سوء النية والكلام المفخَّخ

12 يناير 2016

إليزابيت بادنتر .. بنضالها النسوي الطويل (1 يونيو/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -

سوء النية والكلام المفخخ هما ما قد يلجأ بعضهم إلى استخدامه، لكي يخوض في موضوع يستفزّه، ولا يجرؤ علانية على تناوله، تنفيساً لمشاعره المحقونة، أو تعبيراً عن أفكاره المخبّأة في قعر نفسه، خصوصاً حين يكون من أولئك الذين نصّبوا أنفسَهم، أو نُصّبوا، مرجعاً مدافعاً عن القيم الإنسانية العالمية التي لا يختلف على سدادها اثنان.

مثل هؤلاء، وهم باتوا كثراً في يومنا الحالي، يتطايرون كوريقات الأشجار الصفراء في مهب العواصف، مثبتين أنهم، وعلى عكس ما يشيعون، ليسوا ضمير العصر وأبطال الثوابت الفكرية والإنسانية التي يدّعون التمسّك بها، بل هم كالسواد الأعظم من الناس، ذوو طبيعة اعتيادية، بما تحمله من غثّ وسمين، وأحياناً غير اعتيادية، لما يتمتّعون به من ذكاء، وسعة إدراك، ومكاسب ثقافية وأخلاقية، قولبتهم عليها أفكارٌ درجت في عصرهم، وأدّت إلى رفع مفاهيم، كالعلمانية والمساواة بين الأجناس ومبادئ العدل والأخوّة والمساواة، إلى مصاف القيم المطلقة "العابرة للقارات". 

هكذا، في مواجهة ظرفٍ استثنائي، يتراجع العام لمصلحة الخاص، والكائن الثقافي لصالح الغريزي، فيسقط القناع، ليس بمعناه الكاذب المفبرك، وإنما بوصفه شيئاً مكتسباً غير لصيق بالطبيعة الأصلية. يختفي الدماغ الحديث، نيوكورتيكس، لتظهر ردود فعل الدماغ الأول، دماغ الزواحف، المسؤول عن ردود الفعل الغريزية والسلوك البدائي لإنسان الكهوف الذي يؤمن ببقاء الفرد والنوع، وحيث الآخر سببٌ دائم للتهديد والخوف، وخصمٌ لدودٌ ينبغي التخلص منه قبل أن يفعل هو.

من هؤلاء، الكاتبة والفيلسوفة وسيدة الأعمال الفرنسية، إليزابيت بادنتر، التي صرّحت، في لقاء إذاعي أجري معها الأسبوع الماضي، بمناسبة إحياء الذكرى الأولى لمقتلة "شارلي إيبدو": "إنه لفظيع القول إن أحداث نوفمبر الأخيرة أعطت الشعب الفرنسي فرصة العودة إلى أهمية العلمانية. أعتقد أنها قيمة يحسدوننا عليها في عدة بلدان، وبالتحديد في إنجلترا". ثم تتابع: "يتم إغلاق أي نقاش يتناول الإسلام على وجه الخصوص، أو أدياناً أخرى، مع إدانة مطلقة لا يحتملها أحد: " أنت عنصري، أو أنت معاد للإسلام، فاصمت"! هذا ما لا يحتمله الناس: فالخوف لدى أناس ذوي نياتٍ حسنة من أن يعتبروا عنصريين، أو كارهين للإسلام، هو ما يجعلهم يصمتون. وهو أفضل سلاح يمكن إيجاده ضد هؤلاء". أما حول الإسلاموفوبيا (رُهاب الإسلام)، فتقول: "لا يجب أن نخشى من أن توجه إلينا تهمة الإسلاموفوبيا التي كانت لسنين مضت، الرادع المطلق... بمجرد أن يفهم الناس أنها سلاح ضد العلمانية، سيتمكّنون ربما من التخلص من خوفهم لقول الأشياء"..

لطالما عُرفت اليزابيت بادينتر بنضالها النسوي الطويل، هي التي خلصت إلى ضرورة التركيز على الجماعات المهاجرة، وبالتحديد المغاربية منها. فبرأيها لا قمع للنساء في المجتمع الفرنسي، اليهودي والمسيحي على السواء، وهذا معناه شرعنة العنصرية حيال المهاجرين من أصولٍ عربية إسلامية، وغض الطرف عن التمييز الذي تعاني منه النساء في فرنسا. وهي التي حضّت الحكومة الفرنسية، عام 2013، على التصويت لصالح "قانون يمنع ارتداء العلامات الدينية الظاهرة في الحضانة والصفوف الابتدائية"، في حين أن المقصود كان الحجاب الإسلامي الذي رأت فيه "رايةً سياسيةً خاصةً بجماعةٍ معينة"، مدرجة اسم محمد مراح، الإرهابي، في معرض انتقادها موظفة محجبة.

الطريف في الموضوع أن بادنتر، ابنة ووريثة مارسيل بلوشتاين، المهاجر الروسي من أصول يهودية، أحد أثرى أثرياء فرنسا ومؤسس "بوبليسيس" إحدى أكبر شركات الدعاية العالمية، هي نفسها التي وقعت عريضة "المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا"، ضد قرار المجلس الأوروبي الذي اعتبِر ختان الصبيان القصّر بمثابة اعتداء على سلامة الشخص البدنية.

لا تعليق. 

 

 

نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"