طهران التي لطالما جذبت الإيرانيين من مختلف أنحاء البلاد، تشهد اليوم هجرة بعض سكانها منها
في تقارير لافتة صدرت أخيراً، تبيّن أنّ إيرانيين من سكان طهران خرجوا منها متوجّهين إلى مدن أخرى للعيش فيها. وهي الخطوة الأولى نحو ما يسمّى اصطلاحاً "هجرة معاكسة". ولطالما كانت الهجرة إلى العاصمة الإيرانية من مدن ومناطق ريفية عدّة، من المخططات الأساسية لإيرانيين كثيرين؛ إذ إنّ إمكاناتها وخدماتها مصنفة في مستوى أعلى من بقية المناطق. لكنّ ذلك يمثّل مشكلة كبيرة، إذ ارتفع عدد سكانها كثيراً، فازدادت مشكلاتها البيئية والاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن مشكلات جغرافية، وكلّ هذا ينعكس سلباً على السكان بطبيعة الحال.
وذكرت وكالة "إيسنا" إحصاءات أخيرة تؤكّد أنّ أكثر من 350 ألف شخص تركوا العاصمة وتوجّهوا نحو محافظات ثانية، خلال السنوات الخمس الماضية. صحيح أنّه رقم متواضع بالمقارنة مع عدد سكان العاصمة الذي يتجاوز 13 مليوناً، إلا أنّ ذلك يعني بدء الهجرة المعاكسة باستهداف العاصمة، وللأمر أسباب وعوامل كثيرة.
ويبدو واضحاً لدى عدد من سكان طهران أنّ ما يحدث "منطقي". وتقول السيدة مرادي لـ "العربي الجديد"، إنّ "نسبة التلوّث العالية تجعلني أخرج وزوجي في كل عطلة نهاية الأسبوع إلى منزلنا في شمال البلاد، ونقطع مسافة أربع ساعات بالسيارة للوصول إلى هناك. ونحن نفكّر جدياً في الانتقال كلياً حين نبلغ سنّ التقاعد قريباً".
توافقها الرأي السيدة محتشمي التي تقول لـ "العربي الجديد" إنّها تعيش "كابوساً مذ ضربت طهران هزّة أرضية متوسطة أقلقت كلّ السكان من زلزال أكبر. فالمدينة تقع على انكسارات زلزالية، بالتالي تأتي التحذيرات بمثابة تهديد واقعي اليوم". لكنّها، وعلى الرغم من ذلك، ترى أنّه "من الصعب ترك المدينة وأولادي يدرسون في جامعاتها".
عاملا التلوّث والزلازل من أبرز دوافع الخروج من العاصمة، أو أقلّه التشجيع على ذلك، فالمدينة الحلم بالنسبة إلى عدد كبير من الإيرانيين القاطنين في مناطق أخرى أصبحت مدينة رعب وقلق، بعدما ضربتها أكثر من هزّة أرضية، وبعدما تصاعدت وتيرة التحذيرات من الزلازل، وحتى من الأبنية المهدَّدة بالسقوط.
إلى ذلك، فإنّ الازدحام الخانق يجعل سكان طهران يقضون ساعات طويلة عالقين في الطرقات، والتلوّث الناتج بصورة رئيسية عن ملايين المركبات يؤدّي إلى أمراض في القلب وفي الجهاز التنفسي وإلى سرطانات، وهو ما قد يجعل بعضاً من هؤلاء السكان يبحثون عن مكان أفضل للعيش.
ويؤكد النائب في البرلمان الإيراني، محمد رضا بادامجي، وفقاً لموقع مجلس الشورى الإسلامي، أنّ المسبب الرئيس لبدايات ظاهرة الهجرة المعاكسة هو التلوّث، واصفاً الأمر بالظاهرة المستجدة والإيجابية؛ إذ إنّ تبعاتها سوف تكون إيجابية على طهران في النتيجة. ودعا الحكومة إلى تشجيع الأمر الذي قد يساهم في تنمية المدن الأصغر حجماً وحتى الأرياف، في حال قرّر السكان الهجرة إليها. في الوقت نفسه، لا يرى بادامجي أنّ عامل الغلاء في العاصمة قد يكون سبباً رئيساً لهذه الظاهرة، إذ إنّه غير دائم.
لكنّ إيرانيين يسكنون في طهران يرون في موضوع الغلاء بالذات "عاملاً حقيقياً للهجرة المعاكسة". وقد أشارت وكالة "إيسنا"، في تقرير لها، إلى أنّ 33 في المائة من المصاريف الشهرية لكلّ عائلة إيرانية تذهب إلى المسكن، وتصل في طهران إلى 48 في المائة. فسكانها بغالبيتهم يقطنون في بيوت مستأجرة، وقد راحت عائلات كثيرة تشتري منازلها خارج طهران. وأكّدت إيسنا أنّ مبيعات العقارات في جزيرة كيش جنوبيّ البلاد، على سبيل المثال، ارتفعت بنسبة 300 في المائة.
اقــرأ أيضاً
في السياق، يقول أستاذ العلوم الاجتماعية جعفر باي، لـ "العربي الجديد"، إنّ "الأمر لم يتحوّل إلى ظاهرة هجرة معاكسة بعد، فثمّة أرقام أخرى ما زالت تؤكد أنّ عدد الذين يقصدون المدينة أكبر من عدد الذين يغادرونها". يضيف أنّه "جرى إقرار خطط عدّة، في سنوات سابقة، علّها تقلّص عدد سكان طهران، ومنها خطة نقل العاصمة إلى مدينة ثانية. لكنّ كل هذا لم يتحوّل إلى واقع عملي، وما يحدث اليوم صحيح، غير أنّه ليس بالحجم المطلوب". ويرى باي أنّه "يتوجّب على الحكومة إقرار خطط لتوزيع الخدمات والابتعاد عن تفضيل تمركزها في المدن الكبرى؛ إذ إنّ ذلك هو السبب الرئيس في مشكلات طهران". ويتابع: "يجب التحريض لتحويل الهجرة المعاكسة إلى ظاهرة".
وسط هذا الترحيب من قبل الخبراء الذين يرون في الأمر حلولاً عملية لمشكلات العاصمة وتقليصاً نسبيا لحجم التهديدات التي قد تنعكس على سكانها، يرى بعض الإيرانيين أنّ الأمر، وإن كان ضرورياً، غير أنّه مقلق. فبعض الذين يرغبون في الانتقال يستبعدون الفكرة من أذهانهم تخوّفاً من عدم الحصول على الإمكانات ذاتها. وبالنسبة إلى عدد كبير من الشباب، فإنّ الأمر محسوم لجهة عدم الخروج، فالخدمات والجامعات والمراكز الترفيهية في طهران ليست كما هي في غيرها.
ويؤكد الخبير في الشؤون الاجتماعية، أمان قرايي، لـ "العربي الجديد"، أنّ "العوامل والمسببات لم تحوّل الهجرة المعاكسة إلى ظاهرة بعد، غير أنّها بدأت تتحوّل إلى خطر ملموس بالنسبة إلى بعض السكان في الحقيقة". يضيف أنّه "في حال تزايدها، فإنّ الهجرة المعاكسة سوف تكون محصورة بمتوسطي وكبار السنّ. ويوضح قرايي أنّ "الهجرة نحو مناطق ثانية بعيداً عن طهران والمدن الكبرى التي تقترب من خدماتها، من قبيل أصفهان وشيراز وحتى كرج المحاذية للعاصمة، سوف تؤدي إلى حلّ مشكلة ارتفاع معدلات سكان الضواحي أو حواشي المدن الذين ليسوا قادرين على تكبّد مصاريف السكن في المدينة. وهؤلاء إمّا حضروا إليها من مناطق أبعد بحثاً عن فرص عمل، أو هم من سكانها الأصليين الفارين من غلاء العقارات". يضيف أنّه "في كل كيلومتر مربع واحد في بعض مناطق طهران، ثمّة أكثر من مليون ونصف نسمة. وهذا كارثي ويزيد من تبعات العوامل الخطرة".
والهجرة المعاكسة قد تساعد في حلّ سلبيات الهجرة إلى المدن، ولو أنّ معدلاتها ما زالت غير مرتفعة. وبحسب دراسات سابقة نشرتها بعض المواقع الإيرانية، فإنّ عدد الذين يعيشون على أطراف طهران تجاوز ثلاثة ملايين شخص، وهذا يعود إلى سوء التخطيط والتنظيم، لكنّ سبّبه الرئيس يكمن في بحث السكان عن فرص عمل أفضل. وتفيد دراسات أخرى بأنّ أكثر من 73 في المائة من الإيرانيين هم من سكان المدن، الأمر الذي يعني تهديداً للأرياف. فبين العامَين 2006 و2011، تراجع عدد سكان القرى والأرياف ثلاث مرّات، وربّما تكون للهجرة المعاكسة تبعات إيجابية على هذا الملف بالذات.
اقــرأ أيضاً
في تقارير لافتة صدرت أخيراً، تبيّن أنّ إيرانيين من سكان طهران خرجوا منها متوجّهين إلى مدن أخرى للعيش فيها. وهي الخطوة الأولى نحو ما يسمّى اصطلاحاً "هجرة معاكسة". ولطالما كانت الهجرة إلى العاصمة الإيرانية من مدن ومناطق ريفية عدّة، من المخططات الأساسية لإيرانيين كثيرين؛ إذ إنّ إمكاناتها وخدماتها مصنفة في مستوى أعلى من بقية المناطق. لكنّ ذلك يمثّل مشكلة كبيرة، إذ ارتفع عدد سكانها كثيراً، فازدادت مشكلاتها البيئية والاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن مشكلات جغرافية، وكلّ هذا ينعكس سلباً على السكان بطبيعة الحال.
وذكرت وكالة "إيسنا" إحصاءات أخيرة تؤكّد أنّ أكثر من 350 ألف شخص تركوا العاصمة وتوجّهوا نحو محافظات ثانية، خلال السنوات الخمس الماضية. صحيح أنّه رقم متواضع بالمقارنة مع عدد سكان العاصمة الذي يتجاوز 13 مليوناً، إلا أنّ ذلك يعني بدء الهجرة المعاكسة باستهداف العاصمة، وللأمر أسباب وعوامل كثيرة.
ويبدو واضحاً لدى عدد من سكان طهران أنّ ما يحدث "منطقي". وتقول السيدة مرادي لـ "العربي الجديد"، إنّ "نسبة التلوّث العالية تجعلني أخرج وزوجي في كل عطلة نهاية الأسبوع إلى منزلنا في شمال البلاد، ونقطع مسافة أربع ساعات بالسيارة للوصول إلى هناك. ونحن نفكّر جدياً في الانتقال كلياً حين نبلغ سنّ التقاعد قريباً".
توافقها الرأي السيدة محتشمي التي تقول لـ "العربي الجديد" إنّها تعيش "كابوساً مذ ضربت طهران هزّة أرضية متوسطة أقلقت كلّ السكان من زلزال أكبر. فالمدينة تقع على انكسارات زلزالية، بالتالي تأتي التحذيرات بمثابة تهديد واقعي اليوم". لكنّها، وعلى الرغم من ذلك، ترى أنّه "من الصعب ترك المدينة وأولادي يدرسون في جامعاتها".
عاملا التلوّث والزلازل من أبرز دوافع الخروج من العاصمة، أو أقلّه التشجيع على ذلك، فالمدينة الحلم بالنسبة إلى عدد كبير من الإيرانيين القاطنين في مناطق أخرى أصبحت مدينة رعب وقلق، بعدما ضربتها أكثر من هزّة أرضية، وبعدما تصاعدت وتيرة التحذيرات من الزلازل، وحتى من الأبنية المهدَّدة بالسقوط.
إلى ذلك، فإنّ الازدحام الخانق يجعل سكان طهران يقضون ساعات طويلة عالقين في الطرقات، والتلوّث الناتج بصورة رئيسية عن ملايين المركبات يؤدّي إلى أمراض في القلب وفي الجهاز التنفسي وإلى سرطانات، وهو ما قد يجعل بعضاً من هؤلاء السكان يبحثون عن مكان أفضل للعيش.
ويؤكد النائب في البرلمان الإيراني، محمد رضا بادامجي، وفقاً لموقع مجلس الشورى الإسلامي، أنّ المسبب الرئيس لبدايات ظاهرة الهجرة المعاكسة هو التلوّث، واصفاً الأمر بالظاهرة المستجدة والإيجابية؛ إذ إنّ تبعاتها سوف تكون إيجابية على طهران في النتيجة. ودعا الحكومة إلى تشجيع الأمر الذي قد يساهم في تنمية المدن الأصغر حجماً وحتى الأرياف، في حال قرّر السكان الهجرة إليها. في الوقت نفسه، لا يرى بادامجي أنّ عامل الغلاء في العاصمة قد يكون سبباً رئيساً لهذه الظاهرة، إذ إنّه غير دائم.
لكنّ إيرانيين يسكنون في طهران يرون في موضوع الغلاء بالذات "عاملاً حقيقياً للهجرة المعاكسة". وقد أشارت وكالة "إيسنا"، في تقرير لها، إلى أنّ 33 في المائة من المصاريف الشهرية لكلّ عائلة إيرانية تذهب إلى المسكن، وتصل في طهران إلى 48 في المائة. فسكانها بغالبيتهم يقطنون في بيوت مستأجرة، وقد راحت عائلات كثيرة تشتري منازلها خارج طهران. وأكّدت إيسنا أنّ مبيعات العقارات في جزيرة كيش جنوبيّ البلاد، على سبيل المثال، ارتفعت بنسبة 300 في المائة.
وسط هذا الترحيب من قبل الخبراء الذين يرون في الأمر حلولاً عملية لمشكلات العاصمة وتقليصاً نسبيا لحجم التهديدات التي قد تنعكس على سكانها، يرى بعض الإيرانيين أنّ الأمر، وإن كان ضرورياً، غير أنّه مقلق. فبعض الذين يرغبون في الانتقال يستبعدون الفكرة من أذهانهم تخوّفاً من عدم الحصول على الإمكانات ذاتها. وبالنسبة إلى عدد كبير من الشباب، فإنّ الأمر محسوم لجهة عدم الخروج، فالخدمات والجامعات والمراكز الترفيهية في طهران ليست كما هي في غيرها.
ويؤكد الخبير في الشؤون الاجتماعية، أمان قرايي، لـ "العربي الجديد"، أنّ "العوامل والمسببات لم تحوّل الهجرة المعاكسة إلى ظاهرة بعد، غير أنّها بدأت تتحوّل إلى خطر ملموس بالنسبة إلى بعض السكان في الحقيقة". يضيف أنّه "في حال تزايدها، فإنّ الهجرة المعاكسة سوف تكون محصورة بمتوسطي وكبار السنّ. ويوضح قرايي أنّ "الهجرة نحو مناطق ثانية بعيداً عن طهران والمدن الكبرى التي تقترب من خدماتها، من قبيل أصفهان وشيراز وحتى كرج المحاذية للعاصمة، سوف تؤدي إلى حلّ مشكلة ارتفاع معدلات سكان الضواحي أو حواشي المدن الذين ليسوا قادرين على تكبّد مصاريف السكن في المدينة. وهؤلاء إمّا حضروا إليها من مناطق أبعد بحثاً عن فرص عمل، أو هم من سكانها الأصليين الفارين من غلاء العقارات". يضيف أنّه "في كل كيلومتر مربع واحد في بعض مناطق طهران، ثمّة أكثر من مليون ونصف نسمة. وهذا كارثي ويزيد من تبعات العوامل الخطرة".
والهجرة المعاكسة قد تساعد في حلّ سلبيات الهجرة إلى المدن، ولو أنّ معدلاتها ما زالت غير مرتفعة. وبحسب دراسات سابقة نشرتها بعض المواقع الإيرانية، فإنّ عدد الذين يعيشون على أطراف طهران تجاوز ثلاثة ملايين شخص، وهذا يعود إلى سوء التخطيط والتنظيم، لكنّ سبّبه الرئيس يكمن في بحث السكان عن فرص عمل أفضل. وتفيد دراسات أخرى بأنّ أكثر من 73 في المائة من الإيرانيين هم من سكان المدن، الأمر الذي يعني تهديداً للأرياف. فبين العامَين 2006 و2011، تراجع عدد سكان القرى والأرياف ثلاث مرّات، وربّما تكون للهجرة المعاكسة تبعات إيجابية على هذا الملف بالذات.