منذ ثلاث سنوات، تعيش سوريا حالة ركود ثقافي "طبيعية"، في ظل الأوضاع المفروضة على جميع السوريين. رغم ذلك، وعلى عكس المتوقّع في مثل هذه الظروف، لم تتوقّف المبادرات الثقافية والاجتماعية.
في هذا السياق، يأتي تأسيس مجموعة من النشطاء المدنيين "المركز الثقافي في جبل الزاوية - معاً"، الذي افتُتح الشهر الماضي في قرية "جوزيف"، في محافظة إدلب، شمال البلاد. ويرتكز اختيار النشطاء هذه القرية لإنشاء المركز اعتبارات عدة، منها: وقوعها في أقصى غرب الجبل، ما يسهّل تردّد الناس إليها لحضور النشاطات؛ خلوّ المنطقة من وجود قوّات النظام السوري و"داعش"، اللذين انسحبا من الجبل؛ علاوة على الأهمية الأثرية والتاريخية التي تتمتّع بها تلك المنطقة.
ربما يكون طرح الفكرة حالياً نوعاً من التهوّر، في ظل الحالة الأمنية والاقتصادية الخطيرة. غير أن المشروع يستمدّ وجوده ورسالته من هنا، أي من حاجة السوريين، في هذه اللحظات الصعبة، إلى التغيير، وإلى محاولة اجتراح الحياة الطبيعية من أوضاع غير طبيعية.
من هذه المعاني وردتْ الفكرة التي أوصلت المجموعة إلى إنشاء المركز الذي يضم اليوم، بعد أسابيع قليلة من تأسيسه، 750 منتسباً، بينهم 200 امرأة، ما يدل على أن الحياة المدنيّة التي بدأت إشاراتها بالظهور تدريجياً لا تحتاج إلا لمثل هذه الفرصة كي تعلن عن نفسها.
يتمتّع المركز باستقلالية تامة، إذ لا يتبع لأيّة جهةٍ سياسيةٍ أو عسكريةٍ، وما يميّز إدارته هو التنظيم المتتابع للنشاطات. توجد في المركز قاعة للمطالعة ومكتبة تضم 5500 كتاب متنوّع، إضافة إلى قاعة للمحاضرات والأمسيات الشعرية وعروض الأفلام الحاضرة أسبوعياً، مع يوم مرصود للسينما.
كما يقيم المركز دورات لغات في الإنجليزية والفرنسية والتركية، وهذه الأخيرة بدأت تبرز بعد توجّه معظم أبناء الشمال إلى تركيا للاستقرار فيها. ويعمل المركز على تطوير نشاطاته؛ فالقائمون عليه يسعون إلى إنشاء مسابقة أدبية، ومجلة "معاً" الشهرية التي ستصدر عن المركز ويكون كتّابها من رواده تحديداً. كما يخطط المركز لبرنامج دعم نفسي للأطفال، يهدف إلى تنمية مواهبهم في الفنون الأدبية والموسيقية، بعيداً عن حالة الحرب التي يعيشونها.
النشاط الأبرز سيكون انتخابات دورية للهيئة الإدارية بهدف تكريس فكرة الديمقراطية والانتخابات النزيهة، من خلال البدء بالذات. المعارضة المسلّحة الموجودة في المدينة نظرت بإيجابيّة إلى تأسيسه، وأبدت استعدادها لتشكيل حراسة ليليّة لمقرّه، إلا أن المشرفين على المشروع رفضوا ذلك. ويؤكد نور الدين العبدو، أحد المساهمين في تأسيس المركز، أن هناك قراراً يمنع دخول المسلحين إلى المركز، وأن الجميع يحترم القرار ويتقيّد به.