تشتبك الكاتبة الجزائرية أمل بوشارب (1984) في أعمالها الروائية والقصصية مع الواقع الاجتماعي والسياسي في بلادها. نلمس ذلك، مثلاً، في روايتها "ثابت الظلمة" (2018) التي تتناول اكتشاف مصدر محتمل لتوليد طاقة جديدة في منطقة الهوقار بالصحراء جنوب الجزائر، لتتبدّى قضايا الفساد المرتبطة بشكل وثيق بعالمَي الأمن والسياسة.
تبني صاحبة رواية "سكرات نجمة" (2015) عملها على واقعة حقيقية عادت لتحفر ما وارءها عبر ما نُشر من مقالات في الصحافة العالمية، ومؤلّفات علمية ودراسات أنثروبولوجية، في محاولة لرصد التحوّلات الكبرى التي عاشتها الجزائر منذ الثورة التحريرية وحتى اللحظة.
"تجليات النيوكولونيالية في سرد أمل بوشارب" عنوان ملتقىً وطني تُنظّمه "جامعة مرسلي عبد الله" في مدينة تيبازة الجزائرية، اليوم الخميس، بالتعاون مع "مخبر الممارسات الثقافية التعليمية والتعلمية" في الجزائر، بمشاركة أكاديميّين من جامعات جزائرية مختلفة.
تقول الروائية في حديث صحافي سابق: "أؤمن بأن الكتابة الابداعية هي فعل تحرّري ينعتق فيها الكاتب من قيود الخطاب التسلطي التي تفرضها عليه أنواع أخرى من الكتابة. وذلك لأن الأدب وبقدر ما يمنح للقارئ حرية التأويل، فهو يحرّر الكاتب من هوس الوصاية على نصوصه".
من جهة أخرى، توضّح: "إن كان القائمون على أغلب الهيئات الثقافية العربية المتّهمة بالفساد هم أصلاً من المبدعين، لا يمكننا أن نعتبر أن هناك مؤامرة على الابداع بقدر ما هو اقتناع وتشبّع للعقل العربي بمنطق الفساد. شخصياً لا أرى بأن هناك مجهودات جادّة من أي جهة لمكافحة الفساد، كون الجميع ـ مبدعون وغيرهم، يبدو أنهم قد كّيفوا أنفسهم على الاستفادة منه بشكل أو بآخر".
يتضمّن الملتقى ستّ عشرة ورقة تتناول تجليات الكولونيالية في كتابات بوشارب القصصية والروائية؛ هي: "الكولونيالية وأثرها على دول العالم الثالث" لـ بشير سعدوني، و"أسئلة الكينونة في المتن السردي لأمل بوشارب من خلال أقصوصة ثورتـ(هنّ)" لـ يوسف مقران، و"دراسة التابع في قصص أمل بوشارب" لـ إبراهيم بوخالفة، و"براديغم الكولونيالية في قصّة "المتمردة" لأمل بوشارب" لـ مصطفى بوخال، و"الآليات الحجاجية في الخطاب الكولونيالي في قصّة "المتمردة" لأمل بوشارب" لـ سامية قديري.
إلى جانب: "صحوة التابع وأفق الكتابة في قصّة "المتمردة" لأمل بوشارب" لـ كمال بن عطية ومريم بعيبش، و"إشكالية الكتابة الروائية ما بعد الكولونيالية" لـ سعاد شريف، و"الاستعمارية الجديدة من أنسقة العالم إلى الحوكمة الأوليغارشية.. قراءة في رواية ثابت الظلمة" لـ توفيق شابو، و"النيوكولونيالية ضد ضيافة جاك دريدا: قراءة تفكيكية في قصّة أمل بوشارب (قصّة "المتمردة" أنموذجاً)" لـ عبد القادر مهداوي، و"تداعيات الأدب الأسود عبر بزنسة وعي الحرب (قصّة "المتمردة" لأمل بوشارب)" لـ علجية مودع، إلى جانب قراءات شعربة لـ عبد القادر مهداوي.
وأيضاً: "جدليات حضور الآخر في الشعور بالدونية في المشروع السرديّ لأمل بوشارب" لـ نصيرة علاك، و"تداوليات الخطاب في 'سكرات نجمة'" لـ بركاهم تريعة، و"السرد والسرد المضاد في الكتابة النسوية الجزائرية ("المتمردة" لأمل بوشارب أنموذجاً) لـ صابر حرابي، و"تداولية التأويل في قصص أمل بوشارب" لـ لزرق بلعباس، و"الأيديولوجيا والشعرية في أدب اللجوء" لـ أحمد بركة وعبد الرحيم قرمودي، و"أدب اللجوء: في الإطار المفاهيمي وإشكالية التصنيف" لـ محمد مكاكي.
في حديثه إلى "العربي الجديد"، يقول رئيس الملتقى، الأكاديمي مصطفى سِداس، إنَّ اختيار كتابات أمل بوشارب لتكون محوراً للملتقى يأتي من كونها كاتبةً شابّةً تجاوزت المألوف في الكتابة النسوية، العربية بشكل خاص، والتي لم تتحرّر بعدُ من ثنائية الأنوثة الذكورة، وفق قوله، مُضيفاً في هذا السياق: "انفتحت بوشارب على قضايا أهمّ في الراهن العربي والعالمي، لتُلامس العلاقة غير الصحية بين الشرق والغرب، أو بين ما يُسمّى المركز والهامش، وتعالج هذه الإشكالية ضمن بُنىً إبداعية جديدة".
يُضيف سِداس: "تظلّ العلاقة بين الشرق والغرب إشكالية؛ إذ لا يزال الثاني يرسم مسار الأوّل وينظر إليه بدونية، وفي الغالب كمجرّد مستهلكٍ لسلعه الاقتصادية والتكنولوجية وقيمه الفكرية والروحية التي لا تُناسب جميعُها هذا الشرق. إنه أحد مظاهر العولمة التي تذوّب الخصوصيات وتقتل الهويات".
يَعتبر المتحدّث أن بوشارب أظهرت في كتاباتها وعياً كبيراً بهذه القضايا الملحّة، خصوصاً في الفترة الأخيرة مع اندلاع انتفاضات ضدّ عددٍ من الأنظمة العربية وما خلّفته من موجاتٍ هجرة ولجوء من المنطقة، كان من بينها كتّاب وفنّانون وعلماء، وقد أبرزت كيف ينظر الغرب إليهم وكيف يعمل على احتوائهم ودفعهم إلى التحرُّك إلى مساراتٍ تناسب روح الهيمنة التي تتميّز بها السُّلط الغربية.
تكتب أمل بوشارب (مواليد دمشق عام 1984) بالعربية والإيطالية، وتُعدّ أحد الأصوات الأدبية البارزة في الجزائر اليوم. "صدرت لها مجموعةٌ قصصية بعنوان "عليها ثلاثة عشر" (2014)، وروايتان؛ هما "سكرات نجمة" (2015) و"ثابت الظلمة" (2018)، ورواية لليافعين بعنوان "من كل قلبي" (2016)، وبالإيطالية كتاب "L’odore"، وقصّة طويلة بعنوان "المتمرّدة". أشرفت على ورشة متعدّدة الثقافات للقراءة والترجمة والكتابة الإبداعية للأطفال في مدينة تورينو الإيطالية، كما تُترجم نصوصاً أدبية من الإيطالية إلى العربية.