بعد أكثر من أربع سنوات على اندلاع الثورة السورية، ما زالت أزمة اللاجئين السوريين أكبر الأزمات التي تواجهها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وقد أعلنت الأخيرة وصول عدد هؤلاء إلى خارج بلادهم، إلى ثلاثة ملايين لاجئ. أما عدد النازحين في داخل البلاد فأكثر من 6.5 ملايين.
وتعدّ تركيا الجارة الشمالية لسورية من أبرز الدول التي تستضيف هؤلاء اللاجئين. وتعدّ أوضاع اللاجئين السوريين فيها، من الأفضل بين دول الجوار. وتشكل مدن المناطق الجنوبية الحدودية التركية مراكز تجمّع لهم، مثل مدينة غازي عنتاب وأورفة ومرسين وماردين وهاتاي. لكن مع تدفق اللاجئين وازدياد الضغط على البنى التحتية في هذه المدن وما رافقه من ارتفاع بدلات إيجار المنازل وقلة فرص العمل، اضطر بعض اللاجئين إلى البحث عن مدن أخرى ليستقروا فيها. وأصبحت العاصمة التركية أنقرة إحدى وجهاته.
تبيّن إحصائيات غير رسمية أن عدد اللاجئين السوريين في أنقرة لم يتجاوز قبل ثلاث سنوات، ألفَي لاجئ. لكن مع بداية هذا العام، وصل عددهم إلى ما يقارب ثلاثين ألفاً. وبينما تتجه بعض العائلات السورية الغنية إلى السكن في المناطق الراقية من العاصمة، تتوجه العائلات اللاجئة بمعظمها إلى حي ألتنداغ الفقير. وتسكن في بنايات معدّة للهدم. ولأن أحداً لا يستأجر شققاً في هذه البنايات، يؤجّرها أصحابها للسوريين بأسعار تتراوح ما بين 200 و300 ليرة تركية شهرياً (70 - 120 دولاراً أميركياً). وهو يعدّ إيجاراً رخيصاً بالمقارنة مع بدلات الإيجار في كل من أورفة وهاتاي (لواء اسكندرون) التي تتراوح ما بين 1200 و1500 ليرة (445 - 557 دولاراً).
يشير إمام جامع حي ألتنداغ علي كورت إلى أن اللاجئين في الحي لم يتجاوزوا قبل ثلاث سنوات 30 عائلة تلقت مساعدة من بعض فاعلي الخير، من خلال جمعيات خيرية ومنظمات المجتمع المدني وبلدية أنقرة. لكن اليوم ومع استمرار الأزمة السوريّة وازدياد عدد اللاجئين، يشير عدد من المستقرّين في هذا الحي إلى أن المنظمات قلّصت المساعدات التي تقدّمها لهم. وهم اليوم لا يتلقون أي مساعدات تذكر، باستثناء ما تقدّمه بلدية أنقرة لعموم سكان المدينة عبر الأكشاك التابعة لها، من خبز بأسعار مخفضة. وفي الشتاء المنصرم، قدّمت البلدية أيضاً الفحم المخصّص للتدفئة. لكن مع استمرار هطول الثلوج لغاية منتصف فبراير/شباط، لم تعد هذه المساعدات تكفي.
إلى ذلك، كان بعض اللاجئين يعملون في مجال الإنشاءات بمعاش لا يتجاوز مئتَي ليرة (74 دولاراً) أسبوعياً، لكنهم اليوم توقّفوا عن العمل بعد عزوف الشركات عن تشغيلهم على أثر القوانين الجديدة التي قضت بتسجيل هؤلاء العمال لأنفسهم في المؤسسات الحكومية المختصة في سبيل الحصول على إذن عمل.
يروي أحمد الذي هرب مع عائلته المؤلفة من سبعة أشخاص من مدينة حلب في أغسطس/آب 2013، أنه خرج من سورية "بطريقة غير شرعيّة لعدم امتلاكي وأفراد أسرتي جوازات سفر. لم نتوقف في المدن الحدودية الغالية جداً، وقصدنا ألتنداغ".
ويشير أحمد إلى أن الوضع تغيّر مذ ذلك الوقت. هو لم يتلقَ الشهر الماضي إعاشة عائلته التي تشمل والده المشلول ووالدته وزوجته وثلاثة أطفال صغار (عام واحد وثلاثة وسبعة أعوام). كذلك "لم أعد أستطيع الحصول على عمل في ورش البناء بشكل سهل كما في السابق، فأنا لا أملك إذناً للعمل".
أما ماهر الذي تهدّم محل الألبسة الذي كان يملكه في مدينة حلب وقُتلت زوجته في القصف، فيخبر أنه قصد أنقرة قبل عام مصطحباً ولدَيه (بنت وصبي) وعائلة أخته. هم يعيشون في المنزل نفسه في حي ألتنداغ، بينما يعمل ماهر وزوج أخته محمود في إحدى ورش الخياطة. يقول ماهر: "لا أخفي أن حالنا هنا جيّد، لا بل ممتاز بالمقارنة مع ما يعانيه اللاجئون السوريون في الدول العربية المجاورة. على أقل تقدير، نحن قادرون على تلقي العلاج في المستشفيات مجاناً". يضيف: "هنا، لا يتعرّض لنا أحد، ونستطيع النوم بهدوء من دون أن نصحو على البراميل والقذائف".
وعن مخاوف السوريين القاطنين في الحي، يشير ماهر إلى أنه اضطر إلى تغيير منزله بعدما هدم البناء القديم الذي يقطنه. وبفضل مساعدة الإمام، استطاع العثور على شقة أخرى. لكنه اليوم يشعر بالقلق من "تضاؤل فرص حصولي على عمل مع ازدياد عدد اللاجئين والقوانين الجديدة، وكذلك احتمال هدم البناء الذي يسكنه". لذلك بدأ يجمع مع محمود "المال اللازم للهجرة إلى ألمانيا. وحين أحصل على الإقامة، أسحب ولدَيّ وأدعم محمود ليهاجر هو أيضاً".
اقرأ أيضاً: الهجرة أو الموت