تشهد قضايا القتل منحى تصاعدياً خطيراً في الجزائر في السنوات الأخيرة، حتى إنّها باتت من الظواهر المنتشرة في المجتمع. وكما باتت تتكرر الجرائم يومياً تتعدد وسائلها أيضاً.
ويتميز الكثير من هذه الجرائم بارتكابها ضد أحد أفراد العائلة، ومن ذلك قتل الوالدين والأبناء وتصفية أسر بأكملها. وتشير التقارير إلى أنّ معظمها يرتكب لأسباب تافهة. ومع ذلك، يلجأ المتخاصمون داخل العائلات إلى أبشع الطرق لتصفية خلافاتهم العائلية، كالانتقام من الأطفال مثلاً.
تسجل الإحصاءات آلاف القضايا الجنائية سنوياً. وعن ذلك، أشار النقيب سايح بوسيف، من الشرطة القضائية، خلال ندوة بتاريخ 27/ 10/ 2015، حول تنامي ظاهرة الإجرام في المجتمع وضرورة تحرّك مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني لمحاصرة الظاهرة والتخفيف منها، إلى 69 ألف تحقيق بجريمة خلال أول 9 أشهر من العام الجاري. وهو ما يؤكد ارتكاب 234 جريمة يومياً. كذلك ارتفع عدد الموظفين والطلاب والقاصرين الذين تورطوا في مختلف الجرائم.
اللافت أنّ جرائم القتل بالذات من بين هذه الجرائم لم تعد بين الأغراب فقط، بل في العائلة الواحدة بين الأصول والفروع وبين أقرب المقربين. ويقف وراء هذه الجرائم العديد من الأسباب، منها دوافع الانتقام والخلافات العائلية وقضايا الميراث وتأزّم قضايا اقتسام التركة، وقضايا الشرف وحتى طمس معالم بعض الجرائم الأخرى بقتل الضحايا، إلى جانب القتل بدافع السرقة. والكثير من قضايا القتل صارت ترتكب لأتفه الأسباب ولمجرد أوهام وشكوك بين الفاعلين والضحايا.
بدورها، أصدرت محكمة جنايات العاصمة أخيراً حكماً بالإعدام ضد ب. ج. (46 عاماً) بعد اعترافه بقتل والده (73 عاماً) عام 2009 طعناً بالسكين في منطقة جسر قسنطينة (الجزائر العاصمة). وتعود وقائع القضية إلى 20 يونيو/ حزيران 2009 عندما توجه المتهم إلى غرفة أبيه الذي كان غارقاً في النوم، وانهال عليه بالخنجر بشراسة وأصابه بتسع طعنات في الجمجمة. وقد اعترف المتهم بفعلته لكنه لم يفصح عن السبب الذي جعله يقتل والده. من جهتهم، أكد أفراد الأسرة أنّ شقيقهم "إنسان عنيف وعدواني" وأنّه سبق له ضرب أبيه، وحرق أخته بالماء الساخن، كما سبق له طعن أخيه بالخنجر، وهو ذو سوابق عدلية.
تضاف هذه الجريمة إلى عدة جرائم قتل أخرى على امتداد الجزائر. فقبل فترة، مثل شاب يبلغ من العمر 33 عاماً أمام محكمة ولاية الأغواط بتهمة القتل العمد والضرب والجرح العمد وتحطيم أملاك الغير، على خلفية قتله زوجته البالغة من العمر ثلاثين عاماً بصخرة كبيرة على الرأس، وإصابة 11 شخصاً من المارة.
كذلك أسرّت مصادر مقربة من محيط التحريات أنّ عناصر الفرقة الجنائية التي تم تشكيلها منذ العثور على جثة الطفل أنس ع. ق. قبل فترة في غابة تابعة لمدينة العلمة في سطيف، وهي متعفنة وممزقة، تمكنوا من تحديد هوية منفذ الجريمة. فكانت المفاجأة أنّ الوالد (مواليد 1982) المنفصل عن زوجته (والدة الطفل) هو من اعترف بالقتل.
وفي ولاية البويرة أخيراً، قتل طفل في العاشرة على يد عمه بضربة فأس نقل على إثرها إلى المستشفى، لكن لم يتمكن الأطباء من إنقاذه.
اقرأ أيضاً: جرائم القتل تُقلق المجتمع الجزائريّ
وذكرت تقارير حقوقية أنّ الإرث يسبّب 70 في المائة من النزاعات العائلية في الجزائر. وتقول الإعلامية المتخصصة بشؤون المجتمع نجيبة صيودة لـ"العربي الجديد": "هذه الجرائم ناجمة عن العديد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والنفسية. ويعود الكثير من أسبابها إلى فترة العشرية السوداء في الجزائر (الحرب الأهلية في التسعينيات) والمشاكل التي عاشها الناس وضربت استقرار المجتمع".
تضيف: "للمشاكل والضغوط الاجتماعية الدور الأبرز في انتشار ظاهرة القتل، ومن ذلك التفكك الأسري والبطالة والفقر. كلّ هذه الأشياء تجعل الشخص يعيش في ضغط يدفعه للعنف". وتتابع: "تشهد هده الظاهرة ارتفاعاً لعدة أسباب منها انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات بشكل واسع". وتشير إلى أنّ كثيراً من هذه الجرائم يجري التكتم حولها بسبب الخوف من الفضيحة التي قد تؤدي إلى تفكك العائلة، ما يحول دون الوصول إلى المعدلات الحقيقية لها.
من جهتها، تقول المتخصصة النفسية سليمة جيم إنّ السلوك الإجرامي ناتج عن "الشعور بالإحباط الشديد والضغوط النفسية الحادة، وهي عوامل تؤدي بدورها إلى ظهور نوع من العدوانية، فالإنسان يكتسب العدوان بفعل الظروف المحيطة به". وتتابع أنّ محاكم الجزائر شهدت أخيراً قضايا مخيفة مثل فيها آباء وأمهات يجهلون الطرق المثلى لتربية أو تأديب أبنائهم، ما جعل أبناءهم ضحايا للقسوة الشديدة المتبعة. ويصل بعض الأهالي إلى حدّ قتل أطفالهم نتيجة أسباب تافهة أحياناً، بفعل الأساليب العنيفة التي يتبعونها. وتتابع: "يعود تكرار مثل هذه الجرائم إلى ضعف الأنظمة والقوانين المتعلقة بحماية الأطفال من أفراد الأسرة. وغالباً ما تكون قسوة الآباء على الأبناء سبباً في إصابتهم بأمراض نفسية خطيرة تؤثر على مستقبلهم".
كذلك، تواجه السلطات ملفاً شائكاً من قضايا جرائم الشرف التي تشهد ازدياداً ملحوظاً في معدلاتها، وخصوصاً في الأشهر الأخيرة. وغالباً ما يتهم القتلة الفتيات الضحايا بـ"علاقات جنسية غير شرعية". والغريب أنّ معظم جرائم الشرف يعلن عنها كعمليات انتحار، وذلك تجنباً لأيّ متابعات قضائية لمرتكبيها، والذين هم في الغالب من أهل الفتيات، خوفاً من العار والفضيحة.
كلّ هذه الجرائم المتنامية دفعت المعنيين إلى التحذير. وانطلقت حملات مناهضة للعنف بمختلف أشكاله وصوره وعرفت صدى واسعاً وتجاوباً كبيراً من مختلف الشرائح الاجتماعية التي أكدت ضرورة مناهضة الظاهرة ومحاربتها، وتفعيل الحوار داخل الأسرة الجزائرية وحل مشاكلها الداخلية بأسلوب حضاري. كذلك، تطالب الحملات بنشر ثقافة مراجعة المتخصص النفسي في حالات الشعور بأي نوع من أنواع القلق والتوتر والوسواس وعدم الراحة، إضافة إلى التأكيد أنّ مثل هذه الاستشارة لا تعتبر عيباً، وليست لمن يعانون من أمراض ذهنية فقط، كما يشاع عنها.
اقرأ أيضاً: جزائريّات يرتكبن الجرائم