تقف أمامه سيدة يحدثها عن قدرته على الاطلاع على الغيب، ورصد السحر وإزالته. تذهب إلى بيتها لتأتي له ببعض حليها، فيختفي عن الأنظار بعد ذلك، لتستفيق المرأة على كابوس تعرضها لعملية احتيال وسرقة غريبة. تعرض حالتها للشرطة، أو تلتزم الصمت خوفاً من الفضيحة.
ملخص لمشهد بات يتكرر في عدد من مناطق المغرب. وهو عبارة عن احتيال يعرف لدى المغاربة بـ"السماوي". هي طريقة للسرقة تعتمد على الشعوذة في الأساس، لكنّ حقيقتها إحدى تقنيات التنويم والإيحاء. فالضحية تستسلم لسلطة اللص بكلّ طواعية، قبل أن تعلم بتعرّضها للاحتيال وذهاب مالها أو مجوهراتها.
تعمد عصابات متخصصة في "السماوي" إلى اتباع أساليب ذكية في انتقاء ضحايا بعينهم، خصوصاً من فئة النساء اللواتي لديهن مشاكل أسرية مع الزوج أو الحماة. ويقدم اللصوص أنفسهم على أنهم يمتلكون بركة معرفة المستقبل، وفك السّحر وما إلى ذلك من شؤون الغيب.
يحضّر اللص قبل مواجهة الضحية في جمع معلومات مسبقة حولها. وعند ذلك يوقفها ويحاول إقناعها بقدرته على مساعدتها على تخطي السحر الذي تعاني منه، أو سوء الطالع الذي يلاحقها. ليطلب منها بعد ذلك الذهاب إلى بيتها، وجلب ما تملكه من مال وذهب، ليقرأ عليه تعاويذه وطلاسمه لتخليصها من السحر.
وبعد أن يأخذ المال أو الحلي الذهبية التي تأتي بها المرأة الضحية عن طيب خاطر إليه، بهدف تطهيرها من السحر المدسوس فيه، تتفاجأ أنّها كانت عرضة للنصب والاحتيال من طرف شخص مجهول وضعت ثقتها الكاملة فيه.
اقرأ أيضاً: طقوس مغربية غريبة لعلاج العقم
وتتباين تفسيرات المختصين إزاء سرقات "السماوي"، ما بين من يعتبر تلك الطريقة شعوذة وسحراً يُمارسان على الضحية، فلا تذكر شيئاً مما يُفعل بها، وبين من يفسّره بأنّها تقنية تستند أكثر على الذكاء والبراعة في إقناع الضحية.
ومن الروايات الأخيرة عن "السماوي" اقتحام عصابة محلاً تجارياً لبيع الذهب في مدينة الدار البيضاء، ليخضع أفرادها صاحب المحل للـ"سماوي" الذي أفقدوه قدرته على التمييز، واستسلم لهم فسلبوه كلّ الحلي بهدوء كامل.
في بداية عملية الاحتيال هذه عرض ثلاثة أشخاص من العصابة، من بينهم امرأة خدعت البائع بنيتها شراء الذهب. بعد ذلك أمسك أحد أفراد المجموعة بيد صاحب المحل، واقترح عليه أن يطلعه على من يكيد له السوء بين جيرانه من الباعة، قبل أن يفقد البائع سيطرته على نفسه، ويتعرض للسرقة.
لم يصرخ البائع إلا بعد أن فرّ عناصر العصابة بسيارة تركوها قريبة من محل الذهب، لكن استطاع بعض الباعة أن يسجلوا رقمها، وهو ما مكّن رجال الأمن من القبض عليهم بعد أيام.
وبنفس الطريقة، تعرضت امرأة في مدينة المحمدية، قبل فترة لعملية سرقة عن طيب خاطرها، ومن دون عنف أو اعتداء ظاهر. تقول إنّ رجلين استوقفاها في الشارع عندما كانت متوجهة إلى السوق، وسألاها عن مرض والدتها، ما جعلها تستغرب من معرفتهما بهذا الأمر.
وتضيف أنّها وثقت بالرجلين اللذين كانا في كامل لباقتهما وأناقتهما، وقد أخبراها أنّ بإمكانهما أن يدلاها على طريقة لشفاء أمها، باعتبار أن مرضها ليس عضوياً بل هو بسبب عمل سحري تعرضت له. وطلب الرجلان من الضحية أن تحضر أساورها الذهبية لأنها محل السحر الذي يتعين فسخه، وهو ما قامت به المرأة، لتكتشف بعد ذلك أن حليها قد سُرقت.
من جهته، يقول الطبيب النفسي سعد الشامي لـ"العربي الجديد" إنّ المسألة تتعلق بعمليات احتيال وسرقة تستند على عامل الذكاء، لكن قبل ذلك على سلوكيات تقوم على الشعوذة والسحر الذي ينطلي على الضحية، فتصير سهلة الانقياد.
ويضيف أنّ السرقة على طريقة "السماوي" لا تخلو من الاعتماد على تقنيات نفسية يعرفها المحتالون بالفطرة والتجربة لكنّها ليست من التنويم المغناطيسي الطبي الايحائي بشيء. ومن ذلك التركيز على صنف النساء اللواتي يعانين من مشاكل عاطفية أو عائلية، وطرح إمكانية حل مشاكلهن عن طريق كشف الغيب، وإبطال السحر.
بدورها، تقول الباحثة في علم الاجتماع ابتسام العوفير لـ"العربي الجديد"، إنّ الدافع في هذا النوع الجديد والغريب من السرقات في المجتمع المغربي، يتمثل أساساً في الرغبة في تحقيق الربح السريع بأي طريقة كانت، وبابتكار طرق مثيرة، ومن دون ارتكاب عنف أو الاعتداء على الضحية.
وتضيف أنّ اللجوء إلى هذه الطريقة "يعود إلى هيمنة ثقافة الشعوذة داخل المجتمع المغربي، والثقة المبالغ فيها في كل من يزعم ادعاء كشف الغيب، أو حل مشاكل السحر، وغيرها من الأمور التي عادة ما ترتبط بتفشي الأمية والجهل".
اقرأ أيضاً: الزهريون يكشفون كنوز المغرب