سفاسف الأمور
ـ عزيزي السيساوي: يعني صدقت أن هناك جهازاً يحول الفيروسات إلى كفتة، وأن عبد الفتاح السيسي سيقوم بوصل نهر النيل بنهر الكونغو، وأن المجلس الأعلى للعالم يقوم بتغيير المناخ للتآمر على مصر، وأن هناك أشجاراً ستنتج الخرسانة، وجهازاً سينتج كهرباء مجانية، ثم وقفت في زورك حكاية البقرة المبروكة التي تعالج فيروس سي، اعتبرها عقيد في سلاح المركبات، يا أخي.
ـ في يوم من الأيام، سيثبت باحث ألمعي، في دراسة علمية، أن مسلسل انهيار جماعة الإخوان المسلمين بدأ فعليا، حين رسم شاب مجهول على أحد حيطان القاهرة حيوان باندا، وكتب إلى جواره: الإمام حسن الباندا.
ـ لم أستغرب وضع نظام السيسي لوحة إعلانية في طريق إسكندرية الصحراوي، تظهر الطفل السوري الغارق عيلان، وإلى جواره صورة للسيسي مع طفل مصري مريض بالسرطان في احتفالات تفريعة قناة السويس، مصحوبة بعبارة "طفل معه جيشه ـ طفل فقد جيشه". فحين تصبح المصالح الاقتصادية لطبقة اللواءات على المحك، تغيب المروءة وينتحر المنطق، ويصبح اللعب على المكشوف، لتصل إلى الشعب الرسالة واضحة: "إما بقاء مصالحنا كاملة أو الفوضى العارمة"، وهو ما يدفع كل عاقل إلى أن يتأمل كيف وصلت سورية إلى أحوالها المزرية، في ظل حكم جنرالات حزب البعث ودولته البوليسية، فيضع في عقل باله شعاراً جديداً أكثر منطقية هو: "هذا الطفل حكمه جيشه، خاف على عيالك".
ـ مع شديد الأسى، ومع احترامي كل التحليلات، نظام السيسي ليس مع أو ضد أي تحالف إسلامي أو دولي أو إقليمي على وجه الخصوص، بل هو مع الرز على العموم، يدور حيث دار، ولو كان الرز يعم على كامل شعب مصر، أو أغلبه، ويحقق تنميةً ما لابتهج المرء، واحتسب تضحيات الجنود المنتظرة عند الله، لكن أي رز قادم سيكون كالرز الذي سبقه، رزاً مؤمماً مصادراً، يستقر في بطون لا تعرف الشبع أبداً.
ـ كان أداء مصر في مفاوضات سد النهضة سيختلف تماماً، لو أدارت المعركة تحت شعار المثل الشعبي "ما تخروش على كعبكم، وتقولوا قضى ربكم".
ـ رفض التدخل في الحياة الشخصية أمر يتفق عليه كل عاقل، حتى لو لم يكن شريفاً، أو صاحب مبادئ. لكن، ما ينبغي أيضاً أن يتفق عليه كل عاقل، خصوصاً إذا كان شريفاً وصاحب مبادئ، هو أن من يضع نفسه في خدمة نظام يستبيح دماء خصومه، لا يجب أن يستغرب عليه استباحة الأعراض، حتى لو كانت أعراض مؤيديه.
ـ لا أحد يتعلم ببلاش، ويكفي مصر أن تكون قد تعلمت من أزمات السياحة المتلاحقة، أن الرأي العام الدولي لا يتأثر بآراء الأساتذة عزت العلايلي وإلهام شاهين وفتوح أحمد.
ـ مع وجود أسد في كل موقع من مواقع الحكم، كيف لا تكون الأوضاع "بنت لبوة".
ـ سأل المذيع الألمعي بحماس شديد "إيه اللي يخلي الداخلية تعمل اختفاء قسري، بينما هي تقدر تعتقل الشخص بمزاجها؟"، فلم أجد طريقة للتواصل معه، لكي أخبره أن هناك أسئلة محيرة مثل "إيه اللي يخلي صحفي يشتغل مخبر ويبلغ الأمن عن خاله"، لن تجد عليها إجابة منطقية، إلا الإجابة الشعبية الشهيرة "وساخة بعيد عنك".
ـ في مكانٍ ما، هناك شخص ما، سيبدأ في الاستماع إلى فيروز باهتمام، وسيغيّر نظرته إليها، بعد أن قرأ، في مجلة صفراء، أنها كانت تحب الفلوس والويسكي، ربما لأن "جو راهبة الفن كان قافله منها جداً"، أو ربما لأنه من أولئك الذين لا يحبون فناناً ليس له نزوات.
ـ إذا فاض بك الكيل، احمد ربنا، غيرك أصلاً لم يعد يمتلك كيلاً يفيض به أو يطفح.
ـ دائما هناك "طلب جامد" على تشبيه السياسيين، في بلادنا، بسيدنا يوسف عليه السلام، ليتم الاستشهاد بما ذكره القرآن الكريم عن تغيير أحوال مصر. وفي العادة، يكون السياسي الذي يتم تشبيهه بسيدنا يوسف أكثر شبها بكائن آخر ذكره القرآن أيضا، هو حمار العُزير.
ـ وستسجل كتب الطب، أن هذه الأيام بالذات ظهر فيها سبب جديد للوفاة، اسمه "إسفكسيا البضن".
ـ لم أفهم لماذا قرّرت مصر مبادلة الجاسوس الإسرائيلي بثلاثة تجار مخدرات، إلا حين قرأت حوار سيادة المستشار الجليل المشهور بولعه بالحشيش.
ـ منذ زمن بعيد، لم أتوقف عند شيء ما أكثر من دقيقتين، لكنني، أمس، توقفت ثلاث دقائق أمام شخص أطلق على نفسه في "فيسبوك" اسم عادل حمودة صمت جميل، واختار لنفسه صورة محمد حماقي، آخر واحد توقفت عنده فترة مشابهة، كان قد سمى نفسه "وعجلت إليك رب لترضى"، إلى جوار صورة أحلام، وحين قام الأخ "وعجلت إليك" بإرسال بعض اللعنات والشتائم، فكّرت أن أي رد عليه بالمثل سيكلفني قضية ازدراء أديان، فآثرت الصمت الجميل والبلوك الأجمل.
ـ فجأة تحولت أغنية محمد منير (يحيا المقاولون) من أغنية تم أداؤها ضمن عمل درامي، إلى أغنية سيرة ذاتية تروي وقائع خريف فنان عظيم.
ـ يا عزيزي، "هناك فنانون وهناك الفن، هناك أدباء وهناك الأدب الذي يكتبونه". لذلك، صدقني كل محاولات افتراض أن آراء الفنان والأديب السياسية لا بد أن تكون مطابقة لفنه وأدبه ليست إلا مضيعة للوقت. إياك أن تصدّق، مثلاً، أن الأغاني التي تحبها تمثل جزء من شخصيات مطربيها وسلوكهم. يعني لم تمسك أم كلثوم بسلاح في حياتها، ومع ذلك صدقها الملايين وهي تغني "والله زمان يا سلاحي". ولم تكن صحة عبد الحليم حافظ تساعده على الجري، فضلا عن القتال، ومع ذلك ألهب حماس العرب بأغنية "فدائي أفدي العروبة دمائي". ولم يكن محمد عبد الوهاب ينتقل إلا من أنتريه إلى أنتريه داخل منزله، ومع ذلك غنى الملايين معه بمنتهى التأثر "أصبح عندي الآن بندقية إلى فلسطين خذوني معكم". ولو كان الغناء الجريء المرتبط بهموم الناس، يمكن أن يذهب بالفنانين إلى السجن في عهد مبارك، لكنت ربما استمعت إلى أغنيات "إتكلموا ما أحلى الكلام ما ألزمه ما أعظمه ـ ليه تسكتي زمن ليه تدفعي وحدك التمن ـ يا ناس يا مكبوتة هي دي الحدوتة" من مطرب آخر، ليس اسمه محمد منير.
ـ الحياة حظوظ، يعني مثلا يحصل آرثر شوبنهاور الفيلسوف الألماني على مجد تليد، تسجله كتب التاريخ، لأنه يكتب قائلا: "شخصية الإنسان ثابتة لا تتبدل، إنه يبقى هو ذاته طوال حياته، وتحت قشرة السنوات والظروف والآراء والمعارف المتغيرة، يظل الإنسان مثل سرطان البحر تحت حرشفه فرداً مطابقاً لذاته، عصياً على الإدراك على نحو مطلق، ودائما هو نفسه، ما من أحد في وسعه أن يغيّر فرديته الخاصة، أي شخصيته الأخلاقية وقدراته الفكرية ومزاجه وملامحه". بينما لا يتذكّر أحد حتى اسم الذي صاغ هذه الفكرة، بعبارات أكثر إيجازاً ورشاقةً وظرفاً، حين قال "نهيتك ما انتهيت والطبع فيك غالب، وديل الكلب ما يتعدل ولو علقوا فيه قالب".