في اليمن المنهك بالحرب، والمكتوي بنار إحدى أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، ثمّة حياة مختلفة تدبُّ في مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت شرقي البلاد، تزامنًا مع ما يسمى بموسم "البلدة"، الذي أعاد شيئا من بريق المدينة المفقود منذ سنوات، فالأجواء السياحية في المدينة هذه الأيام تشعر معها أنك خارج حدود اليمن "الجريح".
و"البلدة" هي تسمية شعبية لموسم مناخي يتخلل فصل الصيف الحار بساحل حضرموت، ويتميز باعتدال درجة الحرارة، وبرودة ماء البحر، الأمر الذي يجعل سواحل حضرموت، وتحديدا مدينة المكلا، مقصدا للاغتسال والاستمتاع بالأجواء الجميلة.
وعلى الرغم من أن التدهور الأمني الذي تشهده البلاد منذ اندلاع ثورة 11 فبراير 2011 قد قتل النشاط السياحي في البلاد، وغاب معه توافد السياح الأجانب، إلا أن الاستقرار النسبي الذي تشهده مدن ساحل حضرموت منذ تحريرها من سيطرة تنظيم القاعدة، في إبريل/نيسان 2016، أعاد السياحة الداخلية إلى الواجهة، في ظل الحرب التي تشهدها المحافظات الشمالية والغربية، واستمرار الصراعات والاختلالات الأمنية في بعض المحافظات المحررة كعدن وغيرها.
وتغري برودة البحر والأجواء الجميلة في مدينة المكلا، خلال موسم البلدة، آلاف المواطنين من المحافظات المجاورة للقدوم إلى المدينة، ويكون البحر المقصد الأول لهؤلاء الزائرين، فمشهد الشواطئ المكتظة بهواة السباحة ومرتادي البحر هو سمة المدينة الأبرز خلال هذا الموسم.
وترافق موسم البلدة غالبًا فعاليات ثقافية وتراثية، ومهرجانات سياحية تعكس الموروث والفولكلور الشعبي، وتتبنى هذه الفعاليات السلطة المحلية والقطاع الخاص.
اقــرأ أيضاً
وما يميز موسم البلدة هذا العام هو تضاعف زوار مدينة المكلا بطريقة غير معهودة، ربما يكون مردها محاولة المواطنين الهروب من أجواء الحرب والمعاناة التي تعيشها البلاد، فضلا عن تزامنها مع الإجازة الصيفية للطلاب.
انتعاش اقتصادي
يعد الصيف، ولاسيما موسم البلدة، فرصة ذهبية لإنعاش مدينة المكلا اقتصاديًا وتجاريًا، إذ تنشط الحركة الفندقية التي تصل إلى 100% في هذا الموسم، ويكون من الصعوبة الحصول على غرفة فندقية أو وحدة سكنية. وقامت "العربي الجديد" بجولة في مدينة المكلا، للتعرف على حجم النشاط الفندقي، من خلال زيارة 10 فنادق، جميعها أفادت بعدم وجود أي غرفة شاغرة خلال موسم البلدة.
ويقول مدير فندق مكة السياحي في مدينة المكلا، عادل العمري، إن الحركة الفندقية خلال موسم البلدة (خلال النصف الثاني من شهر يوليو/تموز الماضي) وصلت إلى 100%، ولم نستطع مواجهة الطلب المتزايد خلال الموسم، بفعل توافد آلاف الزوار من الداخل أو من المغتربين من دول الخليج إلى مدينة المكلا للاستمتاع بأجواء موسم البلدة.
وأشار العمري، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، إلى أن الاعتماد الكلي حاليًا على السياحة الداخلية بعد توقّف السياحة الخارجية، بفعل الحرب والأزمات المتلاحقة منذ عام 2010.
وعن تقييمه للقطاع الفندقي في محافظة حضرموت، يلفت العمري إلى أنه يفتقد للكادر السياحي المؤهل، وكل من يتم استقطابهم حاليا للعمل في قطاع الفندقة بحاجة إلى التدريب والتأهيل.
على الجانب الآخر، تضيق المطاعم المصممة غالبا لاستقبال عدد محدود من العملاء بروادها، ويضاعف أصحابها جهودهم لاستقبال أكبر عدد ممكن خلال موسم البلدة، لكن يبدو أن الاستثمار في هذا القطاع لايزال أقل مما يتطلبه وضع المدينة، سواء خلال الموسم أو طيلة أيام العام.
استثمار الموسم
وتسعى السلطات المحلية في حضرموت إلى استغلال موسم الصيف في تحريك عجلة الاقتصاد واستقطاب استثمارات تنعش المدينة، في ظل محدودية الاعتمادات الحكومية والمخصصة لتقديم الحد الأدنى من الخدمات الأساسية، لكن غالبًا ما تُصدم رغبات المستثمرين بالوضع الأمني العام في البلاد، فضلا عن الإجراءات المعقدة للاستثمار وضعف القدرة الشرائية للمواطن، في ظل ارتفاع معدلات الفقر والتدهور الاقتصادي بفعل الحرب.
وعلى كثرة التحديات الماثلة، نجحت السلطة في استقطاب جزء من الأموال المهاجرة من بوابة الاستثمار في مشاريع متوسطة، كمشروع كرنفال حضرموت الترفيهي الذي يعد أحد أبرز الوجهات المفضلة لزوار المدينة، خلال موسم البلدة لهذا العام، مستفيدا من ندرة أماكن الترفيه في المدينة.
يقول المدير التنفيذي للمشروع، صالح بن الشيخ أبوبكر، إن المشروع البالغ تكلفته مليوني دولار ـ ما يعادل نجو مليار ريال يمني ـ حظي بإقبال واسع ومن مختلف المحافظات، خلال الأيام الماضية.
اقــرأ أيضاً
وأشار أبوبكر، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن المكلا تملك مقومات سياحية، خصوصًا خلال موسم البلدة وأوقات الإجازات، لكن على السلطات المحلية تسهيل إجراءات الاستثمار والتجارة، واستغلال السواحل للترفيه بصورة أفضل، وتوفير السيولة من العملة الصعبة في المحافظة، لتحقيق جدوى اقتصادية أكبر خلال موسم البلدة.
حزمة إجراءات
وبالرغم مما يمثله موسم البلدة من فرصة لإنعاش الحركة الاقتصادية في محافظة حضرموت، إلا أن مختصين يرون أن جهود السلطات المحلية لاتزال أقل من المطلوب، وبحاجة إلى حزمة إجراءات تعود فائدتها على المواطن والقطاع التجاري والسياحي.
وفي هذا السياق، يقول أستاذ المالية المشارك في جامعة حضرموت، عوض عصب، إن استغلال المواسم السنوية للفصول المناخية كبداية ونهاية كل فصل، تقليد متعارف عليه في كثير من البلدان العربية، لما له من مردود اقتصادي على المستوى الكلي للبلاد وتنشيط الحركة السياحية وتزايد حركة التداول النقدي، فضلاً عن بروز أسواق جديدة في المدينة للفترة الزمنية المحددة للموسم.
ويضيف عصب، في حديثه لـ"العربي الجديد": لكن السؤال المهم يتمثل في هل استغلت السلطة المحلية موسم البلدة للمساهمة في الحركة الاقتصادية والتجارية؟ الجواب: "لا".
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن تحقيق جدوى اقتصادية أكبر خلال موسم البلدة يتطلب من السلطة المحلية حزمة إجراءات تتمثل في ضخ مبالغ مالية بصورة جزئية للسوق، من خلال تبني مهرجانات للأطفال والشباب، لتتحول تلك الأموال لاحقا إلى مشتريات تنعش به الجانب التجاري، إلى جانب البحث عن بدائل لتوصيل سيولة نقدية إلى أيادي الفقراء في الريف، من خلال عرض عاداتهم ومنتجاتهم في المدن خلال الموسم.
في ذات الإطار، يطالب عصب بالتنسيق مع فرق شعبية أو بيوت خاصة لتقديم وجبات صباحية أو مسائية تقليدية لترويج الأكلات الشعبية، لتحسين وضع الأسر الفقيرة من خلال حصولها على دخل إضافي.
وعن دور القطاع الخاص في إنعاش الحركة الاقتصادية خلال الموسم، يرى أستاذ المالية أن هذا القطاع لا يغامر إلا إذا كانت هناك إشارات وبوادر واضحة لتحقيق الربح. ولتحقيق ذلك، وفقا لعصب، على السلطة المحلية وضع برامج مشتركة بين القطاع الخاص والحكومة، وتتعهد الأخيرة بضخ الأموال وتبني جزء من برامج الموسم، من خلال تكليف مؤسساتها الإيرادية.
وعلى الرغم من أن التدهور الأمني الذي تشهده البلاد منذ اندلاع ثورة 11 فبراير 2011 قد قتل النشاط السياحي في البلاد، وغاب معه توافد السياح الأجانب، إلا أن الاستقرار النسبي الذي تشهده مدن ساحل حضرموت منذ تحريرها من سيطرة تنظيم القاعدة، في إبريل/نيسان 2016، أعاد السياحة الداخلية إلى الواجهة، في ظل الحرب التي تشهدها المحافظات الشمالية والغربية، واستمرار الصراعات والاختلالات الأمنية في بعض المحافظات المحررة كعدن وغيرها.
وتغري برودة البحر والأجواء الجميلة في مدينة المكلا، خلال موسم البلدة، آلاف المواطنين من المحافظات المجاورة للقدوم إلى المدينة، ويكون البحر المقصد الأول لهؤلاء الزائرين، فمشهد الشواطئ المكتظة بهواة السباحة ومرتادي البحر هو سمة المدينة الأبرز خلال هذا الموسم.
وترافق موسم البلدة غالبًا فعاليات ثقافية وتراثية، ومهرجانات سياحية تعكس الموروث والفولكلور الشعبي، وتتبنى هذه الفعاليات السلطة المحلية والقطاع الخاص.
وما يميز موسم البلدة هذا العام هو تضاعف زوار مدينة المكلا بطريقة غير معهودة، ربما يكون مردها محاولة المواطنين الهروب من أجواء الحرب والمعاناة التي تعيشها البلاد، فضلا عن تزامنها مع الإجازة الصيفية للطلاب.
انتعاش اقتصادي
يعد الصيف، ولاسيما موسم البلدة، فرصة ذهبية لإنعاش مدينة المكلا اقتصاديًا وتجاريًا، إذ تنشط الحركة الفندقية التي تصل إلى 100% في هذا الموسم، ويكون من الصعوبة الحصول على غرفة فندقية أو وحدة سكنية. وقامت "العربي الجديد" بجولة في مدينة المكلا، للتعرف على حجم النشاط الفندقي، من خلال زيارة 10 فنادق، جميعها أفادت بعدم وجود أي غرفة شاغرة خلال موسم البلدة.
ويقول مدير فندق مكة السياحي في مدينة المكلا، عادل العمري، إن الحركة الفندقية خلال موسم البلدة (خلال النصف الثاني من شهر يوليو/تموز الماضي) وصلت إلى 100%، ولم نستطع مواجهة الطلب المتزايد خلال الموسم، بفعل توافد آلاف الزوار من الداخل أو من المغتربين من دول الخليج إلى مدينة المكلا للاستمتاع بأجواء موسم البلدة.
وأشار العمري، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، إلى أن الاعتماد الكلي حاليًا على السياحة الداخلية بعد توقّف السياحة الخارجية، بفعل الحرب والأزمات المتلاحقة منذ عام 2010.
وعن تقييمه للقطاع الفندقي في محافظة حضرموت، يلفت العمري إلى أنه يفتقد للكادر السياحي المؤهل، وكل من يتم استقطابهم حاليا للعمل في قطاع الفندقة بحاجة إلى التدريب والتأهيل.
على الجانب الآخر، تضيق المطاعم المصممة غالبا لاستقبال عدد محدود من العملاء بروادها، ويضاعف أصحابها جهودهم لاستقبال أكبر عدد ممكن خلال موسم البلدة، لكن يبدو أن الاستثمار في هذا القطاع لايزال أقل مما يتطلبه وضع المدينة، سواء خلال الموسم أو طيلة أيام العام.
استثمار الموسم
وتسعى السلطات المحلية في حضرموت إلى استغلال موسم الصيف في تحريك عجلة الاقتصاد واستقطاب استثمارات تنعش المدينة، في ظل محدودية الاعتمادات الحكومية والمخصصة لتقديم الحد الأدنى من الخدمات الأساسية، لكن غالبًا ما تُصدم رغبات المستثمرين بالوضع الأمني العام في البلاد، فضلا عن الإجراءات المعقدة للاستثمار وضعف القدرة الشرائية للمواطن، في ظل ارتفاع معدلات الفقر والتدهور الاقتصادي بفعل الحرب.
وعلى كثرة التحديات الماثلة، نجحت السلطة في استقطاب جزء من الأموال المهاجرة من بوابة الاستثمار في مشاريع متوسطة، كمشروع كرنفال حضرموت الترفيهي الذي يعد أحد أبرز الوجهات المفضلة لزوار المدينة، خلال موسم البلدة لهذا العام، مستفيدا من ندرة أماكن الترفيه في المدينة.
يقول المدير التنفيذي للمشروع، صالح بن الشيخ أبوبكر، إن المشروع البالغ تكلفته مليوني دولار ـ ما يعادل نجو مليار ريال يمني ـ حظي بإقبال واسع ومن مختلف المحافظات، خلال الأيام الماضية.
وأشار أبوبكر، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن المكلا تملك مقومات سياحية، خصوصًا خلال موسم البلدة وأوقات الإجازات، لكن على السلطات المحلية تسهيل إجراءات الاستثمار والتجارة، واستغلال السواحل للترفيه بصورة أفضل، وتوفير السيولة من العملة الصعبة في المحافظة، لتحقيق جدوى اقتصادية أكبر خلال موسم البلدة.
حزمة إجراءات
وبالرغم مما يمثله موسم البلدة من فرصة لإنعاش الحركة الاقتصادية في محافظة حضرموت، إلا أن مختصين يرون أن جهود السلطات المحلية لاتزال أقل من المطلوب، وبحاجة إلى حزمة إجراءات تعود فائدتها على المواطن والقطاع التجاري والسياحي.
وفي هذا السياق، يقول أستاذ المالية المشارك في جامعة حضرموت، عوض عصب، إن استغلال المواسم السنوية للفصول المناخية كبداية ونهاية كل فصل، تقليد متعارف عليه في كثير من البلدان العربية، لما له من مردود اقتصادي على المستوى الكلي للبلاد وتنشيط الحركة السياحية وتزايد حركة التداول النقدي، فضلاً عن بروز أسواق جديدة في المدينة للفترة الزمنية المحددة للموسم.
ويضيف عصب، في حديثه لـ"العربي الجديد": لكن السؤال المهم يتمثل في هل استغلت السلطة المحلية موسم البلدة للمساهمة في الحركة الاقتصادية والتجارية؟ الجواب: "لا".
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن تحقيق جدوى اقتصادية أكبر خلال موسم البلدة يتطلب من السلطة المحلية حزمة إجراءات تتمثل في ضخ مبالغ مالية بصورة جزئية للسوق، من خلال تبني مهرجانات للأطفال والشباب، لتتحول تلك الأموال لاحقا إلى مشتريات تنعش به الجانب التجاري، إلى جانب البحث عن بدائل لتوصيل سيولة نقدية إلى أيادي الفقراء في الريف، من خلال عرض عاداتهم ومنتجاتهم في المدن خلال الموسم.
في ذات الإطار، يطالب عصب بالتنسيق مع فرق شعبية أو بيوت خاصة لتقديم وجبات صباحية أو مسائية تقليدية لترويج الأكلات الشعبية، لتحسين وضع الأسر الفقيرة من خلال حصولها على دخل إضافي.
وعن دور القطاع الخاص في إنعاش الحركة الاقتصادية خلال الموسم، يرى أستاذ المالية أن هذا القطاع لا يغامر إلا إذا كانت هناك إشارات وبوادر واضحة لتحقيق الربح. ولتحقيق ذلك، وفقا لعصب، على السلطة المحلية وضع برامج مشتركة بين القطاع الخاص والحكومة، وتتعهد الأخيرة بضخ الأموال وتبني جزء من برامج الموسم، من خلال تكليف مؤسساتها الإيرادية.