وعلى الرغم من مرور سنوات، لا يزال الغموض يلفّ الطريقة التي يدير بها الحوثيون المؤسسات الواقعة في مناطق سيطرتهم، إذ تبرز في هذا السياق ما يعرف بـ"سلطة المشرفين" التابعين للجماعة التي باتت تشكّل كياناً موازياً لسلطة تلك المؤسسات، سواء في القطاعين المدني والعسكري، أو في السلك القضائي، وكذا جهاز الأوقاف والإرشاد الذي يتحكّم بالمساجد.
وبرزت ظاهرة المشرفين للعلن منذ الأيام الأولى التي أمسك فيها الحوثيون زمام السلطة في صنعاء في خريف العام 2014. والمشرفون هم أشخاص من "أنصار الله" يتم تعيينهم من قبل زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، ورئيس ما يعرف باللجنة الثورية العليا محمد علي الحوثي، ليكونوا إلى جانب الوزراء والمحافظين ومدراء المؤسسات والمديريات والمدارس والجامعات وأقسام الشرطة والألوية العسكرية، في وقت باتوا يعرفون بأنهم الإداريون الفعليون في تلك المواقع. وقد بدأت سيطرتهم على المؤسسات من خلال الإمساك بأختامها الرسمية، والتحكّم بموازناتها وإيراداتها، وتعيين أو عزل القائمين عليها ورفع التقارير للجماعة عن سير العمل فيها.
ومعروف أنّ ظاهرة المشرفين كانت إحدى أبرز نقاط الخلاف الرئيسية بين الجماعة وحزب "المؤتمر الشعبي العام" الذي كان برئاسة علي عبدالله صالح، باعتبار أنّ سلطة المشرفين نزعت في واقع الحال، صلاحيات المسؤولين والموظفين المنتمين لـ"المؤتمر". وشهدت بعض الوزارات ملاسنات ومهاترات وحتى اشتباكات بالأيدي، بين المشرفين ومسؤولي تلك الوزارات، وأبرزها العراك بين مشرف حوثي ووزير التعليم العالي المنتمي للمؤتمر، حسين حازب.
وكان الحزب قد عوّل على أنه بمجرد الشراكة مع الحوثيين في حكومة ما سمي "الإنقاذ الوطني" برئاسة عبد العزيز بن حبتور، تنتهي سلطة المشرفين واللجان الثورية، لكن الحوثيين أبقوا على عمل اللجان والمشرفين، والنزاع بالطبع انتهى بعد تصفية مسلحي الجماعة لعلي عبد الله صالح، في الرابع من ديسمبر/ كانون الأول 2017. ومن يومها باتت سلطة المشرفين مطْلقة إلى حدّ بعيد.
صفات جامعة
وبتحليل للمعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد"، يمكن استخلاص جملة من الصفات الجامعة لفئة المشرفين الحوثيين، من بينها أنّ النسبة العظمى منهم هي من أبناء محافظة صعدة، معقل الحوثيين الأول، والتي ينتمي إليها مؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي وشقيقه عبد الملك، زعيم الجماعة الحالي. كما يبدو واضحاً أنّ معظم المشرفين هم من الصفّ العقائدي والمحاربين الأوائل الذين خاضوا مع الجماعة الحروب الستّ ضد الحكومة (2004 - 2010)، وممن تتلمذوا على ملازم (محاضرات) حسين الحوثي المؤسس، وخضعوا لدورات مكثفة في صعدة، على أن بعض المصادر تتحدّث عن خضوع البعض منهم لدورات مدربين من خارج حدود البلاد.
إلى ذلك، يرى بعض المتابعين أنّ نسبة من أبرز المشرفين تربطهم علاقات قرابة ومصاهرة بدرجة أو بأخرى مع زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، ومنهم على سبيل المثال شقيقه عبد الخالق بدر الدين، مشرف أمانة العاصمة (عُين قائداً لقوات ما كان يعرف بـ"الحرس الجمهوري" المسؤولة عن صنعاء)، وخاله فاضل الشرفي، مشرف محافظة المحويت، وابن أخته نايف أبو خرفشة، مشرف محافظة الحديدة.
كما يلاحظ أنّ المشرفين القائمين على المواقع الحساسة والمؤسسات السيادية الهامة هم من فئة الهاشميين التي تقول أدبيات الجماعة إنّ الحكم محصور فيها، أمثال عبد الحكيم الخيواني (الكرار)، مشرف وزارة الداخلية، ويحيى الشامي ويوسف المداني، المشرفان في وزارة الدفاع.
ومن أبرز السمات أيضاً، وجود نسبة كبيرة من المشرفين لا يعرفون بأسمائهم الأصلية بل بالكُنى، مثل "أبو حيدر (الجوف)، أبو مرتضى (تهامة)، أبو حرب (باقم)، أبو نصر (تعز)، أبو عادل (ذمار)، أبو مالك (أمن حجة)... إلخ". وينطبق الأمر نفسه على الغالبية العظمى من المشرفين في المؤسسات والدوائر الحكومية المختلفة.
وتعتمد الجماعة معيار الولاء الشديد لها في اختيار المشرف أكثر من معيار التخصص والكفاءة. وحسب مهتمين، فإنّ بعض المشرفين القائمين على مؤسسات حسّاسة لا يحملون مؤهلاً جامعياً، وبعضهم بالكاد أكمل الإعدادية، الأمر الذي ساهم في تصاعد الشكاوى حول تدخلاتهم في عمل تلك المؤسسات من دون إلمام ولا معرفة، وإزاحتهم للعديد من الكوادر والقيادات المتخصصة في تلك المؤسسات، طالما لم تكن تلك الكوادر والقيادات محل رضا الجماعة.
وفي السياق، برزت ظاهرة الإثراء المفاجئ للعديد من المشرفين، وخصوصاً القائمين على المرافق الإيرادية والإدارات المالية والقضائية والأمنية، وفاحت روائح فساد العديد منهم، وتجسدت على هيئة عقارات جديدة وسيارات فارهة وزيجات مثنى وثلاث ورُباع. على أن نسبة منهم أظهرت في بادئ الأمر نوعاً من الورع والنزاهة والتقشف، ولا يزال القليل منهم يتمسك حتى الآن بهذه الصفات.
وتتدرّج مستويات المشرفين من أعلى السلم الإداري في قمة الوزارة أو ديوان عام المحافظة أو قيادة اللواء العسكري، وتنبثق عنها مستويات أدنى من المشرفين، حسب أهمية المواقع، علماً أنّ المرفق الحكومي الذي يديره عضو عقائدي شديد الولاء للجماعة، لا حاجة فيه لوجود مشرف.
وإلى جانب المشرفين في قطاعات الدولة المختلفة، ثمة مشرفون على مؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني، بل وحتى فروع بعض المنظمات الدولية العاملة في اليمن، إذ يراقب هؤلاء أداء تلك القطاعات ويتحكمون في العديد من أنشطتها ويتدخلون في كل صغيرة وكبيرة. وقد ساعدهم في إحكام قبضتهم أنهم يديرون البلاد بما يمكن وصفه بحالة طوارئ غير معلنة، باعتبار أنّ الوطن، وفق خطابهم، يتعرّض لعدوان أميركي إسرائيلي بأدوات محلية وعربية.
ومثلما ثمّة مشرفون إداريون، ثمّة آخرون مهمتهم ضبط الخطاب الإعلامي والديني والتعليمي. ولعل جزءاً من الشكاوى ضدّ هؤلاء تأتي من داخل القطاع التعليمي، حيث يتم فرض تعبئة طائفية في الآلاف من المدارس الممتدة في نطاق سيطرتهم، والتي صار بعضها بمثابة "مفارخ" لتحشيد المجندين ورفد الجبهات. كذلك، فإنّ انعدام صرف رواتب الموظفين في مؤسسات الدولة يجعل من سلطة المشرفين عبئاً إضافياً يضاف إلى الأعباء المعيشية.
الجدير بالذكر في السياق، أنّ عدداً غير قليل من المشرفين جرت تسوية أوضاعهم بقرارات تعيين في المواقع الإدارية، على غرار تعيين المشرف "نائباً للوزير"، وغيرها من التعيينات في مختلف المواقع الإدارية بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.