على عكس كل التوقعات، عيّن نتنياهو شخصيات سياسية ذات توجّه يميني متطرف، ليس لها أي خلفية مهنية في العمل الدبلوماسي، كسفراء في مواقع مهمة، لإدارة وتوجيه السفارات والممثليات الإسرائيلية في أرجاء العالم. وقد كان أكثر قرارات نتنياهو إثارة للجدل، تعيين الوزير الليكودي المتطرف داني دانون، ممثلاً لإسرائيل في الأمم المتحدة، وهو الموقع الذي يعتبر ثاني أهم موقع دبلوماسي في السلك الدبلوماسي الإسرائيلي، بعد السفير في واشنطن.
كما أقدم نتنياهو على تعيين المتحدّث باسمه، مارك ريغيف سفيراً في لندن، والنائبة الإيطالية اليهودية الليكودية، فياما نيرنشتاين، سفيرة في روما، والتي تعد من المتحمسين لأفكار الليكود، وتقوم بدور في تسويقها في المحافل الدولية. وبدا واضحاً أنّ نتنياهو أراد من خلال هذه التعيينات تأهيل أكثر الأوساط اليمينية تطرفاً، إذ أقدم على تعيين الرئيس السابق لمجلس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، داني ديان، سفيراً في البرازيل. ولا حاجة للتذكير بأن ديان، من خلال موقعه السابق، قام بدور أساسي في مصادرة الأراضي الفلسطينية الخاصة لصالح المستوطنات.
اقرأ أيضاً: نتنياهو يخترق إيطاليا بـ"الولاء المزدوج"
وفور تولّيه مهام وزير الخارجية، عمد نتنياهو إلى تعيين النائبة الليكودية المتديّنة والمتطرفة، تسفي حوطبيلي نائبةً لوزير الخارجية ومسؤولة عن توجيه السفراء الإسرائيليين. وفي أول لقاء توجيهي لها مع سفراء إسرائيل، الذي تم قبل شهرين، فاجأت حوطبيلي الدبلوماسيين بمطالبتهم بإيصال رسالة بسيطة وواضحة إلى وسائل الإعلام في البلدان التي يعملون بها في دفاعهم عن مواقف الحكومة الحالية من الصراع مع الفلسطينيين. وقالت حوطبيلي للسفراء، "عليكم أن تؤكدوا دائماً أن هذه الأرض منحت لشعبنا ضمن وعد إلهي". وعلى الرغم من الضجة التي أحدثتها تفوّهاتها، إلا أن التعيينات الجديدة التي أقدم عليها نتنياهو في السلك الدبلوماسي، تدلّ على أنّه عازم على اختيار دبلوماسيين مستعدين لإيصال الرسائل "البسيطة والواضحة"، كما تجيدها حوطبيلي.
وعلى الرغم من أنه سبق لدوري غولد أن عمل ممثلاً لإسرائيل في الأمم المتحدة، فإنّ استدعاءه للعمل وكيلا للخارجية الإسرائيلية، يدلّ أيضاً على توجهات نتنياهو، إذ يُعرف غولد بمواقفه بالغة التطرف. ويكفي الاطلاع على الدراسات وأوراق تقدير الموقف التي يصدرها "مركز يروشليم لدراسة المجتمع والدولة"، وهو مركز الأبحاث الذي لا يزال يرأس غولد مجلس إدارته، لمعرفة مدى تماهيه مع مواقف اليمين المتطرف. من هنا، لم يكن من سبيل الصدفة أن ينبري الكاتب اليميني، أمنون لورد في الدفاع عن التعيينات الجديدة، ويعتبرها بمثابة رغبة للتوقف عن "التوجهات الاعتذارية للدبلوماسية الإسرائيلية، والتي تهدف إلى تسويق التنازلات".
وفي مقال نشرته صحيفة "ميكور ريشون" في عددها الصادر بتاريخ 14 أغسطس/آب الحالي، أوضح لورد أن ما "يميّز" السفراء الجدد استعدادهم لخوض غمار مواجهات دبلوماسية دفاعاً عن مواقف إسرائيل، متسلحين بالمسوغات التاريخية والقضائية والسياسية. لكن المعلق السياسي لصحيفة "هارتس"، باراك رفيد، يختلف مع لورد، معتبراً أن التعيينات الجديدة في السلك الدبلوماسي أبعد ما تكون عن تحقيق المصلحة الإسرائيلية. ويرى رفيد أن اختيار دانون لشغل منصب مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، لا يمكن أن يخدم المصالح الإسرائيلية.
وفي مقال نشرته الصحيفة يوم الأحد الماضي، اعتبر رفيد أنّ دانون هو "الشخص الخطأ في المكان الخطأ في التوقيت الخطأ". ونوّه إلى أن تطرف دانون دفع بنتنياهو إلى إقالته من منصبه الأسبق كنائب وزير الحرب أثناء الحرب على غزة بسبب انتقاداته اللاذعة له. وأشار رفيد إلى أن دانون يدعو إلى ضم معظم مناطق الضفة إلى إسرائيل، كما أنّه متحمس لقطع التيار الكهربائي والمياه عن قطاع غزة. وشدّد رفيد على أن تعيين دانون ضار، لأنه يأتي في الوقت الذي تدهورت فيه مكانة إسرائيل الدولية إلى الحضيض، ما كان يتطلب وجود دبلوماسي قادر على مواجهة مشاريع القرار الهادفة إلى المس بإسرائيل داخل الجمعية العامة.
اقرأ أيضاً: داني دانون... عدو الفلسطينيين سفيراً لإسرائيل لدى الأمم المتحدة