ويوماً بعد آخر، يهدد الجوع إضافة إلى المرض حياة سلمى، التي تحتاج لثلاثة أكواب من الحليب يوميًا، في حين أن المنطقة تئن تحت الحصار، وأسرتها التي تعيش في دوما تعاني الفقر الشديد.
ولدى الطفلة المصابة بشلل دماغي يمنعها من المشي والتحدث، وحتى من دخول الحمام بمفردها، شقيقتها الكبيرة زينة (14 عامًا) التي تحتاج هي أيضًا لعناية بسبب تشوهات في عمودها الفقري، وباتت في حالة صحية حرجة؛ مع سوء التغذية، وانعدام أدنى مقومات العيش في المنطقة المحاصرة.
وذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف"، الأربعاء الماضي، أن معدلات سوء التغذية بين الأطفال في الغوطة الشرقية بلغت مستويات خطيرة، هي الأعلى منذ اندلاع الحرب في سورية قبل سنوات. وإن أوضاع معيشة نحو 400 ألف مدني فيها متردية للغاية، وتزايدت بعد تشديد الحصار من النظام والقوات الموالية له، خلال الآونة الأخيرة، المفروض على المنطقة منذ نحو خمسة أعوام.
اليوم بلا طعام
تعيش أسرة سلمى وزينة أوضاعاً مأساوية؛ جراء مرض الطفلتين، والفقر الشديد في منطقة محاصرة منذ سنوات.
والد الطفلتين أبو سليمان، قال لـ"الأناضول": "ابنتي الصغيرة سلمى مصابة بشلل دماغي، منذ الولادة، ووضعها يزداد سوءاً بمرور الزمن، بسبب الجوع وانعدام العلاج الطبي، الذي هي بحاجة ماسة إليه".
وعن دخله، قال الأب السوري: "أعمل في جمع النفايات البلاستيكية بالمنطقة، التي تتعرض لهجمات وقصف عنيف، وأبيعها لمنتجي المازوت لتأمين لقمة العيش لأسرتي".
ووصف الوضع في الغوطة الشرقة بأنه "سيئ للغاية أكثر مما تتخيّلون، ومهما شرحت لكم سيظل قليلًا، تقريباً لا يوجد خبز ولا ماء، وسعر (حزمة) الخبز 1800 ليرة (نحو 4 دولارات)، وبالطبع لا نستطيع شراءها".
وأضاف: "أقسم بالله، لم نستطع إطعام الأطفال شيئاً اليوم، وأنا عاجز عن إيجاد الدواء لبناتي؛ فالنظام يمنع إدخال الأدوية من حواجز التفتيش، وليس لنا سوى الله سبحانه وتعالى".
وبحزن قال الأب السوري: بعت كل ما أملك لتتحسن سلمى وزينة. سلمي تحتاج إلى ثلاثة أكواب من الحليب يوميًا، لكن سعر الكوب الواحد ألف ليرة (نحو دولارين)". وشدّد على أن "أطفال الغوطة الشرقية تُركوا وحدهم، حتى المنظمات الدولية لا تهتم بهم، رغم هذه الظروف الصعبة والفقر والغلاء الشديد بسبب الحصار".
أرقام جوع قياسية
وفق أبو جميل، وهو طبيب أطفال في الغوطة الشرقية، فإن "الأطفال المصابين بأمراض عديدة في المنطقة يحتاجون إلى علاج فيزيائي لأعوام طويلة".
وشدد الطبيب، في حديث لـ"الأناضول"، على "أهمية الأدوية والتغذية الجيدة خلال فترة العلاج... الحليب والفواكه الطازجة والسوائل هي على رأس الاحتياجات الضرورية، إلا أن الأمر يزداد سوءاً بالنسبة للمشلولين".
ونددت "يونيسيف" بعدم وصول المساعدات الإنسانية إلى الغوطة الشرقية، التي يواصل نظام بشار الأسد قصفه الكثيف عليها، مشددة على أن أسعار المواد الغذائية في المنطقة سجلت أرقامًا قياسية.
وأفادت، وفق دراسة أجرتها في 27 نقطة بالغوطة الشرقية مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بوصول نسبة سوء التغذية الحاد بين الأطفال دون سن الخامسة إلى 11.9 في المائة، وهي الأعلى منذ اندلاع الحرب عام 2011. وأوضحت أن سعر مادة الخبز (الطحين) في الغوطة الشرقية أغلى 85 ضعفًا عنه في مركز العاصمة دمشق، التي تبعد 15 كيلومترًا فقط.
(الأناضول)