يشعر سائق سيارة الأجرة الجزائري، أحمد سالمي، بالاطمئنان إلى الحالة التي صارت عليها سيارته من نوع بيجو طراز 806، ذات الثمانية مقاعد والتي تم إنتاجها عام 2000، منذ أن استبدل محركها القديم في سبتمبر/أيلول الماضي بآخر يصفه بأنه "جديد قديم"، إذ يعود إلى سيارة أخرى ذات ترقيم فرنسي من النوع نفسه، في مقايضة مع جزائري مقيم في مرسيليا، جعلته ينضم إلى قائمة "المحظوظين"، كما يصفهم لـ"العربي الجديد"، موضحا أنه لم يكن يصدق أن يستطيع تأمين محرك أو قطع غيار"أصلية" لمركبته القديمة بهذا السعر، بعد أن تطلب الأمر إصلاح المحرك أكثر من مرة سنويا أو استبدال قطعه بأخرى مستوردة وغالية الثمن.
لم يتجاوز عداد المحرك الجديد 70 ألف كلم، على عكس محرك سيارة أحمد السابق الذي فاق 300 ألف كلم، ما جعل بإمكانه التخلص من صداع أعطاب المحرك لفترة تصل إلى 3 سنوات على الأقل في مقابل مبلغ 60 ألف دينار (550 دولارا أميركيا).
وتعد سيارة أحمد واحدة من 214.287 سيارة في الجزائر يتراوح عمرها بين 15 و19 سنة، حسب إحصاء أجراه الديوان الوطني للإحصاء في عام 2014، ويذكر الإحصاء أن 2.677.746 سيارة في الجزائر يزيد عمرها عن عشرين عاما، أي ما يعادل 49 بالمائة من حجم السيارات في الجزائر، الذي وصل نهاية 2014 إلى 5.425.558 مركبة، وارتفع في عام 2015 إلى 5.683.156 سيارة، بحسب إحصاء صادر عن وزارة النقل.
وتشير الإحصاءات، التي حصل عليها "العربي الجديد" من وزارة النقل، إلى أنه حتى نهاية عام 2016، بلغ عدد السيارات في الجزائر 8.3 ملايين مركبة، 53 بالمائة منها متوسط عمرها دون 10 سنوات، و37 بالمائة يفوق عمرها 20 عاما، وهو ما يعد سببا رئيسيا لازدهار سوق المحركات المستعملة، التي يأتي بها المهاجرون الجزائريون في أوروبا، أو التي تدخلها شبكات التهريب بعيدا عن أعين الجمارك الجزائرية التي شددت في منتصف عام 2016، من دائرة العقوبات للمتهربين جمركيا ممن يحاولون إدخال المحركات وقطع الغيار المستعملة والتي تمثل 35% من إجمالي القطع المستورد، بحسب إفادة فارس مسدور، الأستاذ في جامعة البليدة (سعد دحلب) والخبير الاقتصادي المهتم بسوق السيارات.
ويبحث السائقون الجزائريون عن محركات وقطع غيار مستعملة بالخارج خاصة في فرنسا، بسبب اعتقادهم بجودة المركبات هناك مقارنة بتلك التي تصدّر للجزائر ولدول العالم الثالث، وفق ما أوضحه لـ"العربي الجديد" أستاذ الاقتصاد في جامعة البليدة، كمال رزيق.
كيفية الحصول على محرك فرنسي
نجح الثلاثيني، علاوة هادف، في استبدال محرك سيارته من نوع "ستروين" التي تم إنتاجها عام 2001 بآخر فرنسي، عبر ميكانيكي عرّفه على مهاجر يعمل في بيع محركات السيارات المستعملة، دخل الجزائر الصيف الماضي، وحصل هادف على محرك سيارته بـ80 ألف دينار (731 دولارا)، وبلغ إجمالي التكاليف بالإضافة إلى قيمة أجرة يد الميكانيكي 200 ألف دينار ( 1829 دولارا).
ويعد فصل الصيف أكثر المواسم رواجا لتجارة استبدال المحركات، إذ يعود الكثيرون من المهاجرين الجزائريين في أوروبا إلى أرض الوطن لقضاء عطلهم الصيفية، خاصة المقيمين بفرنسا التي يقيم بها 3 ملايين جزائري حسب تقارير غير رسمية.
غير أن أرقام المعهد الفرنسي للإحصاءات والدراسات الاقتصادية، الصادرة في سبتمبر/أيلول الماضي، تقول إن عددهم لا يزيد عن 460 ألف شخص، وذلك دون احتساب الجزائريين المولودين في فرنسا الذين لم يطلبوا الحصول على جنسيتهم الأصلية.
ودخل إلى الجزائر 1.4 مليون مسافر و379.372 سيارة على مستوى المراكز الحدودية البرية و362.355 مسافراً و109.005 سيارات عبر الموانئ في صيف 2016، وفق ما كشفه لـ"العربي الجديد"، نائب مدير الإعلام بالمديرية العامة للجمارك بوزيد حسين.
وخلال تلك الفترة، كانت ورشة الميكانيكي، فارس سعدي، مقصدا للمهاجرين الذين يبيعون محركاتهم خلال الصيف. يشرح سعدي الأمر قائلا "استبدال قطع الغيار لا يقتصر على المحرك بل يمس أجزاء أخرى من المركبة، عدا الرقم التسلسلي الذي يسجل في رخصة السيارة الجزائرية وبالطبع لا نقترب منه".
وتختلف تكلفة عملية استبدال المحرك، وفقا لعوامل أهمها الشركة المنتجة للسيارة ونوع محركها وعدد الأجزاء التي يتم استبدالها، وبحسب ما استقاه معد التحقيق من مشتغلين في ميكانيك السيارات، فإنهم يغيرون 5 محركات شهريا، ولا ينكر حكيم بن عباس، رئيس وكالة مطابقة السيارات الحكومية في مركز براقي في العاصمة الجزائر، أنه هو وزملاؤه ممن يشرفون على معاينة السيارات التي تستبدل محركاتها يرصدون سيارات غيرت بمحركات مستعملة ذات ترقيم فرنسي.
ويؤكد لـ" العربي الجديد" أن هؤلاء يقومون بمخالفة قانونية لأن أي تغيير للمحرك يجب أن يعرض من جديد على هيئته المخولة بإعطاء المطابقة القانونية لهذا التبديل في وثائق السيارة، ولا توافق على ذلك إلا بعد تقديم صاحب السيارة فاتورة من الميكانيكي الذي قام بعملية تبديل المحرك، وترفض أي عملية تبديل دون وثائق لأن مافيا سرقة السيارات تستغل ذلك لمواصلة جرائمها.
وكشفت إحصائيات رسمية عن مصلحة الجمارك في 2015، أن مصالح الجمارك الجزائرية بالمديرية الجهوية في تبسة، تحوز حاليا في المحاشر البلدية أكثر من 4 آلاف سيارة، بينها شاحنات وسيارات رباعية الدفع وسيارات فاخرة مطلوبة من الإنتربول لاسترجاعها. واكدت مصادر متطابقة من هيئة الجمارك أن هذه المركبات بينها قائمة سيارات مطلوبة من قبل الشرطة الدولية في بلاغات منشورة لأكثر من 10 سنوات، بعدما تعرضت للسرقة في أوروبا، وتم تهريبها إلى الجزائر، ليتم استبدال محركاتها بأخرى.
ويوضح حكيم بن عباس أن عدم التصريح بتبديل محرك السيارة، يعرض مالكها لعقوبات أقلها تهمة القيام بتجارة غير قانونية، مشيرا إلى أن عدم تضمن الرخصة لرقم المحرك سهل من مهمة الراغبين في استبدال محركات سيارتهم بأخرى.
وبحسب ما استقاه معد التحقيق من تجار بيع قطع الغيار بتجلابين في ولاية بومرداس، فإن من يغيرون محركاتهم بشكل غير قانوني يلجأون إما إلى الحصول على فاتورة مزورة، عبر صاحب محل لبيع قطع الغيار متواطئ معهم، أو عدم التبليغ عن التبديل لدى عرض السيارة على مركز المراقبة التقنية.
ولا ينكر رئيس جمعية حماية المستهلك، مصطفى زبدي، الفراغ القانوني الموجود في عدم وجود رقم المحرك في رخصة السيارة، مما ساهم في انتشار هذه الظاهرة، لكنه يقلل من حجمها لأنها تتم في الغالب بين الأقارب والمعارف والأصدقاء، حسب ما قاله لـ"العربي الجديد"، لكن الخبير، فارس مسدور، يخالفه الرأي، قائلا "توجد مافيا مستفيدة من هذا الفراغ القانوني تجني المليارات من عمليات تهريب المحركات وقطع الغيار المستعمل وتسويقها في السوق الوطنية".
سيارات الأجرة الأكثر طلباً
يقصد مهاجرون محطات تجمع سيارات الأجرة من أجل عرض محركاتهم للبيع، نظرا لإقدام أصحاب هذه المهنة على استبدال المحركات بكثرة لتنقلهم المستمر لمسافات طويلة، وفق ما رواه إبراهيم حاج، سائق سيارة أجرة لـ"العربي الجديد".
وأرجع حسين آيت إبراهيم، رئيس النقابة الوطنية لسائقي سيارات الأجرة، في حديثه مع "العربي الجيد"، ذلك إلى قدم المركبات، وعدم قدرة أصحابها على اقتناء سيارات جديدة، إذ إن عمر 100 ألف سيارة أجرة في الجزائر يفوق 10 سنوات وهي تمثل نصف العدد الإجمالي لسيارات الأجرة في الجزائر.
وأضاف أن هذه الظاهرة تزداد في المناطق الحدودية فقط، لأن باقي السائقين يلجؤون إلى محلات بيع قطع الغيار المستعمل، وهو ما أكده أغيلاس حمدان، صاحب محل في سوق قطع الغيار المستعمل بتجلابين بولاية بومرداس شرق العاصمة الجزائر.
محركات مغشوشة
لا ينفي التاجر آكلي مولود صاحب محل قطع غيار مستعملة بسوق تجلابين، وقوع كثير من السائقين في أفخاخ بعض المهاجرين وشبكات التهريب، التي تبيع محركات أقل جودة أو مغشوشة، بالنظر إلى أن عمليات التبديل تتم خارج القانون في إطار تجارة موازية، إضافة إلى صعوبة العودة إلى صاحب المحرك الأول، إذ تقتصر علاقة الطرفين على عملية المبادلة، وبعدها يعود المبدّل إلى المهجر حيث يقيم، كما أنه لا ضمان لما بعد البيع، لأي أعطال مفاجئة تظهر في هذه المحركات.
وتبقى السيارات ذات العلامات الفرنسية الأكثر تبديلا، كونها الأكثر مبيعا في السوق الجزائرية، حسب أرقام وزارة التجارة والمركز الوطني للإعلام الآلي والإحصاء التابع للمديرية العامة للجمارك، إذ تم استيراد 93824 سيارة فرنسية في 2015، بينما وصل العدد في عام 2016 إلى 32166 بسبب انخفاض كمية السيارات المستوردة بعد أن قررت الحكومة تخفيض كمية السيارات المستوردة ضمن خطة التقشف الهادف إلى تقليص فاتورة الواردات.
ولا ينكر يوسف زواق، مدير المبيعات لدى وكالة سيارات، في حديثه مع "العربي الجديد"، إغراق السوق بالمحركات وقطع الغيار الرديء داعيا إلى حشد جميع الأطراف "لمحاربة هذه الظاهرة التي تشكل خطرا على المواطن ومركبته معا".
سوق نشطة ومهربون أبطالها
بالنسبة للتاجر، سعيد مجدي، فإن البحث عن المحركات ذات الترقيم الأجنبي أو قطع غيار مستعملة سيبقى رائجا، لأن سعر المحرك المستعمل يتوافق مع القدرة الشرائية للجزائريين الذين يملكون في غالبهم سيارات قديمة.
ولا تتوفر أرقام رسمية حول حجم قطع الغيار المستعملة، والتي تضم المحركات المتداولة في السوق الجزائرية، غير أن حاج الطاهر بولنوار، رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين (تجمع لكل قطاعات التجارة بما فيها قطع الغيار والسيارات) قال لـ"العربي الجديد" إنها تمثل 40 بالمائة من الحجم الإجمالي لقطع الغيار، بقيمة تصل 40 مليار دينار (أكثر من 37 مليون دولار) وفق ما تنقله التقارير الدورية للجمعية، ويتفق الخبير الاقتصادي، فارس مسدور، مع حاج الطاهر، في أن قطع الغيار المستعملة تمثل 40 بالمائة من الحجم الإجمالي لقطع الغيار المتداولة في السوق الجزائرية.
وتلقى عمليات تهريب المحركات رواجا في أسواق المناطق الحدودية، مثل سوق عين مليلة بأم البواقي شرق البلاد، بحسب ما ذكره البائع أغيلاس والنقابي حسين آيت إبراهيم، ولم تقدم خلية الإعلام للجمارك الجزائرية قيمة لحجم المحجوزات من قطع الغيار المستعمل بعد محاولات عديدة من معد التحقيق للحصول عليها، إلا أن تقارير الهيئات المختصة تذكر، على سبيل المثال، حجز الجمارك في سبتمبر/أيلول 2015 بأم البواقي ما قيمته 209 آلاف دينار (1953 دولاراً) من قطع الغيار، منها 9 محركات. وبتاريخ 2 فبراير/شباط المنصرم، أطاحت مصالح الدرك بشبكة لسرقة المركبات والتزوير ببلدية برهوم بالمسيلة وبعض الولايات الحدودية، وحجزت كمية كبيرة من قطع الغيار المستعملة من مختلف الأنواع والأصناف.
وفي تبسة، أحبطت مصالح الأمن محاولة تهريب محركات وقطع غيار بقيمة مالية تفوق 3 ملايين دينار (أكثر من 28 ألف دولار)، كما أحبطت مفتشية أقسام الجمارك في يناير/كانون الثاني الماضي في سكيكدة محاولة تهريب كميات من قطع الغيار على متن باخرة قادمة من ميناء مرسيليا.
الإنتاج المحلي المخرج الوحيد
تكشف نعيمة صويلح، المكلفة بالإعلام في وزارة الصناعة والاستثمار لـ"العربي الجديد" أن الوزارة تعمل على القضاء على سوق قطع الغيار المستعملة، تدريجيا، من خلال دفتر شروط جديد سيفرج عنه قريبا. وقالت صويلح إن دفتر الشروط الجديد من شأنه التقليل من فاتورة قطع الغيار المستوردة المقدرة سنويا بـ800 مليون دولار.
وأوضحت أن الوزارة تعمل على وضع حد لفوضى قطع الغيار المستعملة من خلال مصانع تركيب السيارات التي تقام محليا، إذ إن كل علامة ملزمة بتوفير 40 بالمائة من قطع الغيار في السوق المحلية بعد 5 سنوات من بداية عملها.
غير أن محمد موسى، صاحب سيارة الأجرة، لن ينتظر تجسيد هذه الوعود، إذ يبحث عن محرك فرنسي يستبدل به الموجود في سيارته ذات العشرين عاما، آملا أن يكون الصيف المقبل فرصة لتحقيق ذلك.