شهد الأردن تدفُّقاً كبيراً للاجئين السوريين منذ عام 2011 لاسيَّما في عام 2013، وكان هناك خوف كبير من أن تقِلَّ فرص العمل أمام الأردنيين من جرّاء ذلك، إلا أنّ الاقتصاد غير الرسمي استطاع امتصاص حجم كبير من العمالة السورية، وهذا ما كان له تأثير سلبي على جودة الوظائف المقدمة من ناحية الأجور دون المستوى، ظروف العمل السيئة والممارسات الاستغلالية بما في ذلك عمل الأطفال، ما قد يؤدي إلى طغيان الطابع غير الرسمي على سوق العمل بالمملكة، الأمر الذي سيجعل من الالتزام بمعايير العمل تحدياً كبيراً للسلطات الأردنية، لذلك تتطلَّب طبيعة الأزمة التي طال أمدها خطّة استجابة متكاملة.
ولطالما أشار الأردن في المحافل والندوات الدولية التي تناقش هذا الموضوع الحسّاس إلى حاجته الماسة للمساعدة الدولية في أعمال البنية التحتية، من أجل تمكين المجتمعات المحلية من مواجهة الطلب المتزايد بسبب تدفُّق اللاجئين السوريين.
وقد تعاونت منظمة العمل الدولية مع الوزارات الأردنية والجهات المانحة لإطلاق مشاريع، من أجل توظيف عمال محليين وسوريين في المناطق التي تستضيف غالبية هؤلاء اللاجئين، كما تمّ إطلاق عدد من مشاريع الاستثمار بهدف خلق مُكثَّف لمناصب الشغل بتمويل من ألمانيا والنرويج وكذا من البنك الدولي.
وإن أردنا أن نتحقَّق من مدى مزاحمة اللاجئين السوريين للأردنيين، في ما يخص مناصب العمل، ينبغي أن نكوِّن أوّلا صورة ديموغرافية شاملة عن عمالة هؤلاء في الأردن.
الخصائص الديموغرافية للاجئين
تتحدر الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين من المناطق الريفية في سورية، وهي تُشكِّل مجموعة سكانية صغيرة نسبياً مقارنة بالسكان الأردنيين المضيفين، ولعلَّ الأهم من ذلك بالنسبة لسوق العمل أنّ لديهم مستوى تعليمي أقل بكثير مقارنة بالأردنيين، حيث تفيد بيانات منظمة العمل الدولية بأنّ 60% من هؤلاء اللاجئين فوق سن 15 لم يكملوا التعليم الأساسي، وهناك نسبة تقدر بـ 15% فقط من اللاجئين الحاصلين على التعليم الثانوي، مقارنة بـ 42% من الأردنيين فوق سن 15.
وعندما يتعلَّق الأمر بخبرة العمل وخلفية اللاجئين السوريين الذين يعيشون خارج المخيمات، فإنّ 63% من الرجال قد شاركوا في سوق العمل في سورية قبل بدء الأزمة في مارس/آذار 2011، أما حالياً، ووفقاً لإحصائيات منظمة العمل الدولية، فيشارك 51% من الرجال السوريين في سوق العمل الأردني، مقابل 7% فقط للنساء السوريات، أي نسبة تعادل تقريباً معدل مشاركتهن في سورية قبل الأزمة، وهذا يعني أنّ هناك قِلَّة قليلة من السوريات يعملن في العمل المدفوع الأجر في الأردن في الوقت الحالي.
كما يعمل حالياً أكثر من 40% من السوريين خارج المخيمات في عمّان وإربد والمفرق في مجال البناء، وتُقدَّر النسبة بـ 23% في تجارة الجملة والتجزئة، و12% في التصنيع، و8% في مجال السكن وصناعة الخدمات الغذائية.
وبلغت نسبة مشاركة الأردنيين في العمل 67% بين الرجال ونحو 18% بين النساء في سوق العمل الأردني قبل الأزمة السورية، وفي ذلك الحين كان يقدَّر معدل البطالة بـ 14%، وتُحافظ معدلات المشاركة تلك على مستوياتها في الوقت الحالي، في حين ارتفع معدل البطالة من 14.5 إلى 22.1%، حيث تعرف البطالة ارتفاعاً بين الشباب، وكذا الفئات الأقل تعليماً والأكثر فقراً من السكان.
اقــرأ أيضاً
وتجدر الإشارة بالمقابل إلى أنّ معدلات البطالة ارتفعت تقريباً بنفس الدرجة في عدة دول عربية بسبب نمو عدد السكان وشحّ مناصب الشغل.
هناك أيضاً نقطة مهمة أخرى تتعلَّق بحقيقة أنّ وضع اللاجئين السوريين لا يشمل الحق في العمل في الأردن، ونتيجة لذلك لم يحصل سوى نحو 10% من السوريين على تصاريح عمل رسمية، لذلك يعمل العديد من اللاجئين السوريين غير الحاصلين على تصاريح عمل في الاقتصاد غير الرسمي الذي لا يحكمه قانون العمل الأردني.
وتُبيِّن نتائج المسوحات التي قامت بها منظمة العمل الدولية سنة العام 2015 أنّ السوريين يحصلون على أجور أقلّ ويعملون لساعات أطول، ويمكن أن يتمّ تفسير ذلك بأنّ هؤلاء مستعدّون لقبول الوظائف والأجور التي لن يقبل بها الأردنيون وذلك في المناطق التي يوجد فيها تركُّز كبير للاجئين، وهذا ما يدلّ أيضاً على أنّ هناك منافسة بين اللاجئين وغيرهم من العمال غير الأردنيين.
ومن أسباب ضعف تأثير تدفُّق اللاجئين السوريين على سوق العمل الأردني:
أوَّلاً، يرجع العدد الضئيل للسوريين العاملين في الأردن إلى كون معظم اللاجئين السوريين من النساء والأطفال والذين حتى وإن اشتغلوا فقد فعلوا ذلك بطرق غير رسمية، وبالتالي فقد زاحموا وتنافسوا مع العمال غير الأردنيين بدلاً من الأردنيين.
ثانياً، أدّى الارتفاع الكبير في عدد اللاجئين السوريين إلى خلق طلب على السلع والخدمات، مما أدّى بدوره إلى زيادة الطلب على اليد العاملة.
ثالثاً، مكَّن ارتفاع المساعدات المالية التي منحها الاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية من زيادة فرص العمل للأردنيين، مما أدّى إلى تثبيط أيّ آثار سلبية محتملة لتدفُّق اللاجئين السوريين.
وعلى الرغم من أنّ علامات مزاحمة اللاجئين السوريين للأردنيين قليلة ومتواضعة نسبياً في معظم القطاعات في الوقت الحاضر، إلا أن تقليص المساعدات الإنسانية وتوقيفها قد يشكلان تهديداً خطيراً لسوق العمل الأردني في المستقبل، لأنّه ببساطة لن يجد هؤلاء اللاجئون مخرجاً سوى الانخراط في سوق العمل، حيث سيبقى العديد من السوريين في الأردن لعدة سنوات قادمة لا سيَّما مع فشل العديد من المساعي لحلّ الأزمة السورية التي طال أمدها.
حلول لمواجهة التحدّيات
• ينبغي على الجهات الدولية المانحة المساعدات المالية أن تتعاون مع السلطات الأردنية بشكل جدِّيّ لإنجاز استثمارات هادفة لخلق المزيد من مناصب الشغل للاجئين السوريين وكذا الأردنيين، وذلك من خلال التركيز على المجالات أو الميادين التي تتطلَّب يداً عاملة مُكثَّفة كأعمال الغابات، تحسين البيئة والبنى التحتية، والأعمال المجتمعية والمرافق الصحية.
• لضمان السير الحسن لتلك المشاريع الاستثمارية يجب على السلطات الأردنية إنشاء قاعدة بيانات تتضمَّن معلومات عن المناطق وخاصة الريفية منها التي يجب الاستثمار فيها، وكذا بيانات عن فئات العمال ومتوسط الأجور لكل فئة، ويجب أن تكون تلك البيانات مُفصَّلة بحسب الجنسية والجنس.
• تشجيع المقاولين على توجيه مشروعاتهم الصغيرة والمتوسطة نحو المناطق الريفية، وهذا ما يتطلَّب أيضاً خلق بيئة مواتية لهم في تلك المناطق من خلال إنشاء وتحسين الطرق الريفية، صيانة المدارس، إمدادات المياه والصرف الصحي وما إلى ذلك.
• تشجيع القطاع الخاص على توظيف اللاجئين السوريين في القطاعات التي تستقبل وتشغِّل العمالة المهاجرة من دول أخرى، بالإضافة إلى اتِّخاذ الإجراءات اللازمة للحدّ من تنامي القطاع غير الرسمي وكذا تعزيز التحاق الأطفال السوريين بالمدارس.
ولطالما أشار الأردن في المحافل والندوات الدولية التي تناقش هذا الموضوع الحسّاس إلى حاجته الماسة للمساعدة الدولية في أعمال البنية التحتية، من أجل تمكين المجتمعات المحلية من مواجهة الطلب المتزايد بسبب تدفُّق اللاجئين السوريين.
وقد تعاونت منظمة العمل الدولية مع الوزارات الأردنية والجهات المانحة لإطلاق مشاريع، من أجل توظيف عمال محليين وسوريين في المناطق التي تستضيف غالبية هؤلاء اللاجئين، كما تمّ إطلاق عدد من مشاريع الاستثمار بهدف خلق مُكثَّف لمناصب الشغل بتمويل من ألمانيا والنرويج وكذا من البنك الدولي.
وإن أردنا أن نتحقَّق من مدى مزاحمة اللاجئين السوريين للأردنيين، في ما يخص مناصب العمل، ينبغي أن نكوِّن أوّلا صورة ديموغرافية شاملة عن عمالة هؤلاء في الأردن.
الخصائص الديموغرافية للاجئين
تتحدر الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين من المناطق الريفية في سورية، وهي تُشكِّل مجموعة سكانية صغيرة نسبياً مقارنة بالسكان الأردنيين المضيفين، ولعلَّ الأهم من ذلك بالنسبة لسوق العمل أنّ لديهم مستوى تعليمي أقل بكثير مقارنة بالأردنيين، حيث تفيد بيانات منظمة العمل الدولية بأنّ 60% من هؤلاء اللاجئين فوق سن 15 لم يكملوا التعليم الأساسي، وهناك نسبة تقدر بـ 15% فقط من اللاجئين الحاصلين على التعليم الثانوي، مقارنة بـ 42% من الأردنيين فوق سن 15.
وعندما يتعلَّق الأمر بخبرة العمل وخلفية اللاجئين السوريين الذين يعيشون خارج المخيمات، فإنّ 63% من الرجال قد شاركوا في سوق العمل في سورية قبل بدء الأزمة في مارس/آذار 2011، أما حالياً، ووفقاً لإحصائيات منظمة العمل الدولية، فيشارك 51% من الرجال السوريين في سوق العمل الأردني، مقابل 7% فقط للنساء السوريات، أي نسبة تعادل تقريباً معدل مشاركتهن في سورية قبل الأزمة، وهذا يعني أنّ هناك قِلَّة قليلة من السوريات يعملن في العمل المدفوع الأجر في الأردن في الوقت الحالي.
كما يعمل حالياً أكثر من 40% من السوريين خارج المخيمات في عمّان وإربد والمفرق في مجال البناء، وتُقدَّر النسبة بـ 23% في تجارة الجملة والتجزئة، و12% في التصنيع، و8% في مجال السكن وصناعة الخدمات الغذائية.
وبلغت نسبة مشاركة الأردنيين في العمل 67% بين الرجال ونحو 18% بين النساء في سوق العمل الأردني قبل الأزمة السورية، وفي ذلك الحين كان يقدَّر معدل البطالة بـ 14%، وتُحافظ معدلات المشاركة تلك على مستوياتها في الوقت الحالي، في حين ارتفع معدل البطالة من 14.5 إلى 22.1%، حيث تعرف البطالة ارتفاعاً بين الشباب، وكذا الفئات الأقل تعليماً والأكثر فقراً من السكان.
وتجدر الإشارة بالمقابل إلى أنّ معدلات البطالة ارتفعت تقريباً بنفس الدرجة في عدة دول عربية بسبب نمو عدد السكان وشحّ مناصب الشغل.
هناك أيضاً نقطة مهمة أخرى تتعلَّق بحقيقة أنّ وضع اللاجئين السوريين لا يشمل الحق في العمل في الأردن، ونتيجة لذلك لم يحصل سوى نحو 10% من السوريين على تصاريح عمل رسمية، لذلك يعمل العديد من اللاجئين السوريين غير الحاصلين على تصاريح عمل في الاقتصاد غير الرسمي الذي لا يحكمه قانون العمل الأردني.
وتُبيِّن نتائج المسوحات التي قامت بها منظمة العمل الدولية سنة العام 2015 أنّ السوريين يحصلون على أجور أقلّ ويعملون لساعات أطول، ويمكن أن يتمّ تفسير ذلك بأنّ هؤلاء مستعدّون لقبول الوظائف والأجور التي لن يقبل بها الأردنيون وذلك في المناطق التي يوجد فيها تركُّز كبير للاجئين، وهذا ما يدلّ أيضاً على أنّ هناك منافسة بين اللاجئين وغيرهم من العمال غير الأردنيين.
ومن أسباب ضعف تأثير تدفُّق اللاجئين السوريين على سوق العمل الأردني:
أوَّلاً، يرجع العدد الضئيل للسوريين العاملين في الأردن إلى كون معظم اللاجئين السوريين من النساء والأطفال والذين حتى وإن اشتغلوا فقد فعلوا ذلك بطرق غير رسمية، وبالتالي فقد زاحموا وتنافسوا مع العمال غير الأردنيين بدلاً من الأردنيين.
ثانياً، أدّى الارتفاع الكبير في عدد اللاجئين السوريين إلى خلق طلب على السلع والخدمات، مما أدّى بدوره إلى زيادة الطلب على اليد العاملة.
ثالثاً، مكَّن ارتفاع المساعدات المالية التي منحها الاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية من زيادة فرص العمل للأردنيين، مما أدّى إلى تثبيط أيّ آثار سلبية محتملة لتدفُّق اللاجئين السوريين.
وعلى الرغم من أنّ علامات مزاحمة اللاجئين السوريين للأردنيين قليلة ومتواضعة نسبياً في معظم القطاعات في الوقت الحاضر، إلا أن تقليص المساعدات الإنسانية وتوقيفها قد يشكلان تهديداً خطيراً لسوق العمل الأردني في المستقبل، لأنّه ببساطة لن يجد هؤلاء اللاجئون مخرجاً سوى الانخراط في سوق العمل، حيث سيبقى العديد من السوريين في الأردن لعدة سنوات قادمة لا سيَّما مع فشل العديد من المساعي لحلّ الأزمة السورية التي طال أمدها.
حلول لمواجهة التحدّيات
• ينبغي على الجهات الدولية المانحة المساعدات المالية أن تتعاون مع السلطات الأردنية بشكل جدِّيّ لإنجاز استثمارات هادفة لخلق المزيد من مناصب الشغل للاجئين السوريين وكذا الأردنيين، وذلك من خلال التركيز على المجالات أو الميادين التي تتطلَّب يداً عاملة مُكثَّفة كأعمال الغابات، تحسين البيئة والبنى التحتية، والأعمال المجتمعية والمرافق الصحية.
• لضمان السير الحسن لتلك المشاريع الاستثمارية يجب على السلطات الأردنية إنشاء قاعدة بيانات تتضمَّن معلومات عن المناطق وخاصة الريفية منها التي يجب الاستثمار فيها، وكذا بيانات عن فئات العمال ومتوسط الأجور لكل فئة، ويجب أن تكون تلك البيانات مُفصَّلة بحسب الجنسية والجنس.
• تشجيع المقاولين على توجيه مشروعاتهم الصغيرة والمتوسطة نحو المناطق الريفية، وهذا ما يتطلَّب أيضاً خلق بيئة مواتية لهم في تلك المناطق من خلال إنشاء وتحسين الطرق الريفية، صيانة المدارس، إمدادات المياه والصرف الصحي وما إلى ذلك.
• تشجيع القطاع الخاص على توظيف اللاجئين السوريين في القطاعات التي تستقبل وتشغِّل العمالة المهاجرة من دول أخرى، بالإضافة إلى اتِّخاذ الإجراءات اللازمة للحدّ من تنامي القطاع غير الرسمي وكذا تعزيز التحاق الأطفال السوريين بالمدارس.