نتيجة القصف المكثف على المنطقة.

ويقول مدير الموارد المائية سابقاً في وزارة البنى التحتية والموارد المائية التابعة للحكومة السورية المؤقتة، مروان الخطيب: "لم يتأثر جسم السد الترابي حتى اللحظة بأي قصف مباشر، وكذلك الكتلة الخرسانية لجسم المحطة مع توابعها، ولكن تبقى الاحتمالات واردة في حال اقتراب المعارك من مدينة الطبقة نظراً للكمية الهائلة من المياه التي تحتويها البحيرة".

وتتالت التحذيرات، إذ يقول المهندس المدني السوري منير سويد: "إذا استمر القصف من قبل المدفعية والطائرات على منطقة سد الفرات، قرب الطبقة في ريف الرقة الغربي، فنحن موعودون بكارثة".

من جهتهم، أصدر عاملون بالسد بياناً، اليوم، أكدوا فيه أن مجموعه الصور والفيديوهات التي تم بثها من قبل التحالف وداعش تظهر بشكل واضح جداً لا يقبل الشك أنها تابعة لجسم سد الفرات وغرفه عملياته المسؤولة بشكل مباشر عن قيادة مجموعات التوليد من (تشغيل وإيقاف ووصلها مع الشبكة)، بالإضافة الى وجود دارات التحكم والإشارة فيها، وبالتالي فإن أي خلل في المحطة سوف يظهر على شكل إشارة ضوئية وصوتية في جهاز التحليل في غرفه العمليات ليتم تدارك الأمر واتخاذ اللازم".



وأضاف البيان أن غرفه العمليات محترقة وخارجة عن العمل كلياً، ما يعني فقدان السيطرة على المحطة، إضافة إلى عدم إمكانية رصد تجهيزات المحطة من مضخات وعنفات من مناسيب مياه وزيوت في الخزانات، وبالتالي، فإن المحطة خارجة عن العمل كلياً، مما سيؤدي إلى غرق في المحطة نفسها بسبب توقف مضخات المياه داخلها.

وجاء في البيان أيضا أن المشكلة الأكبر تكمن في فقدان التحكم في بوابات المفيض التي يتم رفعها عن طريق "الرافعة الإطارية" لعدم وجود تغذية كهربائية لها وخلو المحطة من الفنيين الاختصاصيين الذين يقومون بالعمل على بوابات المفيض.

وحذّر البيان من أن استمرار الوضع على ماهو عليه، سيجعل الكارثة قادمة لا محالة، وهي انهيار السد وقتل مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء.

ودعا البيان إلى إعطاء مهلة لاستقدام الفنيين وإصلاح الضرر وتقييم الضرر في السد، وهو ما يتطلب وقف العمليات العسكرية على مقربة من السد والتنسيق مع الحكومة التركية لتخزين المياه ضمن بحيرات سدودها ريثما يتم حل المشكلة، وإيجاد ممرات إنسانية لدخول العاملين الفنيين لرفع بوابات المفيض.

قصة السد

بني سد الفرات (يعرف أيضا بسد الطبقة) في سورية عام 1968 بدعم فني من الاتحاد السوفييتي السابق، واستغرقت أعمال تشييده 10 سنوات.

ويبلغ طول السد نحو 4500 متر وعرضه من القاعدة 512 متراً وعرضه من القمة 19 متراً وارتفاعه 60 متراً عند المنسوب ويرتفع عن سطح البحر نحو 308 أمتار ويتسع جسم السد لحوالي 41 مليون متر مكعب من المياه، ويحجز خلفه بحيرة الأسد وطولها حوالي 80 كيلومتراً وعرضها 8 كيلومترات وسعتها التخزينية حوالي 14.1 مليار متر مكعب من المياه العذبة، ويروي مساحات واسعة من الأراضي تزيد عن 640 ألف هكتار.

وشارك في بناء السد حوالي 1500 عامل ومهندس سوري، وهم بالمناسبة أقل من عدد العمال اليوم في المؤسسات التابعة لسد الفرات، وسكن هؤلاء في مدينة الطبقة (الثورة)، أول وآخر مدينة محدثة في سورية، صنعت لهم مجتمعاً جديداً في مدينة جديدة، له لهجته، ومفرداته الخاصة.

ويولد سد الفرات 880 ميغاوات كهرباء عبر مجموعاته الثماني التي تبلغ استطاعة المجموعة الواحدة منها نحو110 ميغاواط وتعتبر محطة سد الفرات أول محطة كهرمائية في سورية.

ولدى السوريين حكايات لا تنتهي، حول السرقات والإهمال التي تمت في السد، منذ بنائه وحتى تسليمه لتنظيم "داعش" عام 2013، ومن الحكايات احتراق محطتي توليد الكهرباء في سد الفرات عام 2006، وعزي الحريق حينها للقضاء والقدر، ولم تُستبدل المحطتان، بسبب خلاف بين مؤسسة سد الفرات ووزارة الكهرباء حول الجهة المسؤولة عن استبدالهما وسط التحضيرات لانتقال تبعية محطة التوليد من مؤسسة سد الفرات إلى وزارة الكهرباء، والذي كان مقرراً عام 1993، لكنه لم يتم حتى اليوم.

لكن حكاية "الغمر" كانت الأقسى في ذاكرة السوريين، وقت كان يوجد مقابل مدينة الطبقة، قرية تسمى جعبر، لم يبق منها اليوم سوى القلعة التي تضم ما يزيد على خمسة وثلاثين برجاً، والتي أصبحت تعلو جزيرة ضمن بحيرة سد الفرات.

وأدى الغمر إلى محو نحو ثمانين قرية ورحيل سكانها الذين عاشوا لفترة على وعود النظام بتعويضهم عن أراضيهم ومساكنهم، وتم تعويض بعضهم من أراضي أملاك الدولة وعدد قراهم يتجاوز 42 قرية، في حين لم يحصل أهالي 29 قرية على أي تعويض.