03 نوفمبر 2024
سورية التي أسقطت صور الدكتاتور بعد وفاته
بانقضاء عشرين عاماً على وفاة حافظ الأسد، يكون قد مضى نصف قرن على سيطرة عائلة الأسد على الحكم في سورية، و75 عاماً على انتهاء الانتداب، وخروج آخر جندي فرنسي من سورية، بما يعني أن السوريين قد قضوا "ثلاثة أرباع" مدة الاستقلال في ظل حكم الأب والابن. وقد تستدعي عبارة ثلاثة أرباع المدة حديثاً بعيداً عن الحرية وذاكرة مثقلة بقصص السجون والاعتقالات والتعذيب.. كان دور السلطة في هذه المرحلة هو المراقبة والتضييق، وإحصاء الأنفاس، أما الإمدادات فكانت عموماً بما يكفي لهذا المواطن/ السجين للتحمُّل، فالطعام والشراب واللباس والطبابة وحتى التعليم كانت بمقادير مضبوطة ومدروسة، بحيث تبقي المواطن مطيعاً ومنقاداً، وعلى قيد الحياة إن أمكن.
كان لدى الأسد الأب ملعب في الداخل وآخر في الخارج، وكان لديه أيضاً كرات كثيرة، بحيث أبقى الجميع مشغولاً بملاحقة ما يتدحرج أمامه. لعب في الداخل مع الجيش والمجتمع والحزب. وعزل كل فئة على حدة، وحرص ألا تقترب من الأخرى، وقسّم الفئات إلى فئات أصغر، فقرّب ضباطاً كباراً في الجيش وسلمهم ألقاباً فخمة، بعد أن نزع أظافرهم بإعطاء الصلاحيات لضباطٍ أصغر، يتمتعون بصفاتٍ طائفيةٍ أكثر ولاءً. وفي المجتمع، صنع طبقة جديدة ممن قبل التعامل معه من العائلات التقليدية، فقد كان في يده تعيين جيوشٍ من الموظفين في رتبٍ ترضي طموح من يرغب بالاستثمار غير التقليدي، كالمحافظين والسفراء في بلاد معينة، والمدراء العامين لشركات كبرى أصبحت كلها ملكاً للدولة، وهي لا تسعى إلى الربح بقدر ما تسعى إلى إبقاء أكبر عدد من الموظفين صامتاً أو مشغولاً بما بين يديه، وكان الحزب مرتعاً خصيباً لهواة الأيديولوجيا، فهؤلاء تسلحوا بوهم القبض على السلطة، وعقْدِ مؤتمرات استطاعوا، في بداية حكم الأسدية، التحدث فيها بسقف حريةٍ معقول، ثم توقف هذا النوع من المؤتمرات بشكل مطلق، ليصبح الحزب جهازاً بيروقراطياً ضخماً، ومكاناً لاحتواء العاطلين عن العمل، واقتصرت الخطابات على التحدّث عن المنجزات والصفات الاستثنائية للقائد الذي بقي صامداً كل هذا الوقت.
في السياسة الخارجية، رضي الأسد الأب أن يكون عميلاً للاتحاد السوفييتي طوال فترة الحرب الباردة، ورضي أن يعقد مع السوفييت معاهدة صداقة، ومنحَهم موطئ قدم دائما على ضفاف المتوسط، حصد نتيجة ذلك ابنُه الذي تلقى دعماً لامتناهياً من الروس في الحرب الشعواء التي يخوضها مع الشعب منذ عقد.
انحاز حافظ الأسد أيضاً إلى جانب أميركا وإسرائيل، عندما اشترك معهما في التحالف ضد العراق عام 1990، واشترك في مباحثات سلام مباشرة وغير مباشرة مع إسرائيل في مؤتمر مدريد وبعده في واشنطن، كان مخطِطاً للسلام أن يدوم أطول فترة ممكنة، وكان خلال كل تلك الفترة قادراً على التوفيق بين علاقاته الوثيقة مع إيران بشكلها الخميني ومع دول الخليج التي كانت تساند حرب صدام حسين ضد إيران وتمويلها، على الجبهة الشرقية للوطن العربي. ويجد راهناً وريثُه بشار في دولة إيران سنداً قوياً كان حاسماً في معركة تمسّكه بكرسيه حتى هذه اللحظة. كانت رهانات الأسد الأب "صائبةً" بالقدر الكافي، ليسجل اسم عائلة مقترناً بسورية طوال الخمسين عاماً الماضية..
أما بحسابات الأرقام، فسورية خسرت كثيراً من تاريخها وحضارتها وفرص نموها، وكانت معزولة عن جوارها، ومفصولة عن التيار الحضاري، ورازحةً تحت خنق اقتصادي مقصود، بنهب كل ما فيها وتحويله إلى أرصدة جامدة في الخارج. سنوات الأسد الأب هي الركيزة الأساسية التي قادت إلى الحرب التي تعيشها سورية الآن، وكارثة السوريين الكبرى، بسبب سياسة إقصاء المجتمع وإخماد روحه، لتحويله إلى جوقة، جوقة أسدية منضبطة، لا يزال السوريون يحاولون كسرها، ونحن في الذكرى العشرين لوفاة مؤسّسها.
في السياسة الخارجية، رضي الأسد الأب أن يكون عميلاً للاتحاد السوفييتي طوال فترة الحرب الباردة، ورضي أن يعقد مع السوفييت معاهدة صداقة، ومنحَهم موطئ قدم دائما على ضفاف المتوسط، حصد نتيجة ذلك ابنُه الذي تلقى دعماً لامتناهياً من الروس في الحرب الشعواء التي يخوضها مع الشعب منذ عقد.
انحاز حافظ الأسد أيضاً إلى جانب أميركا وإسرائيل، عندما اشترك معهما في التحالف ضد العراق عام 1990، واشترك في مباحثات سلام مباشرة وغير مباشرة مع إسرائيل في مؤتمر مدريد وبعده في واشنطن، كان مخطِطاً للسلام أن يدوم أطول فترة ممكنة، وكان خلال كل تلك الفترة قادراً على التوفيق بين علاقاته الوثيقة مع إيران بشكلها الخميني ومع دول الخليج التي كانت تساند حرب صدام حسين ضد إيران وتمويلها، على الجبهة الشرقية للوطن العربي. ويجد راهناً وريثُه بشار في دولة إيران سنداً قوياً كان حاسماً في معركة تمسّكه بكرسيه حتى هذه اللحظة. كانت رهانات الأسد الأب "صائبةً" بالقدر الكافي، ليسجل اسم عائلة مقترناً بسورية طوال الخمسين عاماً الماضية..
أما بحسابات الأرقام، فسورية خسرت كثيراً من تاريخها وحضارتها وفرص نموها، وكانت معزولة عن جوارها، ومفصولة عن التيار الحضاري، ورازحةً تحت خنق اقتصادي مقصود، بنهب كل ما فيها وتحويله إلى أرصدة جامدة في الخارج. سنوات الأسد الأب هي الركيزة الأساسية التي قادت إلى الحرب التي تعيشها سورية الآن، وكارثة السوريين الكبرى، بسبب سياسة إقصاء المجتمع وإخماد روحه، لتحويله إلى جوقة، جوقة أسدية منضبطة، لا يزال السوريون يحاولون كسرها، ونحن في الذكرى العشرين لوفاة مؤسّسها.