تحولت من أغنى الدول العربية وأكثرها ثراء إلى واحدة من أفقر دول المنطقة، وانتقلت بسرعة وخلال أشهر قليلة من حالة توفير الخدمات الضرورية لمواطنيها إلى عدم توفير أي شيء، بداية من لقمة العيش ونهاية بالأمن والاستقرار والحياة، باتت غير قادرة على سداد ديونها الخارجية بسبب انهيار إيراداتها النفطية، وفشلت أكثر من مرة في سداد التزاماتها المالية تجاه إقليم كردستان، وهو ما يهدد بانفصاله عن الدولة الأم.
دخلت في سباق شديد مع الدول الفقيرة للاقتراض من الخارج، بعد أن تهاوى احتياطها من النقد الأجنبي من 88 مليار دولار في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 إلى 35 مليار دولار في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، باتت تعوم على بركة من الفساد المالي والسياسي لا أول لها ولا آخر، ولم لا وقد نهب حكامها المتعاقبون خيراتها وثرواتها منذ عام 2003 نهاية بنوري المالكي ومروراً بإياد علاوي الوارد اسمه في فضيحة "أوراق بنما" الأخيرة وغيره من الحكام الذين تناوبوا على حكم البلاد منذ عام 2003، ومع عمليات النهب المنظم للثروات امتلأت جيوب الفاسدين بمليارات الدولارات.
باتت حكومتها لا تختلف كثيراً عن حكومات العديد من دول المنطقة، حيث تطبيق إجراءات تقشفية قاسية على المواطنين، وفرض مزيد من الضرائب والجمارك والرسوم، وزيادة مستمرة في الأسعار، وتخفيض العملة الوطنية أمام الدولار وإضعافها بشكل مستمر، وتقليل الدعم المقدم للوقود والمشتقات النفطية تحت زعم خفض عجز الموازنة وتوفير النفقات، إضافة للاعتماد على الخارج في تدبير النفقات.
إذن أنت في العراق الحديث.. عراق ما بعد الاحتلال الأميركي والخضوع الكامل للسيطرة الإيرانية والمليشيات المسلحة.
تحل هذه الأيام ذكرى سقوط بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية على يد الاحتلال الأميركي، فقبل 13 عاماً توهم بعض العراقيين أن مستقبلاً زاهراً ينتظرهم عقب سقوط عاصمتهم التاريخية في يد الأميركان، وأن حياة رغدة ستحل عليهم عقب انهيار نظام حزب البعث واستبداله بقوات المارينز والسلع الأميركية، لكن خابت كل هذه الظنون، فقد تحول العراقيون لواحد من أتعس شعوب المنطقة، وتبخرت ثروات البلاد.
وشهدت البلاد موجة نزوح للاستثمارات الأجنبية والعربية على حد سواء، بل والاستثمارات المحلية أيضاً، وبدلاً من أن ينتظر العراقيون الرغد والرفاه مع قدوم المطاعم والسلع الأميركية تلقوا التعاسة والفقر والبطالة والفساد وسوء توزيع الثروة.
بعد 13 عاماً من الاحتلال الأميركي بدا المشهد الاقتصادي العراقي حزيناً كئيباً، فالبلاد على وشك الإفلاس، والحكومة أعلنت عدم قدرتها على سداد رواتب موظفيها بدءاً من شهر أبريل/ نيسان الجاري، كما جاء على لسان وزير المالية هوشيار زيباري، ودخلت البلاد في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، للحصول على مساعدات مالية بقيمة 6.4 مليارات دولار في العام الجاري 2016، من إجمالي 15 مليار دولار يجري التفاوض عليها مع مانحين ومؤسسات مالية أخرى.
وبدلاً من أن توجه الحكومة موارد الدولة لتلبية احتياجات الموطنين ذهب جزء منها لإيران، حيث الحكام الأصليون للبلد العربي، والباقي تم تهريبه للخارج، حيث حسابات نوري المالكي وغيره من الحكام الفسدة، وبات العراق مرتعاً لأكبر عمليات فساد منظمة في المنطقة، حسب أرقام منظمة الشفافية العالمية الصادرة في يوليو/ تموز 2015، والتي أكدت أن العراق خسر خلال سنوات حكم المالكي وحده 1000 مليار دولار كان نصيب الفساد منها 100 مليار دولار.
العراق الثري بثرواته النفطية والبشرية والطبيعية وبتاريخه تحول الآن إلى واحد من أفقر دول العالم بسبب الفساد السياسي وسرقة الحكومات المتعاقبة لثروات الشعب.