خمسة عازفين سوريين، لجأوا إلى شارع الاستقلال في مدينة إسطنبول التركية، بأوتار الشجن والأمل، لعلها تكون عوناً لهم في اكتساب الرزق ومجابهة قسوة اللجوء، ولأنهم يجيدون العزف على أوتار الموسيقى، لم تكن مهمتهم مستحيلة في جني ما يساعدهم على العيش والاستمرار، في بلاد الغربة.
يقول قائد الفرقة، باسل خليل، لـ" العربي الجديد"، إنهم استهجنوا الفكرة في بادئ الأمر،
موضحاً أنهم شعروا في البداية أن الأمر يشبه التسول، لكنه أشار إلى أن نظرتهم للأمر تغيرت بعدها، وهو ما جعلهم يعملون بجد ويقومون بتأسيس فرقة موسيقية، جمعتهم الخمسة في شوارع تركيا، أطلقوا عليها اسم" دومسك".
وبحرقة البعيد عن وطنه والخائب من مجريات ومآلات الثورة السورية، يروي باسل، وهو أستاذ سابق للموسيقى لأكثر من عشرين عاماً في أحد معاهد دمشق الموسيقية، كيف بدأت الفرقة وتبدلت مواقف العازفين السوريين تجاه العزف بالشارع، تحت تأثير الحاجة ومواجهة غلاء المعيشة، وإظهار للأتراك والسياح، أن في سورية موسيقى ولشعبها قضيته العادلة.
ويرى خليل أن الفرقة صدى الفرقة، أصبح اليوم أحد معالم شارع الاستقلال وسط إسطنبول، وأضاف: "عدت من مصر في 2014، وشاهدت وأنا أجوب شوارع إسطنبول بعض السوريين، يعزفون دونما تنظيم وربما هدف، سوى سعيهم للتغلب على مصاعب الحياة وجمع المال، قمت بلقائهم بحكم أني درّست العزف لأكثر من عشرين سنة، ويعرفني معظم عازفي الموسيقى في دمشق، واتفقنا على تأسيس فرقة وتسويق الفن والموسيقى العربية، وتصويب النظرة الخاطئة عن اللاجئين السوريين ".
وتابع بالقول:" بات الشارع خشبة مسرحنا اليومي، نلتقي نحن الخمسة عند الساعة الثانية ظهراً، ونبدأ العزف والغناء للمارة والسياح حتى العاشرة ليلاً.. نستظل بسقف السوق من المطر أيام البرد ومن أشعة الشمس، لأننا نعمل ولا نتوقف إلا يوم الأحد...ثمة أسر وأهل تنتظرنا لنعيلهم، بعد أن هجرتنا الحرب وتلاشت الأماني".
وعن العائد اليومي لعزف الفرقة لثماني ساعات متواصلة يقول:" ليس من مبلغ محدد أو ثابت، لكننا نحصل يومياً نحو 600 ليرة تركي (230 دولاراً) بالكاد تسد احتياجاتنا .. وبعض الأيام نصادف عاشقين للموسيقى الشرقية، أو متعاطفين مع القضية السورية، فتزيد غلتنا أو ربما تتضاعف".
وحول أسعار الآلات الموسيقية وتكاليف المعيشة في تركيا، يتابع القول:" تتفاوت أسعار الآلات التي نعزف عليها، فغيتاري يزيد سعره عن 2000 دولار، وهو رفيقي منذ كنت في دمشق، وبعض الآلات اشتراها العازفون بأسعار رمزية من هنا، ما يؤثر على العمل بعد ساعاته الطويلة، وتختلف المصاريف بين أعضاء الفرقة الخمسة، فأنا متزوج ولدي أولاد حرموا من التعليم هذا العام، وكذا لجهة أحد الزملاء، والباقون يعيشون ضمن سكن عام وبعضهم جماعي، تخفيفاً للمصاريف وعلهم يساعدون أهلهم في الداخل السوري".
ورغم وضع أعضاء الفرقة الاقتصادي المتردي، فإنهم قاموا بإحياء حفلات بشكل مجاني، وذهب ريعها للاجئين السوريين".
وحول غلاء المعيشة في تركيا، أضاف خليل: "نعاني كما السوريون في تركيا من غلاء المعيشة وعدم توفر فرص عمل، ونصادف يومياً مضايقات من "البوليس التركي" الذي يمنعنا من العزف، سألناهم ماهي الطريقة القانونية للحصول على ترخيص، أجابونا العزف بالشارع لا يحتاج لترخيص . لنستنتج لاحقاً أن بعض العازفين السوريين والأتراك، هم سبب ملاحقة "الشرطة لنا" لأننا "سرقنا زبائنهم " حسب ادعاءاتهم".
وقال خليل، إنهم حاولوا إيجاد أماكن بديلة وقانونية "عزفنا في مسرح "بابليون" الشهير وكان أجرنا عال نحو 300 ليرة للعازف، لكن العمل ليس دائماً، وعزفنا بمقاه عدة في شارع الاستقلال، لكن تدني الأجر دفعنا للعودة للشارع، لأنه يحقق عائداً مالياً أكثر وانتشارا أوسع
لرسالتنا الفنية والثورية، ونحن لا نغني ما يبعث على الشحن أو التحريض، بل نعني لسورية فقط".
وأختتم بالقول:" بدأنا نفكر بالهجرة لأوروبا، لأنه للأسف لا أمل قريب يلوح في البلاد، سنسعى لتأمين أطفالنا الذين حرموا من التعليم وعرضت علينا فرص عدة، إحداها من أميركي من أصل سوري، كما يحاول بعض الأصدقاء مساعدتنا، جميع الاحتمالات ما زالت قائمة لكننا نرفض الهجرة غير النظامية عبر البحر، لأن الأسماك والحيتان شبعت من لحم أهلنا خلال غرقهم ومجازفاتهم المتكررة".
اقرأ أيضاً: السوريون أكبر مستثمر في تركيا