سماءُ كل شيء
التروس المكسورة تربكُ طيراني
وتصبُ الحبر الأسود داخل عيني
لا أحد هنا يكنس العالم
الصداع يُحكِمُ أصابعه حولي
يضغط رأسي في حركة دائرية قبل أن يذوب
من أين يأتي الصداع يا أمي؟
ما هي أحلامه حين ينام؟
الحب لا يتناغم مع الأعمال الشاقة
أنا ضيقة وسُكَّان روحي يخافون
فرصتنا في حياة جديدة انتهت
ليس أمامنا سوى هذه الحياة القديمة
التالفة
من يعتني بي يا أمي؟
(جارنييه) كما تقول الإعلانات، أم خيالي الذي أصبح أبي.
في صيدلية الملاك كل شيء قابل للشفاء، أنزع حذائي وأمرر قدميّ أمام الضوء، فتسقط أصابعي القديمة ويتقشر جلدي.
أشاهد نفسي أصرخ داخل شاشة التلفزيون، فمي مفتوح ولا أشعر بالألم، جسدي ممتليء أكثر مما أظن، صوت صراخي حاد ومتصل.
يخبرني الطبيب أن أصابعي الجديدة ما زالت خضراء لكنها ستجفّ مع المشي.
أخرج من الكادر قبل فاصل الإعلانات، (مناديل ورقية لتجفيف دموع غادة، صبغة شعر رائعة كي يلمع شعر غادة، كريم مرطب بعد البكاء لبشرة غادة، وأخيراً حذاء بمقاس يتغير كلما بدلت غادة أقدامها).
أحلامي تُشبه أحلام أمي
كم أنا عادية
عادية إلى درجة أن بإمكانهم استبدالي بمليونيّ امرأة على الأقل
جسدي دمية قطنية لن تشتعل فيها الحياة أبداً
بابي ينفتح وينغلق
والموسيقى تترك سطراً فارغاً بيني وبين العالم.
***
بعدما أنتهي من كي ملابسي، سأذهب إلى أبي وأهشم رأسه بالمكواة الساخنة، بعدها سأضعه مع بقية العائلة على النار، داخل إناء جدتي النُحاسي الضخم، سأقوم بسلقهم جميعاً، قبل أن أطبخ الأرز بشوربة العائلة، سآكلهم ببطء كي تنتقل إليَّ محبتهم التي يقسمون على وجودها، ولم أشعر بها أبداً.
جوافة
لا أحدَ يصدِّقُ المجانينَ
يُقسمونَ أنَّ الإبرَ تخترقُ عيونَهم
لكنَّ العالمَ يُصرُّ على سَلامتِهِم
وَخرابِ رأسِهِم
التي تَبثُّ هذه المشاهدَ الملآى بالأشواكِ
لا تُخبر الجوافةَ أنَّكَ تُحبُهَا
الفاكهةُ لا تمتلكُ أذنَين
ولنْ تُصدقَ أنَّ بإمكانِ مَنْ يُحبهَا أنْ يأكلَهَا
إِنَّهَا تصدِّقُ الحبَّ كمَا تعرفُهُ مِن الأرضِ
هذه العُصارة التي تتدفقُ داخلَهَا وتملؤهَا بالحياةِ
كيفَ تُسمِّي انتهاكَ أسنانكَ المؤلمةِ لها حبّاً؟
اذهبْ إلى طبيبِ الأسنانِ
واطلبْ منهُ أنْ ينتزعَ أسنانِكَ كلِّهَا دونَ مخدِّرٍ
اذهبْ بهم إلى الجوافةِ وأخبرهَا أنَّكَ تُحبهَا
أيُّها المجنون
إنَّها جثةٌ منذ أنْ تم قطفُهَا
كرِّر معي
الجوافةُ فاكهةٌ حلوةٌ
الفاكهةُ لا تشعرُ بالألم.
Facebook
أُريدُ مكاناً بجوارِ النافذةِ
أُريدُ نافذةً مفتوحةً على الشمسِ
وَمَزيداً من الوِحْدَةِ
أُريدُ بيتاً يمتلئُ بالحياةِ بِجوارِ رَجلٍ لا تُزعجهُ نَافذةٌ مَفتوحةٌ
وَوِحْدَةً أُطلّ فيها عَلى نَفسِي
في الصباحِ لا أُخبِرُ أحداً عنْ الحياةِ التي تَطيرُ مثل بَالوناتِ الهاليوم
فقط أَتناولُ الكونجستال
وأُفكِّرُ في اختراعِ خيوطٍ جديدةٍ
اللَّمساتُ تَتحوَّلُ إِلى حُروفٍ،
وأَنا لا أَعرفُ كَيفَ أَخترعُ ذِكرياتٍ حَيَّةٍ لا تَمر منْ هناكَ
أُحوِّلُ الشَّغفَ إِلى كَلماتٍ جَافَّةٍ
كُلُّ هَذا الجَمالِ أَصبُّهُ دَاخلَ مَاكينةِ الكِتابةِ
الطَّاحونةِ التي تَعيشُ على دِماءِ أَطفالِي
وَترغبُ في صرخاتٍ جديدةٍ كَي تَعملَ.
***
لاعبُ السيركِ يستيقظُ لِيجدَ نفسَهُ فوقَ الحبلِ
محاولاتُ التوازنِ تستهلكُ حياتَهُ
بينمَا يكتمُ رغبةً أكيدةً في السقوطِ
لاعبُ السيركِ لا يتذكَّرُ كيفَ كانت حياتُهُ
قبلَ أنْ يأتِيَ إلى هنَا
لكنَّه يعرفُ جيداً أنَّه مجرَّدُ فكرةٍ بائسةٍ
داخلَ رأسِ امرأةٍ تحتاجُ إلى المجازِ
لأنَّها تفقدُ شجاعتَهَا مع الوقتِ
تقاطع مع سيلفيا
لقد أغواني بشِعرِه فذهبتُ
لكنَّني لم أتزوجْهُ يا سيلفيا
رأيتُ تعاستي تتسلقُ جدرانَ حُبِّنا بصبرٍ
واخترتُ أن أكتبَ فقط
لم أتركَ نفسي للحبِّ
بل وضعتُه تحت سيطرتي
لويتُ ذراعَه كي أبتهج
لكنَّهُ كان يبكي دائماً
أنتِ صدَّقتِ الحُبّ
أقنعكِ الشِّعرُ بالتخلي عن قلبكِ بالكاملِ
قبلتِ أن تكوني أمّاً أبدية
لقد تم عَصْركِ مثل البرتقالِ الذي مرَّ بمشهدٍ ما
مع ذلك أتتْ موهبتُك طائعةً إليكِ حينما صرختِ باسمها
لم أتزوج الشاعرَ العظيم
ولا أيَّ شاعرٍ آخر
لم أتزوج يا سيلفيا
لستُ منهكةً بأعمالِ المنزل ولا مُجبرةً على العملِ
مع ذلك أُفكر في الانتحار
مثلكِ تماماً
لا أحدَ يكلِّمُني يا سيلفيا
لا أحدَ يرغب في الكَلامِ معي
أكتبُ لأتكلمَ مع نفسي
هل تُصدقين؟
الشعرُ يُهاجمُني/ يقتنصُ رُوحي
يُكثِّفُها في مِساحةٍ ضيِّقة
ويَتركني فارغةً
كيف سمحتِ له أن ينهشَكِ هكذا؟
تحتَ السطحِ
الموتُ يحاصرُنا بالكامل
الموتُ والسحلُ والتعذيبُ وفُقدانُ البصرِ
كلُّ هذا يحدثُ يومياً أمامَ أعيننَا
وكلُّ ما أفكرُ بِهِ
أنَّني سأصعدُ إلى اللهِ
دونَ أنْ أجرِّبَ الوجودَ داخلَ حضنِ رجلٍ
سيغتصبونَنِي في الشارعِ
قبلَ أنْ أعرفَ شكلَ اللَّمساتِ الجميلةِ
كلُّ هذه التفاهةِ تجعلني أكرهُ نفسِي
أيَّتها الحريةُ.. ما هو اسمك الحقيقيّ؟
كيف تظهرين دونَ مكياج
هل سَتسمحين لي بِالضحكِ بصوتٍ عالٍ
أم أنَّكِ دونَ ذلكَ دائماً.
قبل أن يمرَّ من هنا
المشمشةُ الصغيرةُ تستقرُّ في يدي، ولا أَجرؤ أنْ آكلها، كُلَّما فتحتُ فمي تنغرسُ الإبرُ برقبتي. المشمشُ الملوّنُ كان صغيراً ودافئاً، لم يكن يغضبُ إذا أَلقيتُ بالتوكة من النافذةِ، وكانَ يُصالحُني بعد أن تَضرِبَني أمي.
في المرَّة التي كَسَرتُ فيها أطباقَ المهلبية، كنتُ أجري لألعبَ مع غُبار الشمس، لكنَّ أمي لا تصدقُ الوردةَ التي تتمشى أمامي، ولا يمكنُ أن ترى الشمس.
المركَبة تغرقُ في طبق البلاستك، أحترفُ إغراقَ المراكبَ إلى الآن، ولم أتوقفْ عن صناعتِها.
تقولُ أختي إنَّ عليَّ أن أصنعَ البحرَ أولاً
لكنَّني أخافُ أنْ يتسللَ الغرقُ إليَّ.
على هامش الصُّداعِ النِّصفِيّ
معدتي تحاولُ أن تفكِّكَ نفسَهَا وتهربُ، هذا الجسد يؤلمُها ولا يناسبها، تدفعُ كلَّ ما بها إلى الخارج عبر زخات عنيفةٍ ومتواصلةٍ، بغضبٍ تحاولُ أن تقفز هي أيضاً،
السائل الأصفر الكثيف يخرج أولاً، معدتي تقف على حافة الحَلْق وتستعدُّ للقفز.
أصبُّ لها الدواء فيجري مسرعاً في الشرايين، يحتضنُها ويهمسُ لها في حب:
"أنتِ أجمل معدةٍ ممكنة، لماذا تحاولين الانتحار، غادة لا تحاول قتلك كما تظنين، إنها مرتبكة فقط، أنتِ تحتاجين إليَّ الآن، سنجد حلاً لمشاكلنا مع هذا الجسد، أنا هنا الآن.. لا تخافي".
المعدة تقاوم وتصبُّ زخةً أخيرة ثم تغرَقُ في السكون،
الدواءُ يهمسُ لي: تحتاجين إلى النوم فقط.. غداً سيتغير العالم.
بهجةُ الطريقِ
أرفضُ ارتداءَ حذاءٍ رائعِ الجمالِ يُدميني كلَّ مرةٍ،
كلَّ مرةٍ تقريباً.
الأحذيةُ الجميلةُ المؤلمةُ تُروِّجُ إشاعاتٍ عن اتساعِهَا مع الوقتِ،
مع الوقتِ تُدميني أكثر، يزدادُ العذابُ دائماً كلما مرَّ الوقتُ.
لا أحتاجُ إلى الدِّفاع عن قدمي المـُصابةُ بالفلات فوت،
تلكَ القدمُ الكبيرةُ والعاليةُ التي لا يناسبُها أيُّ حذاء.
لماذا أُتَّهمُ بقدمي التي لم أَخترْها؟
* تشكيلية وشاعرة من مصر
** القصائد من مجموعة تصدر قريباً بعنوان "نسيج يستيقظ"