27 مارس 2019
سورية مأزق الجميع وهم مأزقها
يحيى العريضي
كاتب وإعلامي سوري، مستشار الهيئة العليا للمفاوضات، دكتوراة في الإعلام من جامعة جورج تاون
لو سألت مسؤولاً روسياً عمّا تبغيه بلاده من سورية؛ أو كيف يرى الحل، أو السبيل إلى خروج سورية من النفق المظلم الذي تمر فيه، والعودة إلى سكة الحياة؛ لقال إن روسيا تريد لسورية أن تكون دولة مستقلة ذات سيادة؛ وإن الحل سوري - سوري. وإذا استطرد، سيكرّر النقاط الاثنتي عشرة التي تم التوافق دولياً عليها مقدمة للحل. وإذا تم طرح السؤال على مسؤول إيراني، أو أميركي، أو حزبلاتي، أو تركي، أو أوروبي، أو حتى من كوكب مجاور؛ فإنه سيقدم مطالعة مشابهة. ويبقى السؤال الأهم: لماذا لا يتم التوصل إلى حل في سورية، مع وجود هذا التوافق إلى حد التطابق؟ قد يسارع مجيب، ويقول إن النظام هو الذي يعرقل الحل، ويريد حلاً على مقاسه؛ ولذلك يحدث الاستعصاء. وقد يبادر آخر بالقول إن بديل بشار الأسد لم يتوفر بعد؛ ولهذا يستعصي الحل. وسيقول ثالث إن تشابك المصالح وتضاربها هما ما يعرقلان الحل.
صحيحٌ أنه من المستحيل أن تجد منظومة مطابقة لمنظومة الأسد في سورية لتكون البديل المناسب؛ إلا أن تغيير الأنظمة عندما تكون أدوات وظيفية غاية في السهولة. ونظام هشٌّ كهذا، لا حول له ولا قوة، لا يفصّل حلاً، وما بيده البقاء دقيقة، لحظة صدور قرار إنهاء مهمته. وقالت علناً جهات عدة إنه لولاها لانتهى النظام. ومن جانب آخر، ليست هناك مقولة أكثر خداعاً من عبارة "الحل السوري - السوري" التي يجمع المتدخلون في الشأن السوري على استخدامها. وكانت لحظة دخول مليشيات حزب الله إلى سورية عام 2012 أول هتك لهذا
الحل،. تَبِعه الهتك الإيراني، فدخول التحالف، فالتدخل العسكري الروسي، الى آخر السبحة؛ حتى لم يعد هناك أي احتمال أن يكون الحل سورياً- سورياً. ولا بد من الاعتراف هنا بأن النظام أطال بحياته بتيسيره حال كهذا؛ فلا يمكن أن تكون هناك حياة لمنظومة استبدادية إجرامية تقاوم ثورة شعبية؛ ولا يمكن أن تضيع قضية شعب إلا إذا وضعته في مواجهة العالم المتكالب على مصالحه؛ والتي لا يمكن تحقيقها إلا بتمزيق جسد هذا الشعب وأرضه وافتراسهما، وهذا ما كان في سورية فعلياً.
تشابكات القوى المتدخلة بالشأن السوري هي التي تحول دون إيجاد حل، فكل واحدة من تلك القوى تتشابك مع الجميع؛ فإذا كان عدد القوى المتدخلة ستة، فعدد التشابكات ستة وثلاثون، وإن سبعة فاثنان وأربعون، وهكذا. وإذا أخذنا روسيا مثلاً، فلا بد من حلول مع تركيا وأميركا وإيران وإسرائيل والاتحاد الأوروبي؛ وينطبق الأمر نفسه على كلٍ من الأعضاء الآخرين تجاه البقية. لا بد لروسيا ان تأخذ شيئاً من أميركا في مسائل العقوبات وأوكرانيا والقرم؛ ومن تركيا انزياحا من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والتفافات على العقوبات، وموقفا من أميركا؛ ولا بد لإيران كي تحلحل أن تأخذ من تركيا تخفيفا من وطأة العقوبات الأميركية، وترتيبات في حلب، واستثمارات متبادلة. وينطبق الأمر على كل المتدخلين بنسب متفاوتة، بحسب حجوم القوة، وبحسب غرس الأنياب والمخالب في الجسد السوري؛ وفِي أجساد الآخرين.
ولما كان الحال هكذا، ما الحل لسورية أو في سورية؟ وهل يمكن أن يصدّق أحد مقولة الحل السوري السوري؟ هل يمكن الاستناد إلى نيات طيبة، أو ما يقال احياناً بضرورة توفر إرادة دولية لإيجاد حل؟ وهل الدول مؤسسات خيرية مبنية على النيّات الطيبة، والسهر على مصالح الشعوب الأخرى وحقوقها؟ ألا يمر عالمنا في حقبة من الشراسة واللاإنسانية وضياع حقوق الإنسان تتجاوز أي فترة مرَّ بها؟! ألا يذكّر حالٌ كهذا من الاستعصاء والاصطفاف المَرَضي بحقبٍ سبقت حروباً عالمية؟ هل نحن في خضم حرب عالمية ثالثة بنسخة جديدة ملطّفة؟
الحل في سورية، بحكم تدويل القضية السورية، لا يمكن أن يكون إلا دولياً. وعلى هذه القوى المنخرطة في الشأن السوري، أن تتيّقن من أنه لا يمكنها تحقيق كل مصالحها، ولا يمكن أن تسحق بالمطلق حق الشعب السوري في شيء من البقاء الحر الكريم؛ وأنه مهما سعت إلى نصرة نظام على شعبه، تحت يافطة حماية سيادة الدولة، وذريعة الحفاظ على هيبة السلطة، فإنه لا يمكن الإبقاء على سلطةٍ تقتل شعبها، ولا سيادة أو هيبة لدولة يدمر فيها النظام البشر والحجر، كي يبقى. المكان الطبيعي لنظام كهذا هو محاكم الإجرام. وإذا كانت روسيا مصرّة على ابتزاز العالم في سورية، فهذا خشية من أن يطاولها حساب الجرائم التي ارتكبتها في سورية؛ وهو ما يسجله عليها أعضاء الفريق المتدخل في الشأن السوري. ومن هنا الأفضل للجميع الولوج الفوري بحل دولي يخلّص البلاد من طغمتها الاستبدادية الحاكمة صورياً؛ ويساعد السوريين، عبر الأمم المتحدة، في إيجاد بيئة آمنة، كي يقرّروا مَن يحكمهم، ويضعوا أقدامهم على سكة الحياة ثانيةً. هكذا يكون الحل سورياً سورياً، وتكون سورية دولة حرّة مستقلة ذات سيادة.
صحيحٌ أنه من المستحيل أن تجد منظومة مطابقة لمنظومة الأسد في سورية لتكون البديل المناسب؛ إلا أن تغيير الأنظمة عندما تكون أدوات وظيفية غاية في السهولة. ونظام هشٌّ كهذا، لا حول له ولا قوة، لا يفصّل حلاً، وما بيده البقاء دقيقة، لحظة صدور قرار إنهاء مهمته. وقالت علناً جهات عدة إنه لولاها لانتهى النظام. ومن جانب آخر، ليست هناك مقولة أكثر خداعاً من عبارة "الحل السوري - السوري" التي يجمع المتدخلون في الشأن السوري على استخدامها. وكانت لحظة دخول مليشيات حزب الله إلى سورية عام 2012 أول هتك لهذا
تشابكات القوى المتدخلة بالشأن السوري هي التي تحول دون إيجاد حل، فكل واحدة من تلك القوى تتشابك مع الجميع؛ فإذا كان عدد القوى المتدخلة ستة، فعدد التشابكات ستة وثلاثون، وإن سبعة فاثنان وأربعون، وهكذا. وإذا أخذنا روسيا مثلاً، فلا بد من حلول مع تركيا وأميركا وإيران وإسرائيل والاتحاد الأوروبي؛ وينطبق الأمر نفسه على كلٍ من الأعضاء الآخرين تجاه البقية. لا بد لروسيا ان تأخذ شيئاً من أميركا في مسائل العقوبات وأوكرانيا والقرم؛ ومن تركيا انزياحا من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والتفافات على العقوبات، وموقفا من أميركا؛ ولا بد لإيران كي تحلحل أن تأخذ من تركيا تخفيفا من وطأة العقوبات الأميركية، وترتيبات في حلب، واستثمارات متبادلة. وينطبق الأمر على كل المتدخلين بنسب متفاوتة، بحسب حجوم القوة، وبحسب غرس الأنياب والمخالب في الجسد السوري؛ وفِي أجساد الآخرين.
ولما كان الحال هكذا، ما الحل لسورية أو في سورية؟ وهل يمكن أن يصدّق أحد مقولة الحل السوري السوري؟ هل يمكن الاستناد إلى نيات طيبة، أو ما يقال احياناً بضرورة توفر إرادة دولية لإيجاد حل؟ وهل الدول مؤسسات خيرية مبنية على النيّات الطيبة، والسهر على مصالح الشعوب الأخرى وحقوقها؟ ألا يمر عالمنا في حقبة من الشراسة واللاإنسانية وضياع حقوق الإنسان تتجاوز أي فترة مرَّ بها؟! ألا يذكّر حالٌ كهذا من الاستعصاء والاصطفاف المَرَضي بحقبٍ سبقت حروباً عالمية؟ هل نحن في خضم حرب عالمية ثالثة بنسخة جديدة ملطّفة؟
الحل في سورية، بحكم تدويل القضية السورية، لا يمكن أن يكون إلا دولياً. وعلى هذه القوى المنخرطة في الشأن السوري، أن تتيّقن من أنه لا يمكنها تحقيق كل مصالحها، ولا يمكن أن تسحق بالمطلق حق الشعب السوري في شيء من البقاء الحر الكريم؛ وأنه مهما سعت إلى نصرة نظام على شعبه، تحت يافطة حماية سيادة الدولة، وذريعة الحفاظ على هيبة السلطة، فإنه لا يمكن الإبقاء على سلطةٍ تقتل شعبها، ولا سيادة أو هيبة لدولة يدمر فيها النظام البشر والحجر، كي يبقى. المكان الطبيعي لنظام كهذا هو محاكم الإجرام. وإذا كانت روسيا مصرّة على ابتزاز العالم في سورية، فهذا خشية من أن يطاولها حساب الجرائم التي ارتكبتها في سورية؛ وهو ما يسجله عليها أعضاء الفريق المتدخل في الشأن السوري. ومن هنا الأفضل للجميع الولوج الفوري بحل دولي يخلّص البلاد من طغمتها الاستبدادية الحاكمة صورياً؛ ويساعد السوريين، عبر الأمم المتحدة، في إيجاد بيئة آمنة، كي يقرّروا مَن يحكمهم، ويضعوا أقدامهم على سكة الحياة ثانيةً. هكذا يكون الحل سورياً سورياً، وتكون سورية دولة حرّة مستقلة ذات سيادة.
دلالات
يحيى العريضي
كاتب وإعلامي سوري، مستشار الهيئة العليا للمفاوضات، دكتوراة في الإعلام من جامعة جورج تاون
يحيى العريضي
مقالات أخرى
04 مارس 2019
12 فبراير 2019
29 يناير 2019