09 يونيو 2023
سورية.. ماذا بعد تشكيل اللجنة الدستورية؟
على الرغم من أن الانتقال السياسي الذي خرج من أجله ملايين السوريين سلميًا ستة أشهر في سنة 2011، وعلى الرغم من الحجم الهائل من التضحيات والدمار، قد انتهى إلى مجرد لجنة تضع دستورًا يجري الاستفتاء عليه، وانتخابات بموجبه، على الرغم من ذلك، يتم العمل الآن من أجل إفراغ هذه العملية، وجعلها عملية شكلية، تعيد إنتاج النظام بكل مؤسساته ورموزه، مع فرق أن سورية قد أصبحت بلدًا مهشمًا، وسيادته مستباحة، الأمر الذي يهدّد بعدم تحقيق الاستقرار في سورية مستقبًلا، إذ أن استمرار الأوضاع نفسها من دون انتقال سياسي منظم، ولو بحد أدنى مقبول مع معظم السوريين، سيبقي النار تحت الرماد، ما يهدد بانفجارات مقبلة، ستصل آثارها إلى دول الجوار وإلى أوروبا ثانية.
نظريًا، يبدو مسار لجنة الدستور بداية نهاية الصراع في سورية، قد يفتح بابًا جديدًا نحو المستقبل، أما ما يجري في الواقع فهو معركة أخرى، قد تفتح باب المستقبل، أو تبقيه مغلقًا لسنوات مقبلة، فثمة أسئلة كثيرة شائكة جدًا سيقرّر الجواب عليها اتجاه سير هذه العملية ونتائجها، مثل: كيف ستعمل هذه اللجنة، وكيف سيجري الاستفتاء والانتخابات من بعده، ومن يديرها ومن يراقبها؟ وفي المجمل، ما هي نتائج عملها، هذا إذا أتيح لها أن تكمل مهمتها، أو حتى أن تتشكل قريبًا، على الرغم من الأخبار المبشرة بذلك، فالنظام وروسيا لن يوافقا على تشكيلها، ما لم يضمنا أن غالبها سيكون ممن يمثلونهم أو يأتمرون بأمرهم. ويبدو أن هذا سيتحقق إلى حد بعيد الآن، فاللجنة ستتشكل من ثلاثة أثلاث، الأول يسميه النظام والثاني تسميه هيئة التفاوض والثالث يمثل أطياف المجتمع ويسميه ممثل الأمين العام للأمم المتحدة إلى
سورية. وعمليا، إضافة إلى من يسميهم النظام مباشرة، فإن جزءًا من ممثلي هيئة التفاوض، الممثلة اسميًا "للمعارضة"، يتوافقون مع خيارات النظام، مثل ممثلي منصة موسكو ضمن حصة هيئة التفاوض، كما أن أعضاء اللجنة الذين يقيمون في سورية، سواء من ممثلي منصة القاهرة ضمن حصة هيئة التفاوض، أو ضمن حصة المجتمع، سيضطرون، تحت الخوف أو التهديد، للعمل وفق خيارات النظام. وذلك بأن يكون الدستور الجديد نسخة من دستور 2012، خصوصا وأن موسكو تتمسك بأن عمل اللجنة وصياغة الدستور والاستفتاء والانتخابات عملية سورية بحتة، لا يجوز تدخل أي طرف فيها، ولا حتى الأمم المتحدة سوى المراقبة. أي أن يجري الاستفتاء على الدستور والانتخابات بإدارة وزارة الداخلية السورية، وبالتالي ستكون النتائج محسومة سلفًا، كما عودتنا هذه الوزارة على مدى نصف القرن الأخير.
من جهة أخرى، فإن قرارات لمجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة تعني أن سورية قد أصبحت تحت وصاية الأمم المتحدة، وقد نص قرار مجلس الأمن 2254 على "انتقال سياسي برعاية الأمم المتحدة، استنادا إلى بيان جنيف"، وهذا يعني أن عمل اللجنة الدستورية سيكون تحت رعايتها، وأن اللجنة ستكون بمثابة "جمعية تأسيسية مستقلة" سيدة نفسها، ولا يستشير أعضاؤها نظاما ولا معارضة بعد مباشرة عملها، ويكون مقر عملها في جنيف إلى أن تنهي عملها.
سيفتح عمل اللجنة تحت مظلة الأمم المتحدة، بدون تعرّض أعضائها للضغوط، إمكانية الذهاب باتجاه خيار نظام سياسي برلماني، بدلًا من الرئاسي، ما يغلق الطريق أمام استبداد الرئيس، أي رئيس، بينما النظام البرلماني أكثر ديمقراطية وتعبيرًا عن مصالح الشعب، ويمنع الاستبداد. خصوصا أن الظروف الحالية لا تسمح بمنافسة متكافئة على منصب الرئاسة، فهي ليست ظروفا طبيعية، ولا يمكن لأي قوى سياسية أو مجتمعية تنظيم حملة ناجحة تتوافق فيها على مرشح واحد، وأن يتم ترويجه على نحوٍ كاف، أي ستكون المنافسة في حال اعتماد النظام الرئاسي منافسةً محسومةً لصالح استمرار النظام نفسه.
حتى لو تولت الأمم المتحدة إدارة الاستفتاء والانتخابات، وليس مجرد رقابتها، فإن تحضير قوائم صحيحة لمن يحق لهم الاستفتاء والانتخاب مسألة في غاية التعقيد، فالنظام هو مصدر
القوائم، ثم إن 13 مليون سوري، أي أكثر من نصف السكان، قد هُجٍروا قسريًا من مناطق سكنهم، نصفهم أصبح خارج سورية والنصف الآخر داخلها، وقُتلَ قرابة مليون شخص، وفُقد عشرات الآلاف في سجون النظام، وعشرات آلاف آخرون معتقلون سياسيًا، وبلغت أجيال من السوريين سن الثمانية عشر عاما، وأصبح لهم حق الإدلاء بأصواتهم، وهذه كلها تشيع تعقيداتٍ في إعداد القوائم، والصعوبة الأكبر في تحديد أماكن وجودهم، وخصوصا من هم خارج سورية، وكثيرون منهم لا يملكون أي وثائق.
ثم كيف يمكن إجراء انتخابات نزيهة مع استمرار سيطرة عدة قوى على مناطق سورية المقسّمة بين مناطق سيطرة النظام (ايران وروسيا ضمنًا) وفصائل مسلحة معارضة في ريف حماه الشمالي وإدلب وريف حلب وشمال اللاذقية، وقوات تركية في منطقتي غصن الزيتون ودرع الفرات، وقوات حزب الاتحاد الديمقراطي (البيدا) الكردية في شمال شرق سورية، المدعومة أميركيا، إضافة إلى بقايا مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في البادية، لأن إدارة الانتخابات في ظل سيطرة هذه القوى تعني أن الناخبين لن يكونوا أحرارًا في قول كلمتهم.
ثم كيف يمكن ضمان استفتاء وانتخابات حرة تعبر عن إرادة السوريين، من دون رفع مناخ الترهيب في سورية، والذي يُجبر الناس على انتخاباتٍ يقرّرها غيرهم، وبدون إطلاق سراح جميع المعتقلين في سجون النظام أو الفصائل، أو "البيدا" الكردية، وبدون الكشف عن المفقودين، وبدون إتاحة حريات الاجتماع والتجمع وحريات التنظيم للأحزاب والجمعيات، وكيف يمارس عشرات آلافٍ من النخب حقوقهم بدون إلغاء الأحكام التعسفية التي صدرت بحقهم، وبدون كفّ يد أجهزة الأمن عن ملاحقة كل من قال ولو كلمةً ضد النظام، وإلغاء جميع أحكام محكمة الإرهاب، وإلغاء المحكمة نفسها مع كل أحكام مصادرة الحقوق المدنية ومنع السفر، وأحكام مصادرة ممتلكات المعارضين أو حجزها، وبدون منح وثائق سفر للجميع من دون استثناء، وكيف يمكن إتمام الاستفتاء والانتخابات من دون أن يكون لجميع المهجّرين حق العودة الطوعية إلى بيوتهم من دون خوف من الاعتقال والملاحقة الأمنية أو التهديد بالاغتيال أو الاختطاف.
تشير كل هذه التعقيدات إلى أن استكمال هذه العملية على نحو سليم يحقق انتقالا سياسيا يضع
حدًا للكارثة السورية، لن يكون بدون توافق بين اللاعبين الدوليين والإقليميين بشأن القضية السورية، روسيا والولايات المتحدة وتركيا وأوروبا. وما زال هذا التوافق غير قريب، ويتوقف أخيرًا على موقف روسيا التي تبدو في حيرة من أمرها، فهي تعلم أن دعم إعادة الإعمار في سورية لن يتم بدون انتقال سياسي، وسورية بدون إعادة إعمار مادي ومجتمعي ستكون ربحًا أسوأ من الخسارة بالنسبة لها، حتى لو أعادت سيطرة النظام على كامل الأراضي السورية، وتعلم، في الوقت نفسه، أن الانتقال السياسي سيطاول منصب الرئيس، وهذا يهدد بانهيار النظام، الأمر الذي تخشاه روسيا وواشنطن وعواصم أوروبية وغيرها. ولم تستكمل موسكو بعد ترتيباتٍ تتيح لها قبول انتقال سياسي يتضمن ذهاب الأسد، وخصوصا تنافسها مع إيران التي تمانع أي حل سياسي، والنظام أقرب لها من روسيا.
على الرغم من كل هذه التعقيدات، يمكن لتوافق اللاعبين الدوليين والإقليميين التوافق لتجعل من صياغة دستور جديد والاستفتاء والانتخابات "عملية انتقال سياسي تدريجي"، يقبل بها معظم السوريين، وتجنب سورية مزيدا من عدم الاستقرار مستقبلًا، وهي مسؤوليتهم السياسية والأخلاقية، بعد أن صادروا أدوار السوريين وإرادتهم.
نظريًا، يبدو مسار لجنة الدستور بداية نهاية الصراع في سورية، قد يفتح بابًا جديدًا نحو المستقبل، أما ما يجري في الواقع فهو معركة أخرى، قد تفتح باب المستقبل، أو تبقيه مغلقًا لسنوات مقبلة، فثمة أسئلة كثيرة شائكة جدًا سيقرّر الجواب عليها اتجاه سير هذه العملية ونتائجها، مثل: كيف ستعمل هذه اللجنة، وكيف سيجري الاستفتاء والانتخابات من بعده، ومن يديرها ومن يراقبها؟ وفي المجمل، ما هي نتائج عملها، هذا إذا أتيح لها أن تكمل مهمتها، أو حتى أن تتشكل قريبًا، على الرغم من الأخبار المبشرة بذلك، فالنظام وروسيا لن يوافقا على تشكيلها، ما لم يضمنا أن غالبها سيكون ممن يمثلونهم أو يأتمرون بأمرهم. ويبدو أن هذا سيتحقق إلى حد بعيد الآن، فاللجنة ستتشكل من ثلاثة أثلاث، الأول يسميه النظام والثاني تسميه هيئة التفاوض والثالث يمثل أطياف المجتمع ويسميه ممثل الأمين العام للأمم المتحدة إلى
من جهة أخرى، فإن قرارات لمجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة تعني أن سورية قد أصبحت تحت وصاية الأمم المتحدة، وقد نص قرار مجلس الأمن 2254 على "انتقال سياسي برعاية الأمم المتحدة، استنادا إلى بيان جنيف"، وهذا يعني أن عمل اللجنة الدستورية سيكون تحت رعايتها، وأن اللجنة ستكون بمثابة "جمعية تأسيسية مستقلة" سيدة نفسها، ولا يستشير أعضاؤها نظاما ولا معارضة بعد مباشرة عملها، ويكون مقر عملها في جنيف إلى أن تنهي عملها.
سيفتح عمل اللجنة تحت مظلة الأمم المتحدة، بدون تعرّض أعضائها للضغوط، إمكانية الذهاب باتجاه خيار نظام سياسي برلماني، بدلًا من الرئاسي، ما يغلق الطريق أمام استبداد الرئيس، أي رئيس، بينما النظام البرلماني أكثر ديمقراطية وتعبيرًا عن مصالح الشعب، ويمنع الاستبداد. خصوصا أن الظروف الحالية لا تسمح بمنافسة متكافئة على منصب الرئاسة، فهي ليست ظروفا طبيعية، ولا يمكن لأي قوى سياسية أو مجتمعية تنظيم حملة ناجحة تتوافق فيها على مرشح واحد، وأن يتم ترويجه على نحوٍ كاف، أي ستكون المنافسة في حال اعتماد النظام الرئاسي منافسةً محسومةً لصالح استمرار النظام نفسه.
حتى لو تولت الأمم المتحدة إدارة الاستفتاء والانتخابات، وليس مجرد رقابتها، فإن تحضير قوائم صحيحة لمن يحق لهم الاستفتاء والانتخاب مسألة في غاية التعقيد، فالنظام هو مصدر
ثم كيف يمكن إجراء انتخابات نزيهة مع استمرار سيطرة عدة قوى على مناطق سورية المقسّمة بين مناطق سيطرة النظام (ايران وروسيا ضمنًا) وفصائل مسلحة معارضة في ريف حماه الشمالي وإدلب وريف حلب وشمال اللاذقية، وقوات تركية في منطقتي غصن الزيتون ودرع الفرات، وقوات حزب الاتحاد الديمقراطي (البيدا) الكردية في شمال شرق سورية، المدعومة أميركيا، إضافة إلى بقايا مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في البادية، لأن إدارة الانتخابات في ظل سيطرة هذه القوى تعني أن الناخبين لن يكونوا أحرارًا في قول كلمتهم.
ثم كيف يمكن ضمان استفتاء وانتخابات حرة تعبر عن إرادة السوريين، من دون رفع مناخ الترهيب في سورية، والذي يُجبر الناس على انتخاباتٍ يقرّرها غيرهم، وبدون إطلاق سراح جميع المعتقلين في سجون النظام أو الفصائل، أو "البيدا" الكردية، وبدون الكشف عن المفقودين، وبدون إتاحة حريات الاجتماع والتجمع وحريات التنظيم للأحزاب والجمعيات، وكيف يمارس عشرات آلافٍ من النخب حقوقهم بدون إلغاء الأحكام التعسفية التي صدرت بحقهم، وبدون كفّ يد أجهزة الأمن عن ملاحقة كل من قال ولو كلمةً ضد النظام، وإلغاء جميع أحكام محكمة الإرهاب، وإلغاء المحكمة نفسها مع كل أحكام مصادرة الحقوق المدنية ومنع السفر، وأحكام مصادرة ممتلكات المعارضين أو حجزها، وبدون منح وثائق سفر للجميع من دون استثناء، وكيف يمكن إتمام الاستفتاء والانتخابات من دون أن يكون لجميع المهجّرين حق العودة الطوعية إلى بيوتهم من دون خوف من الاعتقال والملاحقة الأمنية أو التهديد بالاغتيال أو الاختطاف.
تشير كل هذه التعقيدات إلى أن استكمال هذه العملية على نحو سليم يحقق انتقالا سياسيا يضع
على الرغم من كل هذه التعقيدات، يمكن لتوافق اللاعبين الدوليين والإقليميين التوافق لتجعل من صياغة دستور جديد والاستفتاء والانتخابات "عملية انتقال سياسي تدريجي"، يقبل بها معظم السوريين، وتجنب سورية مزيدا من عدم الاستقرار مستقبلًا، وهي مسؤوليتهم السياسية والأخلاقية، بعد أن صادروا أدوار السوريين وإرادتهم.