سيارات الدعم السريع المسلحة... الطريق إلى السودان يبدأ من الإمارات
ساحات العرض في الإمارات
تكشف بيانات مالية مسربة عن شبكة مشتريات واسعة لأغراض مدنية وعسكرية لصالح قوات الدعم السريع، بقيمة بلغت 148.2 مليون درهم إماراتي (40.38 مليون دولار أميركي)، وتضمنت المشتريات، التي جرت في النصف الأول من عام 2019، (1046) سيارة، وفق ما يظهر في بنود كشف محاسبي مسرب يخص قوات الدعم السريع، ويكشف عن دور بارز للقوني حمدان، شقيق قائد قوات الدعم السريع الفريق حميدتي، في إدارة الشبكة وشركاتها والتي تتبعتها مؤسسة "غلوبال ويتنس" البريطانية عبر وثائق حصلت عليها، وأخرى من صفحة "البعشوم" السودانية الساخرة على "فيسبوك".
ويحصي الكشف المحاسبي 69 عملية شراء للسيارات، بقيمة 111.1 مليون درهم (30.22 مليون دولار)، من 12 شركة في دولة الإمارات العربية، من بينها على سبيل المثال مدينة السيارات، ونوبل إنترناشونال، والكرامة موتورز وغسان عبود للسيارات.
وبمراجعة مواقع الشركات، ظهرت إعلاناتها عن نفس السيارات الواردة وأغلبها من طرازي تويوتا لاندكروزر وهايلوكس، وعلى سبيل المثال، يذكر أحد البنود شراء 50 شاحنة بيك أب تويوتا لاند كروزر، لونها "بيج" من شركة الكرامة موتورز. وبالفعل تظهر مركبات بهذه المواصفات في صور لمعرض الشركة، التي نفت بيع مركباتها إلى قوات الدعم السريع مؤكدة أن البيع تم لمشترين مدنيين.
وتؤكد عشرة ردود على مراسلات، جرت مع بائعي السيارات، أن الشركات لم تتعامل مع قوات الدعم السريع، وإنما مع مشترين مدنيين، وهو ما ينفي علاقتها بما جرى للسيارات بعد ذلك في السودان. بينما أفادت بعض الشركات بأنها نفذت عمليات بيع محددة تطابقت تفاصيلها مع خمس عمليات شراء واردة في الكشف، وهو ما يؤكد صحته.
الطريق إلى السودان
يوثق مقطع مصور تم نشره على فيسبوك، في مارس/آذار 2019، العشرات من عربات تويوتا قبل شحنها من الإمارات إلى السودان، ويقول مصور الفيديو إن شركة الشحن أخبرته أنها لصالح قوات الدعم السريع، وتكشف البيانات المسربة التي بحوزة "العربي الجديد" عن ثلاث عمليات شحن في الشهر ذاته، ضمت 297 سيارة، وعبر استخدام برنامج الخرائط "غوغل إيرث" تم تحديد موقع التصوير، ليتضح أنه بالقرب من منطقة القصيص الصناعية في دبي، بالإضافة إلى ذلك، تظهر على العديد من العربات، المصورة في المقطع، لاصقة بطاقة كفاءة استهلاك الوقود الخاصة بهيئة التقييس الخليجية، والتي أصبحت إلزامية في دولة الإمارات منذ عام 2017، وبفحص حسابات مرتبطة بقوات الدعم السريع على مواقع التواصل و100 مقطع مصور، تظهر العديد من المركبات التي تحمل نفس البطاقة، على سيارات من نفس الأنواع، في مقاطع نُشرت بعد مذبحة القيادة العامة تظهر مواكب لقوات ترتدي ملابس الشرطة أو الدعم السريع في الخرطوم.
ويحوي الكشف المسرب تفاصيل عن 18 رحلة تمت بين فبراير/شباط ويونيو/حزيران 2019، بكلفة بلغت نحو مليوني درهم (540 ألف درهم). أحد بنود الكشف ينص على شحن 75 سيارة على متن عبارة "الكرامة" في 23 مارس/آذار.
ويظهر في صور السيارات المنشورة على فيسبوك، لاصق كتبت عليه بيانات "مركز خدمات البحر الأحمر"، وهي شركة شحن مقرها المملكة العربية السعودية، ووفقا لصفحة الشركة على "فيسبوك"، فإن إحدى سفن الشحن التي تستخدمها هي سفينة الكرامة، والتي تكشف قواعد بيانات "مارين ترافيك" عن أرشيف أنشطتها، ومن بينها رحلة تطابق نفس التاريخ من ميناء جدة إلى ميناء سواكن في السودان. لكن شركة البحر الأحمر نفت معرفة أي معلومات عن استخدام المركبات التي تنقلها.
بند آخر في الكشف المحاسبي يُظهر أنه تم سداد رسوم شحن 53 سيارة في 6 يونيو 2019. ويتوافق هذا المدى الزمني مع وثيقة شحن متداولة على مواقع التواصل، يظهر فيها أن نفس عدد السيارات تم شحنه في 27 مايو/أيار، على السفينة "ميدلينك"، مع إدراج "قوات الدعم السريع - وزارة الدفاع" بخانة المرسل إليه، ووفق ما جاء في أرشيف رحلات "ميدلينك"، فإنها قامت بالرحلة في نفس التاريخ.
وفي الأشهر الأولى من 2019، تداول سودانيون، عبر مواقع التواصل، صورا تظهر ناقلات عربات محملة بسيارات تويوتا، وتحمل بعضها لوحة الأرقام المميزة لقوات الدعم السريع. ويؤكد شاهد عيان، فضّل عدم الكشف عن هويته، أنه التقط إحدى هذه الصور بنفسه، بينما تؤكد خرائط "غوغل إيرث"، أن مكان التقاطها في الخرطوم.
سيارات مميزة
خمس سيارات فارهة من طراز تويوتا لاندكروزر VXR 5.7L هي أغلى العربات التي اشترتها قوات الدعم السريع، بقيمة مليون و390 ألف درهم (سعر السيارة نحو 76 ألف دولار)، في إبريل/نيسان 2019. ويكشف مقطع مصور، في سبتمبر/أيلول 2019، الفريق حميدتي وهو يخرج من سيارة من الطراز ذاته.
وتوثق البيانات المسربة شراء شاحنات "هينو. زد. إس"، وكذلك مئات أجهزة اللاسلكي من نوعي إيكوم وهيتيرا بقيمة بلغت 1.2 مليون درهم (330 ألف دولار). ومن خلال البحث في حسابات أفراد قوات الدعم السريع على مواقع التواصل، أمكن العثور على صور تبدو فيها هذه المشتريات في حوزة مقاتلين.
ونفت إيكوم وهينو أن تكونا قد باعتا منتجاتهما بشكل مباشر إلى الدعم السريع، كما قالت تويوتا في ردها إنها تتبع سياسة صارمة "لمنع تحويل المنتجات إلى الاستخدام العسكري غير المصرح به".
ما هو مصدر الأموال؟
يوضح الكشف المحاسبي بالمجمل تدفق الأموال عبر ثمانية تحويلات، وُصفت جميعها بأنها "إيداع من الدعم الفني"، من دون تحديد المُرسل، وهو ما يعلق عليه الخبير الأمني تيراب أبكر تيراب، قائلا لـ"العربي الجديد" إن الشؤون المالية الخاصة بالدعم السريع يشوبها الغموض، وقد يرجع ذلك لطبيعة نشأة تلك القوات، إذ لجأ البشير إلى إنشاء قوات قبلية في دارفور يمكنها مقاتلة الحركات المسلحة، وحميدتي كان تاجراً قبل إنشاء القوات".
ولم ينص القانون الصادر عام 2017، والذي ضم الدعم السريع للجيش بوضوح، على منعها من الأنشطة الاقتصادية المستقلة، كما قال تيراب.
وبينما أوضح حميدتي، في إبريل/نيسان 2019، أن قواته قدمت ملياراً و27 مليون دولار للحكومة السودانية، مصدرها مدفوعات قواته في الخارج، وكذلك أعمال تخص الدعم السريع، يعلق الخبير تيراب بأن رواتب المجندين في حرب اليمن تصلهم عبر وزارة الدفاع داخل السودان، لكن لا تتوافر أية معلومات محددة عن وجود مدفوعات أخرى ترتبط بحرب اليمن أو غيرها.
موقف الجيش السوداني
ينفي المتحدث باسم الجيش السوداني العميد عامر محمد الحسن أي علم له بامتلاك الدعم السريع لحساب بنكي في دولة الإمارات، أو شبكة مشتريات منفصلة، مؤكدا أن مشتريات الدعم السريع كافة تتم عبر القنوات الرسمية للجيش السوداني.
وتابع موضحا: "إذا احتاجت قوات الدعم السريع لأجهزة لاسلكي فإنها تقدم طلبا لسلاح الإشارة، وبالمثل إذا احتاجوا سيارات فيقدمون طلباً للجهة المعنية في الجيش"، بينما لم تتجاوب قوات الدعم السريع للحصول على تعليقها.
دور الرائد القوني دقلو
تكشف البيانات التي بحوزة "العربي الجديد" عن الدور الرئيسي الذي يلعبه القوني حمدان دقلو، شقيق الفريق حميدتي، عبر "شركات واجهة". إذ يظهر في أحد بنود الكشف تسليم مبلغ 33 ألف دولار إلى القوني، مع كتابة ملاحظة بأن التحويل لصالح "جي.إس.كيه أدفانس"، وهي شركة نظم معلومات مقرها السودان، ويترأسها القوني، وفقا لتأكيد مصادر على دراية بأنشطة الشركة. وتدعم هذه المعلومة نسخة أرشيفية من موقع الشركة المحذوف، تذكر بأن القوني هو الرئيس التنفيذي.
ويؤكد مصدران أن القوني يحمل رتبة رائد بقوات الدعم السريع، وأنه مسؤول عن عمليات المشتريات الخاصة في القوات. وبينما لم يرد القوني، أمكن إيجاد نسخة أولية للموقع الرسمي لقوات الدعم السريع على نطاق فرعي تابع للشركة.
وبالعمل على تحليل معلومات البنية التحتية للإنترنت، يتضح أن عددا محدودا من المواقع تحمل خوادمها نطاق "جي.إس.كيه"، ويرتبط معظمها بنفس عنوان "آي بي"، والعديد منها يبدو على علاقة بالشبكة، مثلا "جي.إس.كيه كونتراكتنج" هو اسم شركة مقاولات ظهرت كمنفذ لمدارس تموّل قوات الدعم السريع بناءها في السودان.
نطاق آخر على خادم "جي.إس.كيه" هو "تراديف.كوم" وهو ما يُرجح أنه يشير لشركة "تراديف للتجارة العامة"، وهي الشركة التي أفادت شركتان مذكورتان بالكشف المحاسبي أن سداد المدفوعات جرى عبرها.
حصلت "غلوبال ويتنس" على فواتير وشيكات توثق سداد "تراديف" لأكثر من 20 مليون درهم لشراء مئات السيارات، وتم السداد من حساب الشركة في بنك النيلين فرع أبوظبي.
وتكشف وثائق تسجيل شركة تراديف بدائرة التنمية الاقتصادية في دبي، أن القوني دقلو، شقيق حميدتي، والرئيس التنفيذي لـ"جي.إس.كيه"، هو نفسه المدير الوحيد لتراديف، والتي تتوزع ملكيتها بين 49% للقوني و51% لشريك إماراتي. ويشترط القانون الإماراتي على الأجانب الذين يؤسسون شركات بمسؤولية محدودة أن يكون لديهم كفيل إماراتي يملك 51% من الشركة. ووفقا لشركة قامت بفحص متخصص، ليس للكفيل الإماراتي تدخل بإدارة أعمال "تراديف".
ولم ترد الشركة على المراسلات، بينما تؤكد وثائق بنكية تبادل تحويلات بين تراديف وحساب قوات الدعم السريع في بنك أبوظبي الوطني (بنك أبوظبي الأول حاليا) بقيمة نحو 98 مليون درهم.
مصروفات خاصة
يندرج 30 بنداً تحت فئة "خاص" بقيمة إجمالية بلغت 4.3 ملايين درهم، تشمل تحويلات نقدية لأشخاص، وكذلك مبالغ يتسلمها القوني بنفسه، بعضها من دون غرض محدد، وبعضها يُذكر غرضه كشراء أجهزة "لاب توب" لأعضاء في الدعم السريع بهدف حضور دورة تدريبية في أبوظبي.
كما تظهر أسماء العديد من أصدقاء القوني كوسطاء، بعضهم شاركه الدراسة في ماليزيا، أو ظهر في صور حفل زفافه. على سبيل المثال، في يونيو 2019 تسلم محمد هاشم كوكو مبلغ 20 ألف دولار لصالح القوني. وفي نسخة أرشيفية من موقع "جي. إس. كي" المحذوف يرد اسم محمد هاشم بجانب القوني كرئيس تنفيذي وأحد مؤسسي الشركة. وبمراجعة نسخة محفوظة من صفحته المحذوفة على "فيسبوك"، يظهر كوكو بجانب القوني أثناء حفل زواجه في 2017. كما أفادت إحدى الشركات المذكورة في الكشف بأن من أرسل طلبات الشراء يدعى محمد هاشم. وتظهر أيضا تحويلات لصالح شخص يدعى خباب مقابل رحلات في الصين وألمانيا، بعضها مدرج تحت فئة تحويلات "البطاقة العسكرية"، والمقصود هو خباب ميرغني أبو عوف، والذي يظهر بدوره في صورة مع القوني في رحلة إلى الهند في 2017.
صداح حسان هو اسم آخر يتكرر بالكشف المحاسبي لأداء مهام منها دفع أموال للآخرين، وشراء هواتف، وبشكل خاص شراء قطع غيار سيارات وتنسيق شحنها. بمراجعة أنشطة لصداح على غوغل مابس، ظهر قيامه بنشر صور وتعليقات تخص شركة مذكورة بالكشف مقرها دبي.
كما يظهر بالكشف أن شخصا يدعى بلال قام بتنفيذ تحويل إلى روسيا بقيمة 396 ألف درهم، على أن يرسل الفاتورة إلى "ود الجاك"، والمقصود هو محمد عبد الله الجاك، صديق آخر للقوني. لم يستجب كل الواردة أسماؤهم لمحاولاتنا المتكررة بالتواصل.
في بند آخر، تسلم بلال مبلغ 258 ألف درهم لشراء أحذية عبر شركة شام جروب، وقامت نفس الشركة بشراء "حلويات" بقيمة 11 ألف درهم. والشركة المذكورة مسجلة في تركيا، وبمراسلتها أكدت أنها بالفعل تشحن بضائع إلى السودان، ولكن ليس لديها معلومات عن استخدامها.
*ينشر التحقيق بموجب تعاون بين مؤسستي "العربي الجديد" و"غلوبال ويتنس"