وعلمت "العربي الجديد" أن المسؤولين الروس يواصلون عملهم داخل الأراضي السورية عبر القاعدة العسكرية في مطار حميميم العسكري من خلال التواصل مع فصائل مسلحة وقوى مدنية معارضة، بهدف تحييدهم عن الصراع تحت مسمى "المصالحات الوطنية". وتقوم هذه المصالحات على أساس وقف القتال مع القوات النظامية ومليشياتها، مقابل وقف القصف وإدخال المساعدات الإنسانية إلى مناطق المعارضة المحاصرة، ومقاتلة تنظيمَي "الدولة الإسلامية" (داعش) وجبهة النصرة، وهذا ما تكشّف أنه حصل بالفعل في بعض مناطق الغوطة الشرقية قبل فترة، وما يبدو أنه يتم العمل عليه في ريف حمص الشمالي، وحلب ودمشق.
وكان لافتاً إعلان أمين مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، أمس أيضاً، أن موسكو تتوقع انفصال "المعارضة المعتدلة" عن "جبهة النصرة"، مع إشارته إلى أن موسكو وواشنطن قامتا "بتقاسم مجال المسؤولية في سورية، فموسكو تتعاون مع الحكومة، بينما تتعامل واشنطن مع المعارضة".
في هذا السياق، تقول مصادر مطلعة من ريف حمص الشمالي، لـ"العربي الجديد"، إن "الروس يعملون على التواصل مع فصائل مسلحة معارضة في ريف حمص، إذ يتم الحديث معهم عن ضمانات لعدم مواصلة قصفهم الجوي والمدفعي، وإدخال المساعدات الإنسانية إليهم، مقابل أن يدخلوا في هدنة طويلة مع النظام على أن يتم العمل على حلّ سياسي مقبول من جميع الأطراف، إضافة إلى "قتال الإرهاب المتمثل بتنظيمَي الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة النصرة"، وفقاً للمصادر.
وتوضح أن "خيارات الروس وقعت على فصائل على مستوى ريف حمص، مثل فيلق حمص، وحركة تحرير حمص، وجيش التوحيد. في حين لم يتم التواصل مع حركة أحرار الشام المتواجدة على مستوى كل سورية، وكأنّ الهدف هو ريف حمص حالياً على الأقل". وتلفت المصادر ذاتها إلى أن "الفصائل التي تم التواصل معها تتميّز بانعدام وجود علاقة لها مع النصرة، ومنها لديها حالة توتر مع التنظيم، مثل حركة تحرير حمص، إذ إنّ هناك معلومات عن أن النصرة وحركة أحرار الشام يحضّرون لعملية لضربها".
وتضيف مصادر ريف حمص أنّ "العلاقة بين أحرار الشام وجبهة النصرة تبدو ضبابية. فالأولى لم تعلن موقفاً واضحاً من النصرة، إلا أنها لا تقاتلها"، مشيرة إلى أنّ ذلك "يعود لأسباب عدة، أهمها المناطقية، باعتبار أنّ قيادات الطرفين هم من حمص المدينة ومرجعيتهم بعيدة عن الفصائلية، كما أن الأحرار والنصرة تم تشكيلهما من أشخاص مبايعين لتنظيم القاعدة".
من جانبه، يقول مصدر مقرّب من حركة أحرار الشام، لـ"العربي الجديد"، إنّ الحركة تقف اليوم أمام إشكالية قتال "النصرة"، على اعتبار ذلك استجابة للتوجهات الدولية، على الرغم من أن بعض الإعلاميين المقربين من "الأحرار" يشهّرون بالجبهة علناً. ويستدرك المصدر حديثه قائلاً إنّ "وجود أبناء حمص ضمن هذه الفصائل قد يبدّد فكرة الاقتتال، إذ إنّ هناك 120 شاباً من الرستن يقاتلون إلى جانب النصرة، و400 شاب إلى جانب أحرار الشام، ما يعني مقتلة شباب حمص لبعضهم البعض".
ويعتبر المصدر أن "هذه التعقيدات جعلت الروس يضعون الأحرار والنصرة في خانة واحدة والدفع لقتالهم"، لافتة إلى أن "فصائل فيلق حمص، وجبهة تحرير حمص، وجيش التوحيد ولاؤها خارجي، وأُنشئت على الدعم، ولا يملك عناصرها فكراً شرعياً، وتكره تنظيم القاعدة على الرغم من خوفها منه، ما يجعل إقناعهم بقتال النصرة قابلاً للتطبيق". ويبيّن المصدر ذاته أنّ "الفصائل الحمصية التي تم الحديث عنها، مدعومة ومقربة من شخصيات تتواصل مع الروس لصياغة تسوية ما، وهناك معلومات عن عقد سلسلة اجتماعات في ما بينهم في أوروبا للهدف ذاته".
وتوضح مصادر من حمص لـ"العربي الجديد"، أن "الروس لم يكتفوا بالتواصل مع الفصائل العسكرية بل مع العديد من المؤسسات المدنية والإغاثية أيضاً، عارضين عليها تقديم الدعم اللازم مقابل تسويق مشروعهم والضغط على الفصائل وتحريض الأهالي لتأييده، مستغلين انقطاع الدعم عن معظم المؤسسات الإغاثية والمدنية". وتشير مصادر حمص إلى أنه "لغاية اليوم، لم تظهر نتائج المساعي الروسية لدى الفصائل المسلحة أو المؤسسات المدنية، إلا أنه من المرجح أن تلقى صدى في حال استمرار الحصار والتجويع، في ظل عجز الدول المساندة للمعارضة السورية عن دعمها، فعلياً، سياسياً أو ميدانياً.
وحوصر ريف حمص الشمالي، بشكل كامل، منذ نحو 4 سنوات. ويعاني عشرات آلاف المدنيين من أوضاع إنسانية سيئة للغاية، في ظل نقص المواد الغذائية والطبية، وغياب الرعاية الصحية والتعليم، مع ارتفاع نسبة الفقر إلى مستويات غير مسبوقة.