بدأت إسرائيل قطف ثمار استخراج الغاز من حقول البحر المتوسط الحدودية مع لبنان وقبرص ومصر، في وقت تبدو علامات التوتر في القاهرة وأنقرة وبيروت، بما يوحي بنشوب صراع بين دول المتوسط.
ويرى ساسة ومحللون متخصصون فى قطاع البترول في مصر، أن عدم ترسيم الحدود البحرية بين دول شرق البحر المتوسط يتيح الفرصة لبعض الدول، خاصة إسرائيل، الاستيلاء على مكامن الغاز غير المكتشفة في هذه المنطقة والتي تشير الدراسات إلى تمتعها بإمكانيات واحتياطيات ضخمة من الغاز لم تكتشف بعد.
وغالباً ما تواجه إسرائيل، التي شرعت في إنتاج الغاز من ثلاثة حقول في البحر المتوسط وتمهّد للتنقيب في أربعة حقول أخرى، اتهامات من خبراء ومراقبين ومسؤولين في دول حوض المتوسط بانتهاكها الحدود البحرية والسطو على حصص جيرانها من الغاز.
وأخيراً، قال وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل: إن الغاز اللبناني بات مهدداً بالفعل بعدما اكتشفت إسرائيل حقل "كاريش" الذي يبعد عن المياه الإقليمية للبنان بنحو 4 كيلومترات فقط.
وقدّرت دراسة صادرة عن هيئة المسح الجيولوجي الأميركية في مارس/ آذار 2010، كميات النفط والغاز غير المكتشف في منطقة مياه دلتا النيل (شمال مصر) بنحو 223 تريليون قدم مكعب.
وقال رمضان أبو العلا، الأستاذ في كلية هندسة البترول بجامعة "فاروس" بالإسكندرية: إن الحكومة المصرية عليها مراجعة موقفها القانوني حيال اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع قبرص الموقعة في العام 2003، حيت تضمنت الكثير من المساوئ التي سمحت لقبرص بوضع يدها على بعض اكتشافات الغاز الضخمة في المنطقة دون سند حقيقي.
واتهم أبو العلا، في مقابلة هاتفية مع "العربي الجديد"، قبرص وإسرائيل بـ"تنسيق جهودهما من أجل الاستيلاء على ثروات الغاز المكتشفة في هذه المنطقة من البحر المتوسط".
وأشار إلى أن إسرائيل وقّعت اتفاقية ترسيم الحدود مع قبرص في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010 وقبل مرور 3 أشهر دخلت الاتفاقية حيّز التنفيذ (في 25 فبراير/ شباط 2011)، ثم أعلنت إسرائيل عن اكتشاف حقل "لفياثان" بعدها بعدة أشهر، ثم أعلن الرئيس القبرصي السابق، ديميتريس خريستوفياس، اكتشاف حقل "أفروديت" بعدها بعدة أشهر أخرى (يناير 2011)، وفق أبو العلا.
وتابع: "تقارُب الوقت يوحي بتنسيق مسبق واكتشافات للغاز لم يكن قد تم الإعلان عنها من جانب البلدين".
وقدّر أبو العلا قيمة ثروات حقلي الغاز ليفاثان وأفروديت بنحو 200 مليار دولار.
وقدّرت دراسة هيئة المساحة الجيولوجية الأميركية حجم احتياطيات البترول في منطقة حوض البحر المتوسط، بحوالي 1.763 مليار برميل من النفط ونحو 223 تريليون قدم مكعب من الغاز، فيما قدّرت احتياطيات الغاز في السواحل التي تطل عليها إسرائيل ولبنان بما لا يقل عن 120 تريليون قدم مكعب من الغاز.
ولا تشمل هذه التقديرات سوى النفط والغاز القابل للاستخراج من الناحية الفنية.
وأبدى السفير إبراهيم يسري، مساعد وزير الخارجية المصرى الأسبق للقانون الدولي والمعاهدات الدولية، استغرابه الشديد من السياسة التى تتخذها السلطات المصرية الحالية ضد تركيا، رغم مصالح البلدين المشتركة للحفاظ على حقوقهما في الغاز في البحر المتوسط، في مواجهة السرقات التي ترتكبها إسرائيل واليونان وقبرص، مشيراً إلى استعداد تركيا لخوض حرب للدفاع عن هذه الحقوق.
وشهدت العلاقات المصرية التركية خلافات شديدة عقب وقوع الانقلاب العسكرى فى مصر فى 3 يوليو - تموز الماضى اذ نددت انقرة بالانقلاب على الرئيس الشرعى محمد مرسى وردت القاهرة بسحب سفيرها من تركيا واعتبار السفير التركى بمصر غير مرغوب فيه.
وقال يسري، في اتصال هاتفي مع "الجديد"، إن إسرائيل تبسط سيطرتها على نحو 40% من منطقة الاكتشافات في البحر المتوسط، لذلك فإنها استنفرت جميع إمكانياتها وعلاقاتها السياسية والدبلوماسية وقوتها العسكرية وشرعت ببناء المنصات ومعامل الطاقة تمهيداً للإنتاج من الحقول، رغم عدم ترسيمها للحدود البحرية مع أغلب الدول المجاورة خاصة العربية منها.
وتشير تقديرات حكومية مصرية إلى أن إسرائيل لديها احتياطيات تقدر بحوالي 680 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي (24.3 تريليون قدم مكعب) في عام 2012، ومن المتوقع أن يصل إنتاج إسرائيل من الغاز خلال العام الجاري 2014 إلى نحو 7 مليارات قدم مكعب من حقل "تمار" فقط.
وأعرب يسري عن اعتقاده بأن المنطقة ستشهد نزاعاً شديداً على الغاز الطبيعي في السنوات القليلة المقبلة، "فهناك بوادر صدام بين تركيا وقبرص الجنوبية"، حيث تعترض حكومة أنقرة على قرار سلطات قبرص البدء في عمليات التنقيب عن الغاز بالاشتراك مع إسرائيل، عن طريق شركة "نوبل إنرجي" الأميركية.
وكان كل من لبنان وإسرائيل قد بعثا بخطابات إلى الأمم المتحدة لإعلامها بالحدود البحرية لكل منهما، لكن الدولتين لم تتفقا فيما بينهما على ترسيم للحدود رغم طلب الطرف اللبناني من إسرائيل ذلك، فيما رفضت إسرائيل ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، قائلة إنه يجب أن يتم ترسيم الحدود البرية أيضاً.
وقال الجيولوجي أحمد عبد الحليم، الرئيس السابق لهيئة المساحة الجيولوجية في مصر: إن البعض في مصر لا يزال يطالب بإعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص رغم توقيع اتفاق ترسيمها رسمياً عام 2004، فيما يتم التفاوض حالياً مع اليونان وتركيا وإسرائيل والسلطة الفلسطينية.
وأضاف عبد الحليم، في تصريحات خاصة لـ"العربى الجديد"، أن كل حقوق مصر في المنطقة الاقتصادية في البحر المتوسط محفوظة بحكم القانون الدولي، مستنكراً ما وصفه بالحملة الإعلامية التي يقودها بعض مَن يدّعون أنهم خبراء في هذا المجال في حين أنهم يعملون على تشكيك المصريين عبر معلومات مغلوطة في حدودنا الدولية المعترف بها.
ويرى عبد الحليم أن المستفيد الوحيد من حملات التشكيك في حدود مصر البحرية جهات أجنبية تستهدف عرقلة خطط مصر في تنمية مناطقها الاقتصادية عبر البحث واكتشاف الغاز، مضيفاً أن "إسرائيل وحدها المستفيد الأول من انصراف الشركات العالمية عن البحث عن الغاز في مياهنا الإقليمية واجتذاب المستثمرين للمزايدات التي تطرحها وتقدم لهم حوافز غير مسبوقة".
ووفق بيانات هيئة المساحة الجيولوجية الأميركية، فإن منطقة "المخروط النيلي" الواقعة في منتصف المياه البحرية المصرية تستحوذ على أكبر الموارد، ويقدّر حجمها بـ217.313 مليار قدم من الغاز، و5.789 مليون برميل من الغاز الطبيعي المسال.
وحسب التقرير فإن المنطقة تشمل حوالى 96.525 ميل أي ما يعادل 250 كيلومتراً مربعاً من المساحة الشرقية للبحر الأبيض المتوسط.
وقال الجيولوجي محفوظ البوني، نائب رئيس الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس"، إن ترسيم الحدود البحرية لمصر مسؤولية جهات مصرية أخرى قادرة على الحفاظ على حقوقنا في أي مكان.
وأضاف، في تصريحات خاصة ل"العربي الجديد"، أن مصر أودعت نقاط الأساس لحدودها البحرية في الأمم المتحدة لضمان سيادتها وحفظ حقوقها في أي ثروات طبيعية مثل الغاز أو الزيت، خاصة عند تحقيق اكتشافات تقع في حدودنا سواء كانت اقليمية أو اقتصادية.
وأضاف أن مصر وإسرائيل لم يتم ترسيم حدودهما البحرية لعدم وجودها من الأساس، فمصر لديها حدودا بحرية مع قطاع غزة.
وتابع: "الوضع العام في المنطقة يشير إلى تزايد إدراك الدول المطلة على البحر المتوسط لأهمية الثروات الطبيعية، بما ينبئ بأن بعضها قد يستخدم القوة للحصول على ما ليس حقه".
وقال البوني: إن اكتشافات الغاز في المياه العميقة بالبحر المتوسط من جانب بعض الدول المجاورة، قد تفجر خلافات حادة بين الدول المطلة على البحر المتوسط، ما لم تتوصل إلى صيغ توافقية، سواء أكانت ثنائية أو جماعية بشأن ترسيم الحدود في ما بينها.