حثّ أبو مهند الخطى مسرعاً من عيادة الطبيب نحو سيارته بعد أن سمع صوت تفجير قريب، لكنّه وصل متأخراً. إذ رأى النيران تلتهم سيارته المركونة قرب الرصيف، وتحيط بها قوات أمنية وسيارة إطفاء تخمد النيران التي التهمتها.
ظنّ أبو مهند للوهلة الأولى، أنّ النيران التي أتت على سيارته ناتجة عن عمل إرهابي، بيد أنّه صدم عندما علم أنّ القوات الأمنية هي التي أقدمت على تفجيرها.
ويروي أبو مهند حكايته لـ"العربي الجديد"، كيف أصبح ضحية جهل القوات الأمنية وتعاملها غير الصحيح في فرض الأمن، ويقول: "ركنت سيارتي قرب الرصيف بشكل نظامي جداً، حيث كانت العديد من السيارات متوقفة قربها، وذهبت أنا وولدي إلى الطبيب القريب من موقع السيارة"، متبعاً "كنت مطمئناً على سيارتي لأنها ليست بموقع مخالف لنظام المرور".
ويضيف "أثناء جلوسي في عيادة الطبيب انتظر دوري، سمعت صوت طلقات نارية ثم انفجار، وكأنّه قريب من سيارتي، نزلت مسرعاً وتبعني ابني متوجهين إلى موقع السيارة، فوجدنا النار تلتهمها والسيارات التي كانت على مقربة منها غير موجودة". وقال: "توقعت في أول الأمر أنّ عمل عنف أودى بالسيارة، أو انفجار قريب منها تسبب باحتراقها، لكنه بعد ذلك علم أنّ القوات الأمنية تلقت بلاغاً أن سيارته تحمل متفجرات، ولا يعرف صاحبها، لذلك فجروها عن بعد بإطلاق النار عليها، واحتراق البنزين فيها".
ويؤكد أبو مهند أنّ "القوات الأمنية حققت معي بعد التفجير، وبعد التحقيق تبين لهم أنّ السيارة غير مفخخة، لكنني كنت الضحية وخسرت سيارتي بمجرد ركنها قرب الرصيف"، مبيناً أنّ "الجهات الأمنية أبلغته بأنّه سيحصل على تعويض مالي باعتباره متضرراً، وأنّ اسمه سيدخل ضمن قائمة المتضررين، لكن لا نعرف هل سنحصل على تعويض أم مجرد كلام ووعود حكومية".
حادثة أبو مهند ليست الأولى من نوعها في بغداد والمحافظات العراقية، إذ إنّ الكثير من العراقيين خسروا سياراتهم بقصص مشابهة. إذ إنّ أجهزة كشف المتفجرات غير الصالحة للاستخدام، تؤشر على تلك السيارات على أنّها مفخخة، وتخشى تلك القوات من عملية تفكيكها، لذا تلجأ لتفجيرها بإطلاق النار عليها.
ويقول ضابط في عمليات بغداد لـ"العربي الجديد"، "نتلقى في بعض الأحيان بلاغات من أصحاب المحال التجارية عن سيارات قريبة من محالهم متروكة لفترة طويلة، وعندما نحاول التأكد إذا كانت مفخخة عبر أجهزتنا، ونبحث عن المتفجرات ولا نجدها، نلجأ في بعض الأحيان لتفجيرها تحت السيطرة بعد إبعاد المواطنين والسيارات منها".
ويشير إلى أنّ "الخلل يكمن في أجهزتنا، إذ إنّها تعطي إشارات تجعل القوة الأمنية تشك بمحتوى السيارة، فيكون التفجير أسهل الحلول وأقل ضرراً".
وينتقد مراقبون ومختصون عجز الحكومات العراقية المتعاقبة عن التعاقد لاستيراد أجهزة لقوات الأمن صالحة للعمل طوال تلك السنوات. ويقول عضو مجلس محافظة بغداد، ماهر الدليمي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "العمل الأمني في العراق أثبت فشله الكبير، وهو عمل غير متطور، وعشوائي وبعيد عن التكنولوجيا الحديثة".
ويعتبر أنّ "الأجهزة الفاشلة لا يمكن استخدامها، ويجب على الحكومة أن تهتم بهذا الجانب، وتعمل على استيراد أجهزة متطورة تميز المواد المتفجرة من غيرها"، محملاً الحكومات المتعاقبة "مسؤولية الخلل الأمني في البلاد".
وتشهد بغداد والمحافظات العراقية بين فترة وأخرى، تفجير سيارات مدنية تحت السيطرة، ومن ثم يتضح بعد التحقيق أنّ تلك السيارات لم تكن مفخخة ولم يكن بداخلها أي متفجرات.