وتدور المعارك الآن في كيلومترين مربعين فقط يتركزان في منطقة الحارة ومنطقة ساحة الجسر في قلب المدينة. وساحة الجسر لها مكانة رمزية للسكان، كون مسجدها شهد أول تظاهرة ضد النظام. وتأتي المواجهات الجديدة بعد تمكّن قوات النظام وعناصر حزب الله من التقدم من الجهة الغربية وبعدها في بقية المحاور.
اقرأ أيضاً: معركة الزبداني تنحصر بكيلومترين والنظام يكثّف هجماته
وفي ظل انعدام الخيارات داخل المدينة، لا تبدو الخيارات خارجها أحسن حالاً. فمقاتلو المعارضة في وادي بردى أوقفوا قطع مياه نبع الفيجة عن دمشق، في حين لم يحقق فتح جبهات إضافية في حرستا وحمص نتائج تذكر. إذ إن أغلب هذه الحملات اقتصرت على القصف. كما أن الحملة الانتقامية لقوات النظام جعلت بقية الجبهات في موقف دفاع.
وفي السياق، أفاد مصدر من المكتب الإعلامي لـ"فيلق الشام"، في حديث لـ"العربي الجديد"، بأنّ "غرفة عمليات الاعتصام بالله استهدفت حاجز النصرات المتمركز قرب قرية جبورين في ريف حمص الشمالي، نصرة للزبداني"، ما أدى إلى مقتل العناصر الذين كانوا يتمركزون فيه.
وأوضح المصدر نفسه أنّ الهجوم تزامن مع اقتحام حاجز التركاوي عند مدخل قرية تسنين وسيطرة مقاتلي المعارضة عليه، إذ "تم تكبيد قوات النظام خسائر فادحة في العتاد والأرواح".على الرغم من الأوضاع الميدانية الصعبة، إلا أن ذلك لا يعني سقوطاً أكيداً للزبداني على الرغم من عدم استبعاد ذلك في أي لحظة. فالمدينة التي قاومت أعنف هجمة عسكرية من قبل النظام وحزب الله لخمسين يوماً، قد تستطيع الصمود أكثر. إذ إن واقع الحال لا يشير إلى أنّ الزبداني استفادت على مدار الخمسين يوماً الماضية من المناصرات التي جاءتها من الخارج بقدر تعويلها على قدرتها على الصمود في الداخل. لكن ما يعقّد المهمة الآن، هو إصرار النظام ومن ورائه حزب الله وإيران على الخروج "منتصرين" في مدينة الزبداني، فالبقاء كل هذه الفترة من دون تحقيق الانتصار أضحى بحد ذاته "محرجاً" للنظام في ظل المعطيات القائمة.
في موازاة ذلك، تحاول قوات النظام استغلال التفجير الذي نفذه تنظيم "الدولة الإسلامية" قبل أسبوع في مركز تجمع القادة العسكريين لحركة "أحرار الشام" الإسلامية في قرية وادي مرتخون قرب بلدة البارة بريف إدلب الجنوبي، والذي أسفر عن مقتل مسؤول التسليح في الحركة أبو عبد الرحمن جوباس ونائبه أبو إسماعيل جوباس والقائد العسكري في الحركة محمد المحمد. وتشن قوات النظام هجوماً مضاداً لتأمين معسكر جورين في القسم الغربي من سهل الغاب، والذي يعتبر طوق النجاة بالنسبة للساحل السوري.
وأرجع أبو اليزيد تفتناز، المسؤول الإعلامي لحركة "أحرار الشام" الإسلامية، أبرز مكونات "جيش الفتح"، سبب تقدّم قوات النظام في السهل إلى "القصف المستمر على معظم أجزائه التي تحررت". ولفت تفتناز، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "النظام كثّف قصفه على مناطق تل المنصورة وصوامع وخربة الناقوس والزيارة وتل واسط وحاجز التنمية، وهو ما أدى إلى تراجع جيش الفتح مقابل سيطرة النظام عليها في ما بعد.
وأكد أبو اليزيد أنّ "جيش الفتح لملم صفوفه وأرسل مؤازرة إلى المنطقة، وتم تدمير أربع أليات وسيارة ذخيرة، لكنه أشار إلى أنه "لا يوجد هجوم مضاد لجيش الفتح حتى الآن، ولكن سيكون هناك هجوم جديد، فالمعارك مستمرة لاستعادة تلك النقاط، وهناك خطة دفاعية في تل أعور وتل حمكة وفريكة". وأضاف: "نحاول الثبات وعدم فتح الطريق أمام النظام، لأنه إذا سيطر على هذه النقاط، فسيتقدم إلى مدينة جسر الشغور، الهدف الأول للنظام في هذا الوقت".
ويضاف إلى أسباب تراجع "جيش الفتح" في سهل الغاب، تقدم "داعش" في ريف حلب، وهو الأمر الذي أجبر بعض فصائل المعارضة على المساندة في المعارك ضده خوفاً من سيطرته على مدينة مارع وإفشاله المنطقة الآمنة التي تسعى تركيا إلى إقامتها بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية. وفي السياق، أكد مصدر لـ"العربي الجديد"، أنّ تركيا أبلغت قيادات جبهة النصرة بضرورة إخلاء المنطقة التي اصطلح على تسميتها "منطقة خالية من تنظيم داعش" بالكامل، مشيراً إلى أنّ مؤسسات المعارضة ستنتقل بشكل شبه كامل إليها، وأنه فور فرض تلك المنطقة سيتم فتح معركة حلب للسيطرة عليها بالكامل من قبل فصائل المعارضة.
ولا يمكن عزل تحرك النظام والقوات التي تقاتل إلى جانبه في الزبداني وسهل الغاب عن مجمل معطيات الوضع العسكري السوري الراهن. وبعد أن كان الهجوم سمة المعارضة لأشهر مضت نجحت من خلاله في السيطرة على مناطق عديدة في جنوب وشمال البلاد كبصرى الشام ومعبر نصيب ومدينة إدلب وأريحا وغيرها، إلا أن الأسابيع الأخيرة بدأت تشهد موجة تصعيد في الهجوم لقوات النظام في الزبداني وسهل والغاب، مقابل موجة دفاع لمقاتلي المعارضة في المنطقتين الأخيرتين وجمود، كما في مدينة حلب.
وترافق ذلك مع الوحشية التي ظهرت بها قوات النظام من خلال المجازر الأخيرة في غوطة دمشق الشرقية ودرعا قبل أيام قليلة من الذكرى الثانية لمحرقة الكيماوي، التي راح ضحيتها نحو 1500 شخص بغازات كيماوية.
اقرا أيضاً: أهالي الزبداني يتصدون لمخططات التهجير الإيرانية