يؤكد المعارض الجزائري، مؤسس حزب "جيل جديد"، سفيان جيلالي، أن إجراء انتخابات رئاسية سريعة يشكل "قفزاً على إرادة الشعب الجزائري، وتأجيلاً صارخاً لحلّ الأزمة السياسية التي تتخبط فيها البلاد". ويرى جيلالي، في مقابلة أجرتها معه "العربي الجديد" أخيراً، أن هذا المنحى يعتبر عودةً إلى نظام عصابة عبد العزيز بوتفليقة، بحسب تعبيره، والتي قيل إنه جرى اقتلاعها، ويؤكد المضي في تطبيق سياسة الأمر الواقع، وفي استمرار التضييق على الحريات والإعلام والناشطين السياسيين وعلى المتظاهرين. ويعرب المعارض الجزائري عن اعتقاده بأن الوضع في بلاده "سيئ وينذر بعواقب غير محمودة"، ما أثرّ سلباً على التفاؤل الذي طغى عليه بعد رحيل النظام السابق، خصوصاً إثر اعتقال المعارض كريم طابو، والذي يراه غير مبرر على الإطلاق.
* ما هو تعليقكم إثر الإعلان عن إجراء انتخابات رئاسية سريعة؟
ـ يعد القرار تحدياً لإرادة الشعب وتأجيلاً صارخاً لحل الأزمة السياسية التي تتخبط فيها الجزائر، وعودة الى نظام العصابة التي يدعي محاربتها.
* هل يعني كلامكم انهيار تفاؤلكم الذي عبرتم عنه إثر قبولكم دعوة رئيس الأركان للحوار؟
- تماما... تماماً، وأخشى من مصير غير محمود العواقب.
* خاصة بعد اعتقال المعارض طريم طابو؟
ـ تماماً، وهو الاعتقال غير المبرر والذي أدينه بقوة.
* كنتم من الأوائل الذين رحّبوا بدعوة رئيس الأركان أحمد قايد صالح إلى الحوار للخروج من الأزمة السياسية التي تتخبط فيها الجزائر، خلافاً للمحامي والحقوقي المعروف مصطفى بوشاشي، وكريم طابو وقادة "البديل الديمقراطي" (طابو اليوم في السجن بتهمة الحط من معنويات الجيش). لماذا قبلتم؟ وماذا تقولون للرافضين للحوار الذي يعد في نظرهم مناورة جديدة من سلطة تسعى إلى إعادة تدوير نفسها برموز النظام السابق؟
ـ تعيش الجزائر منذ انطلاق الحراك الشعبي وضعيةً ثورية، تؤكد أن الشعب أصبح يشكل قوة حقيقية في وجه السلطة، لاسيما أن هذه القوة لا تزال محافظة على سلميتها المبهرة حتى الساعة. بعد خلع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، أصبحت السلطة الفعلية في يد الجيش، وعليه فمن الطبيعي أن يصبح توجهه مؤثراً على الأحداث اللاحقة. في ظلّ هذا المعطى، بدت لي دعوة رئيس الأركان إلى الحوار مبادرة صحية تفرض مرافقة الجيش في تجاوز المعوقات النفسية التي تحول دون تجاوز حاجز الخوف من التغيير. من هذا المنطلق، لا يعد موقفنا جديداً إذا استندنا إلى أدبيات حزب "جيل جديد" الذي كان يطالب دوماً بمساعدة النظام على الرحيل. في المقابل، أعتقد أن الرفض المبدئي للحوار يعني الدفع نحو المواجهة في ظلّ تشبث جهات حزبية وشخصيات بخطاب راديكالي يضغط على الجيش، ويدفعه إلى قبول أمرٍ يستسلم بموجبه كمتهم غير قادر على الدفاع عن نفسه.
ـ بطبيعة الحال الأمر ليس كذلك، وموقفنا لا يعبر عن سذاجةٍ سياسية كما يعتقد الكثيرون، ونحن ندرك أن الجيش يحاول السيطرة على الوضع، بالقدر الذي يتركه سيّد الوضعية بشكل تفرضه طبيعة الأمور. من هذا المنطلق، نرى أنه من الحكمة والتبصر أن نسعى كقادة أحزاب إلى ضمان تغيير دون مواجهة.
* أنتم تردون بهذا الكلام على قادة "البديل الديمقراطي" وعلى شخصيات أخرى ترفض الحوار مع سلطة عسكرية مناورة وغير صادقة في مسعاها، بحسب رأيها، وتلح على مرحلة انتقالية تعرض البلاد للخطر في نظر الجيش، لكنها المرحلة التي تعني تغيير النظام جذرياً في تقديرهم كما يطالب الشعب.
ـ للأسف الشديد، نلاحظ هذه الأيام احتقانا كبيراً بسبب إصرار القيادة العسكرية على تنظيم انتخابات رئاسية مهما كلّف الثمن، ونخشى أن ساعة الحوار قد انتهت، الأمر الذي يفسر قلقنا المشروع من لاحق الأحداث. بالنسبة للحلول المقترحة من الطرفين المتصارعين، نحن نعتقد في حزب "جيل جديد" أن حلاً ثالثاً ممكناً يزاوج بين حلّ تنظيم انتخابات رئاسية، ثم الشروع في إصلاحات، وبين القيام بتغييرات مؤسساتية قبل أي انتخابات. إن الحل الثاني شرعي لكنه صعب التحقيق عملياً. من هو المخول بتعيين رئيس مؤقت او انتقالي؟ من هو القادر على تغيير الدستور بدون تزكية شعبية؟ من هو القادر على خلافة جمعية منتخبة لكتابة دستور جديد؟ في حزب "جيل جديد"، نعتقد أن الجمع بين الصيغتين يعد أمراً ممكناً من خلال توافق سياسي قبل الانتخابات الرئاسية تفرض على الرئيس المقبل إطلاق مسار انتقالي باستفتاء نهائي للمصادقة على دستور توافقي. هنا، يجب الاعتراف بأن رئيس الأركان ليس ضد هذا التصور، لكن ليس وفق هذا المنظور.
* هل حديثكم عن الحل التوافقي الثالث يعني مرونة محسوبة نتيجة إدراككم لاختراق لم يعد يمثل الحراك في نظر الكاتب عبد العزيز بوباكي؟ وألا تخشون وصفكم بالخائن أو بالمرتد بعد قبولكم استقبال المشرف على "حوار مستقل عن السلطة"، كريم يونس (رئيس هيئة الحوار الوطني)، كما قال، على الرغم من سيطرة الجيش، وقال في الوقت ذاته عن المعارضين لحل الجيش إنهم "يريدون حرق البلاد"؟
ـ مبدئياً، الحراك الذي انطلق قبل حوالي سبعة أشهر يمثل الشعب دون نقاش، وهو بمثابة استفتاء في الهواء الطلق لتغيير النظام الحاكم، لكن تطبيق هذا الاستفتاء عملياً يفرض على الشعب انتخاب ممثلين لتوجهات إيديولوجية تجمع اليمين المتطرف واليسار المتطرف والعلمانيين والإسلاميين والعمال والليبراليين والمحافظين والمدافعات عن التحرر النسوي والأطياف الأخرى. إن الشعب غير موحد إيديولوجياً، ومحاولة صهره في قالب واحد مجرد شطحة مجانية، وإلا اعتبر الأمر عودة إلى جماهيرية القائد القذافي، وهذا ليس هدف الجزائريين. انطلاقاً من هذه المعطيات، أعيد القول إن الحل التوافقي الثالث يمثل الصيغة العملية الأسهل التي تسمح بتفادي تداعيات سياسية صعبة وحرجة. خلافاً لما يقول كريم يونس، فإن الفريق الذي قاده من أجل الحوار يمثل السلطة بطبيعة الحال، وليس الحراك، وفي تقديري، لا يجب التركيز على شخصية الرجل، علماً أن الحوار الذي كلف بالسهر عليه فشل فشلاً ذريعاً.
* لم أسمع تعليقكم عن اتهامكم بالخيانة، خصوصاً أن المعارض محمد أرزقي فراد عبّر عن صدمته من قبول دعوة يونس، علماً أنه ليس من العلمانيين التابعين لـ"البديل الديمقراطي"، كما أن المعارض ناصر جابي انسحب من مسار الحوار الذي شاركتم فيه بعد تأكده من عدم صدق السلطة في دعوتها للحوار، قبل انسحاب المعارض إسماعيل لالماس.
- إذا تابعت جيداً الأحداث، عبّر محمد أرزقي فراد عن صدمته عقب حوار 14 أغسطس/ آب الماضي الذي نظمه المجتمع المدني، والذي كان قد نسق معه لتنظيم اجتماع السادس من يوليو/ تموز. بالنسبة لاستقبالي يونس، فإن اللقاء معه لم يكن من أجل الحوار ولكن لتبادل الآراء، وأعلنت مباشرة بعده في ندوة صحافية عن استحالة إجراء أي حوار دون اتخاذ إجراءات التهدئة، مثل إطلاق سراح المعتقلين وحرية الصحافة ورفع الحصار عن مداخل العاصمة. حزب "جيل جديد" مع الحوار، لكن مع ضمانات تؤكد أن الحوار ليس مناورة، وأذكركم بأن المعارض التاريخي السيد علي يحيا عبد النور استقبل أيضاً الوفد الممثل للحوار بقيادة يونس ولم يتهمه أحد بالخيانة. مع احترامي للشخصيات التي ذكرتها، لا أتوقف عند الأحكام الفردية، وأمر اختلافنا صحي وجيد.
- اسمحوا لي في البداية تحديد مفهوم العلمانية في الجزائر، حتى لا تختلط الأمور على قراء صحيفتكم. في الجزائر، تعني العلمانية الإلحاد والعداء السياسي للإسلام كما هو الحال عند بعض التيارات التقدمية في الغرب، ومن هذا المنظور لا أعد علمانياً، وأعتبر نفسي وطنياً وديمقراطياً. رداً على سؤالكم، نعم يمكن القول إن أمام السلطة هامشاً كبيراً للمناورة إذا استمرت المعارضة في التمزق، لا سيما أنها لا تزال غير قادرة على التحالف منذ ندوة "مازافران" (ندوة الانتقال الديمقراطي في فندق مازافران بالعاصمة الجزائرية) في يونيو/ حزيران 2014، والشخصيات المعارضة والمعروفة إعلامياً غير قادرة بدورها على التأثير في مجرى الأحداث.
ـ يتجلى الفرق بيننا في تاريخ كل واحد منا، وفي البرنامج، وفي مقاربتنا للسياسة بوجه عام. بالنسبة للمشاركة في حكومة، لا يتخذ القرار في لمح البصر، وتدخل اعتبارات عدة في مثل هذه الحالات، واليوم نحن أبعد ما يكون عن ذلك.
* ما رأيكم في فرنسا التي يقول عنها أنصار رئيس الأركان الجزائري إنها تقف ضده، في الوقت الذي يقول المتخصصون إن مصالحها تفرض تأييده لأن تغييراً حقيقياً يهدد هيمنتها التاريخية في الجزائر؟
ـ الوقائع والإشاعات التي تدور حول تواطؤ فرنسا مع النظام الجزائري كثيرة، وليس جديداً القول إن لفرنسا مصالح اقتصادية ومالية كبيرة وحيوية في الجزائر. باستثناء الشخصيات التي تتمتع بالجنسية المزدوجة أو التي تقيم في فرنسا، الكثير من الجزائريين نقلوا أموالهم إلى هذا البلد.
* أخيراً ماذا عن موقف الولايات المتحدة من منظور المصالح دائماً؟
ـ الولايات المتحدة حاضرة في كل مكان من العالم، وهي صاحبة سياسة دولية نشيطة، وتسعى مثلها مثل بلدان أخرى إلى حماية مصالحها الكثيرة لأسباب جيوسياسية. الجزائر استطاعت أن تبقى محايدة نسبياً بعلاقاتها المتوازنة مع كل من الولايات المتحدة والصين وفرنسا. سيادتنا تتوقف على هذا التوازن.