عبر مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة، عن غضبه الشديد من استمرار تدهور الوضع في البلاد، وقال إن "الوقت قد حان لأن ينظر المجتمع الدولي إلى الليبيين الذين يعانون جراء استمرار النزاع" وذلك بعد خروجه من جلسة مغلقة عقدها مجلس الأمن الدولي لنقاش الوضع في ليبيا.
وقال سلامة "أشعر بغضب شديد لأن الجميع يريد الحديث عن ليبيا فيما القليلون يريدون الحديث عن الليبيين. قلائل هم من يتحدثون عن الليبيين ومعاناتهم. ليبيا ليست فقط النفط والغاز بل كذلك قصة إنسانية والليبيون يعانون لأنه لا توجد رسالة دولية واضحة وموحدة. إذا لم نعالج ما يحدث فإن ذلك سيؤثر على دولة مجاورة واستقرارها".
وأضاف سلامة "لقد اجتمع مجلس الأمن الدولي 14 مرة منذ الرابع من إبريل/نيسان الماضي (تاريخ بدء العمليات العسكرية بقيادة الجنرال خليفة حفتر) ولم يتمكن من إصدار قرار واحد ضد وقف العمليات العدائية". وقال "يتساءل الليبيون، وبحق، أين هو المجتمع الدولي الذي قال عام 2011 إنه يريد حماية المدنيين؟ يهاجَم المدنيون والمدارس والمستشفيات. ماذا أقول لهم؟ إن المجتمع الدولي لا يهتم بما يمرون به وغير قادر على إصدار قرار واحد يطالب بوقف إطلاق النار؟ هذا هو صلب الموضوع".
وأوضح سلامة أن "المجتمع الدولي منقسم حول ليبيا وقضايا أخرى ولكن أؤمن بأنه يمكننا، كمجتمع دولي رأب الصدع والتوصل إلى حل. إن ليبيا بلد غني ويمكن أن يعود (السلام) فيه على العديد من الدول بالفائدة إذا تمكن البلد من الازدهار وعاش الاستقرار".
وناشد سلامة الدول المصدرة للسلاح وتلك التي تخرق قرار مجلس الأمن حول تصدير الأسلحة بالتوقف عن إمداد ليبيا بالأسلحة وبالتوقف عن تقديم التدريبات للمرتزقة. ونوه إلى أن "التدخل الدولي الخارجي بالشؤون الليبية يحدث بعدة طرق من بينها بيع الأسلحة لأطراف النزاع، والمرتزقة وعمليات عسكرية مباشرة في ليبيا والبحث عن قواعد عسكرية دائمة في ليبيا وغيرها".
وقال إن "التدخل العسكري المباشر يجعل الوضع في ليبيا صعبا للغاية. هناك ما يكفي من الأسلحة والمرتزقة في ليبيا. يجب وقف التدخل الأجنبي وبشكل فوري. هناك قرار لمجلس الأمن الدولي يمنع تصدير السلاح لليبيا (جميع الأطراف). تبنى مجلس الأمن القرار وعلى الدول الالتزام به وتطبيقه".
ووصف سلامة الوضع في ليبيا بالصعب. وأعطى عددا من الأمثلة على تلك الصعوبات والتحديات من بينها الهجمات التي نفذتها دولة حليفة لقوات الجنرال الليبي خليفة حفتر، السبت، على الكلية العسكرية وراح ضحيتها العشرات كانوا غير مسلحين، بحسب سلامة.
وأكد سلامة أن العملية نفذت من قبل طائرات مسيرة تابعة لإحدى الدول الداعمة لحفتر. وأكد في الوقت ذاته أنه لا يمكن للأمم المتحدة الجزم حول أي من تلك الدول الداعمة لقوات حفتر قامت بتنفيذها. وقال سلامة إن الليبيين هم الذين يدفعون الثمن لكل هذا التصعيد. وتحدث عن نزوح الآلاف من الليبيين، وإغلاق المدارس واستهداف المستشفيات من قبل طائرات مسيرة وغيرها.
وأكد في الوقت ذاته على أن الأمم المتحدة عازمة على الاستمرار في المحادثات ومحاولة سلك طرق جديدة للخروج من الأزمة الليبية. وفي هذا السياق نوه إلى ثلاثة محاور تعمل الأمم المتحدة عليها لتجمع أطراف النزاع على طاولة المفاوضات. والمحاور الثلاثة هي أولاً: الاقتصادي والمالي، وثانياً: العسكري والأمني، وثالثاً: الحوار السياسي. وأكد أن المحادثات فيما يخص المحور الأول، الاقتصادي والمالي، بدأت بالفعل في تونس يوم الإثنين وتجمع جميع أطراف النزاع.
وعبّر سلامة عن أمله أن يتمكن من عقد اجتماع بين الأطراف، خلال أسبوعين، بما يتعلق بالوضع العسكري والأمني. ويتضمن الملف العسكري وقف إطلاق النار، وحظر تصدير السلاح، الإرهاب وعدداً آخر من الملفات ذات الصلة. وعبر عن أمله أن تتمكن الأمم المتحدة من إطلاق محادثات سياسية قبل نهاية الشهر. وتوقع أن تكون تلك المحادثات في جنيف السويسرية.
كما أعرب سلامة عن أمله أن يعقد اجتماع برلين في القريب العاجل وأن يعطي الاجتماع دفعة للمحادثات السياسية التي ترغب الأمم المتحدة بإطلاقها في جنيف. وقال سلامة "في تموز/ يوليو الأخير طلبت من مجلس الأمن الدولي أن يعقد مؤتمراً دولياً يقدم الدعم ويظهر أن المجتمع الدولي متحد وراء محادثات سياسية بين الأطراف. هذا ما نريده من (مؤتمر) برلين. ولن يتخذ فيه القرار حول مستقبل ليبيا. ولذلك نتحدث الآن عن المحاور الثلاثة التي ذكرتها سابقا لدفع المجهودات التي بدأناها. مؤتمر برلين سيعطي دفعة لهذه الجهود".
وحول حسم المعركة على الأرض عسكريا لصالح هذا أو ذاك الطرف، قال سلامة "هناك من يعتقد أنه يمكنه حسم الوضع في ليبيا عن طريق حل عسكري. وأقول هنا وبوضوح لا يوجد حل عسكري في ليبيا. وقد تكون هذه كليشيهات أو تصريحاً نسمعه من الأمم المتحدة حول أكثر من منطقة نزاع، إلا أنه صحيح وبشكل كامل فيما يخص ليبيا. إذا نظرنا إلى تركيبة القوات العسكرية المختلفة على الأرض سنكتشف أن هناك الكثير من المرتزقة وأن البلاد واسعة جدا، ثلاث مرات أكبر من فرنسا، وأن السيطرة على تلك البلاد غير ممكنة من قبل أي من الطرفين. وهذه قراءة واقعية للوضع على الأرض. على جميع الأطراف القدوم لطاولة المفاوضات وتقديم التنازلات والقبول بتقاسم السلطة وهو جزء رئيسي من التوصل لحل سياسي".
وحول استدعاء الحكومة الليبية لقوات تركية، قال سلامة "أدرك أن الكثير من الدول تدعم حفتر ولا أريد أن أضع قضية الاتفاق بين حكومة الوفاق وبين تركيا كأمر منفرد تماماً. أعتقد أن التدخل موجود. وعندما توليت منصبي في صيف 2018 كان هناك العديد من المرتزقة وآلاف الأسلحة. ولا حاجة لعدد أكبر من أي منهما ولذلك نطالب جميع الدول بوقف التدخل في ليبيا ولا أفرق بين ما يحدث في الشرق أو الغرب. على الدول التي تتدخل في ليبيا أن توقف تدخلها أو دعمها لهذا الطرف أو ذاك".