يشهد سوق الكتاب في مدينة الإسكندرية صعود ظاهرة بيع الكتاب المستعمل، فقد تخصّصت مكتبات، ومؤخراً معارض، في بيع هذا النوع من الكتب، ولاقت بضاعتها رواجاً كبيراً، حيث تداعى لها المهتمّون بالمعارف وتأثيث المكتبات، ليس لزهد سعرها فحسب، وإنما لما تضمّه من طبعات، بعضها أصبح نادراً، مما تفتقده المكتبات الأخرى.
على عكس باقي الأنشطة المتعلقة بالكتاب، تتنامى هذه التجارة عاماً بعد عام. وبعدما أصبح لها سوقها المعروف في شارع النبي دانيال وسط الإسكندرية، انتقلت إلى أطرافها، والبلدات القريبة منها، بل إن معارض الكتب باتت تهيّئ لها حيّزاً، كان آخرها المعرض الصيفي الذي نظمته "مكتبة الإسكندرية"، من 6 إلى 16 أيلول/ سبتمبر الجاري، بالتعاون مع "الهيئة العامة للكتاب".
يقول، محمود عبد العال، أحد باعة الكتب المستعملة غرب الإسكندرية: "إن بيع الكتاب المستعمل أصبح تجارة رائجة في المدينة، حيث تتوزّع الكتب بين مجالات عديدة من المدرسية إلى الثقافية الدسمة".
ويوضح أنه اكتسب هذه المهنة منذ أربع سنوات، عندما كان يعرض بعض الكتب القديمة على رصيف شارع النبي دانيال. وقتها، استفاد عبد العال من مخالطة المثقفين والتعرّف إليهم وما يبحثون عنه، وإلى الكثير من أسماء المؤلّفات التي لم يكن يسمع بها من قبل، وهو يشير إلى أن سبب استمراره في هذه المهنة ليس "المكسب" فحسب، وإنما حبه للقراءة وعشقه لخدمة محبي الثقافة بتقديم الآلاف من الكتب القديمة والمراجع وغيرها من المطبوعات التي تزداد قيمتها كلما أصبحت قديمة أكثر لتكون في متناولهم.
يعتبر عبد العال أنه اكتسب خبرة في انتقاء الكتب المستعملة وتحديد المميز منها، ويكشف أنه يحصل عليها سواء من بعض دور النشر والمؤسسات، أو من مكتبات أشخاص عاديين، وأن كثيراً من عمليات الشراء تتم بشكل إجمالي ودون تقييم، على أن يعاد تصنيفها في ما بعد حسب السعر الأصلي وأهمية الكتاب، وأن أكثر الإصدارات التي تحظى بالإقبال هي المطبوعات الدينية والأدبية والمقرّرات التعليمية.
من جهته، يرى حازم مسعود، صاحب مكتبة غرب الإسكندرية، أن مواسم معيّنة تنشّط أنواعاً من الكتب المستعملة دون أخرى، لذلك فهو يعمد إلى إخراجها إلى النور بحسب هذه المواسم وترميم بعضها كي تكون صالحة للبيع، ويستفيد منها مُقتنوها.
يضيف: "يتحدّد سعر الكتاب المستعمل مثل أية سلعة تخضع للعرض والطلب"، الأمر الذي يدفعه إلى إعادة ترتيب معروضاته بين فترة وأخرى لجذب انتباه الزبائن الذين يهمّهم اسم الكتاب وحالته.
لكن، وعلى عكس عبد العال، يرى مسعود أن "تجارة الكتاب المستعمل أصبحت تعاني من الكساد وانخفاض الطلب نوعاً ما، بسبب الظروف الاقتصادية، إلى جانب طرح العديد من المؤلفات والكتب العلمية على شبكة الإنترنت، أو طرحها على الأسطوانات المدمجة".
وعن زبائنه، يقول إن أغلبهم إما من الطلاب، أو من المثقفين والصحافيين، وكلهم يحرصون على التعامل معه على مدار العام، خصوصاً أن الكتب المعروضة غير موجودة في المكتبات، وإن وجدت فستكون بأسعار مضاعفة، والكثير منهم يقوم بالحجز المسبق أو الاتفاق معه لإبلاغهم في حال وصول أي كتب جديدة.
يوضّح مسعود أن "الفرق بين الجديد والمستعمل ليس أكثر من الغلاف الخارجي الذي قد يتعرّض إلى بعض التشويه من كثرة استخدامه، أما المحتوى فواحد".
محروس رفعت، الذي يتردّد كثيراً على مكتبات الكتب القديمة، يرى أن هذه الظاهرة ليست جديدة في الإسكندرية، سواء في المكتبات أو على الأرصفة، لكن في الفترة الأخيرة، انتشرت بشكل واضح، حتى أن غالبية معارض الكتاب في مصر باتت تخصّص مكاناً للكتاب المستعمل وغيره من المطبوعات الثقافية القديمة والقيمة في شتى العلوم والمعارف وبمختلف اللغات العربية والأجنبية. ويوضح أن أغلب الكتب التي يجدها عند بائعي الكتاب المستعمل لا تتوفر في أي مكتبة أو مكان آخرين.
يشير رفعت إلى أن محلات الكتب القديمة، أو المستعملة وإن كانت قليلة مقارنة بغيرها من المكتبات الشهيرة، إلا أنها تحظى بإقبال كبير من مختلف الأعمار والشرائح الاجتماعية، بل إن بعضاً منهم تخصّص في تقديم أمهات الكتب للطلاب والدارسين في المعاهد والكليات.
من جهة أخرى، يعتبر حسام عبد القادر، المستشار الإعلامي لـ "مكتبة الإسكندرية"، والمسؤول عن "معرض الكتاب الصيفي" الذي نظمته المكتبة، أن "مشاركة الكتاب المستعمل في أي معرض للكتاب تسهم بشكل كبير في نجاحه وزيادة نسبة المتردّدين عليه، وهو ما يدفع كثيراً من المنظمين إلى الاتصال بالتجار المتخصّصين في بيع الكتاب المستعمل، ودعوتهم إلى المشاركة".
يشير عبد القادر إلى أن "معرض الكتاب الصيفي" نظم هذا العام مهرجاناً للكتاب المستعمل، وحاول أن يبعث فضاء لتبادل الكتب بين الجمهور، وهي فرصة لكي يستفيد الدارسون والباحثون والمثقفون، مما يجعل القراءة متاحة للجميع.