حضر السوري "فريد" (50 سنة) إلى رومانيا كلاجئ في عام 2013، وحاول في بوخارست أن يتعرف إلى أعضاء الجالية السورية، عسى أن يجد أي عمل يوافق قدارته، لكن المفاجئة التي واجهت فريد أن الجالية السورية منقسمة على ذاتها.
فالجالية السورية الموالية للنظام السوري تطالبه بإثبات موالاته بالمشاركة في مسيرات وفعاليات مؤيدة، فيما الجالية والمؤسسات المعارضة أرادت له أن يثبت أنه معارض ومنشق ومطلوب للنظام، ليقع فريد بين مفترق الطرق، فهو دخل إلى رومانيا "لأحصل على اللجوء وإيجاد عمل وتأسيس أسرة من جديد أعيش معها ما تبقى لي من حياة"، حسب وصفه.
بدأت تتشكل الجالية السورية كغيرها من الجاليات العربية في رومانيا، في سبعينيات القرن الماضي من خلال الدارسين وحملة الشهادات في الطب والصيدلة والهندسة والاقتصاد وغيرها من الشهادات العلمية، التي يعمل أصحابها في اختصاصاتهم، بحسب ما يذكر الكاتب والصحافي في رومانيا مازن الرفاعي.
بتطور العلاقة السورية-الرومانية بدأت أعداد كبيرة من الطلاب السوريين بالتوافد إلى جامعاتها المختلفة. وقسم كبير منهم تزوج برومانيات، الأمر الذي سمح بولادة "الجالية العربية السورية" بمعناها الرسمي، وتجاوز عدد الطلاب المتخرجين من الجامعات الرومانية نحو 35000 طالب، الأغلبية منهم عادت إلى سورية.
وتقدر الإحصاءات الرومانية عدد السوريين بنحو 15 ألفا، منتشرين في المدن الكبيرة ومنها تيميشوارا – كرايوفا – كلوج – كونستانتسا – ياش – براشوف، فيما الأغلبية يستقرون في العاصمة بوخارست، نحو ستة آلاف، أغلبهم يحملون الجنسية الرومانية، وآخرون يحملون إقامات دائمة لأسباب عائلية وتجارية.
انقسام
تسيطر السفارة على الجالية الرسمية وعلى عدد من مؤسساتها العاملة في نطاق "رابطة المغتربين العرب السوريين في رومانيا (1991)" والمكتب الإداري لاتحاد الطلبة السوريين (1974) و جمعية رجال الأعمال السوريين و جمعية الصداقة السورية – الرومانية وغيرها.
لم يكن قبل 2011 عدد المعارضين السوريين يتجاوز عدد أصابع اليد، لكن بلغ من عبَّر منهم عن مواقفه في الفترة (2012 - 2013) أكثر من 2000 معارض مقابل 1500 مؤيد للنظام، والبقية ظلت من الفئة الصامتة أو اللامبالية التي لم تظهر موقفها السياسي بشكل واضح، حسب الرفاعي.
وبعد الانشقاقات عن الجالية الموالية تشكلت عدد من المؤسسات المعارضة منها "الجالية السورية الحرة" التي سيطرت على المبنى الرئيسي للجالية (رابطة المغتربين السوريين) الموالية بعد اقتحامهم لها ورفع العلم السوري، لكن وبعد صدور حكم المحكمة الرومانية المختصة عاد المبنى للجالية السورية الموالية. لكن كمية الخلافات والاتهامات بين الأعضاء أدت لفقدان أهميتها كمؤسسة تساعد السوريين وتستقطبهم، وحسب أحد رجال الأعمال السوريين المؤسسين للجالية عام 2012 فإن "الصراعات تمحورت حول مجلس الإدارة والمناصب الإدارية، ما عطل أي نشاط حقيقي لعمل الجالية، وزاد الفجوة فيما بينها وبين أعضاء الجالية المؤمنين بدورها، عدا عن ضعف التواصل مع الجهات المعارضة الأخرى في رومانيا والجهات الدبلوماسية الدولية". أدى ذلك إلى تشكيل مؤسسة ثانية للمعارضة تحت اسم "مركز الحكمة الثقافي"، وتشكل بالمقابل المجلس الوطني الكردي.
لكن، وبعد أن اتخذ "نادي الحكمة" دوراً ثقافياً، مبتعداً عن النقاشات والحوارات السياسية، شكل عدد من السوريين "الملتقى الديموقراطي السوري"، الذي ضم في أغلبه شخصيات يسارية امتهنت العمل السياسي والتنظيمي.
ورغم أن حالة النزاع والتصارع على التمثيل ما تزال قائمة بين مؤسسات المعارضة والجالية الموالية للنظام، إلا أن الغالبية العظمى من السوريين على الأرض الرومانية، حسب السوري زياد.ص تبتعد عن مؤسسات النظام والمعارضة، محاولين تسيير أمورهم بعيدا عنهما. وأدت الصراعات بين الجانبين إلى نزاع داخلي بين المقيمين السوريين، فأي سوري غير لاجئ، حتى وإن كان معارضاً، يتجه إلى السفارة لإتمام إجراءات المعاملات الرسمية، متحملا صلف وتجبر موظفي السفارة في ظل تنازع المؤسسات على ادعاء تمثيله كجالية.
أما فريد، اللاجئ الخمسيني، التحق بعدد من دورات اللغة الرومانية، ومنحته الجمعيات الأهلية بعض المساعدة، ليجد بعد ذلك عملاً يتناسب مع قدراته بعيداً عن نزاعات للجاليات السورية على الأرض الرومانية.