بالرغم من إنفاق الولايات المتحدة أكثر من 620 مليار دولار أميركي، على التعليم المدرسي سنوياً، إلا أن المؤشرات تدل عاماً بعد عام إلى المكانة المتدنية للولايات المتحدة في سلم الدول المتقدمة في مجال التعليم ما قبل الجامعي، ومثال على ذلك تفوق طلاب 27 دولة من بين 34 على أداء طلاب الولايات المتحدة في مادة الرياضيات بحسب مؤشرات اختبارات PISA التي تشرف عليها منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، و17 دولة تتفوق عليها في مهارات القراءة.
تأتي هذه المؤشرات في الوقت الذي تنفق فيه خزانة الاتحاد الفدرالي 12296 دولار على كل طالب في المرحلة الابتدائية (بحساب المتوسط) وهو رقم يفوق أغلب الأرقام التي تنفقها الدول المتقدمة على طلابها.
تأتي هذه المؤشرات في الوقت الذي تنفق فيه خزانة الاتحاد الفدرالي 12296 دولار على كل طالب في المرحلة الابتدائية (بحساب المتوسط) وهو رقم يفوق أغلب الأرقام التي تنفقها الدول المتقدمة على طلابها.
التعليم والمساواة
أما من ناحية المساواة والعدالة الاجتماعية تشير المؤشرات بصورة مستمرة لوجود خلل بين طبقات وفئات المجتمع الأميركي، الطلاب من أصول أفريقية هم الأقل حظاً في الاستفادة من الخدمات التعليمية المقدمة، الدلائل على ذلك كثيرة ومن بينها على سبيل المثال نتائج مجموع طلاب الصف الثامن على مستوى الدولة التي أظهر أن طالباً واحداً فقط من أصل كل ستة طلاب من ذوي الأصول الأفريقية يمكن وصفه بالقادر على تخطي المهارات الأساسية في الرياضيات والقراءة، وهذا وفق إحصاءات هيئة تقييم التقدم التعليمي الوطنية لعام 2016 التي أظهرت أيضاً أنه لم يحرز سوى 11% من الطلبة الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية الدرجات الكافية في امتحانات الـ ACT التي تؤهلهم لدخول مؤسسات التعليم العالي (كليات ومعاهد ذات السنتين أو الجامعات).
وفي ظل هذه الأجواء جاءت خطبة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في 8 سبتمبر/شباط الماضي في أوهايو، أثناء حملة الانتخابات الرئاسية، محدداً للخطوط العريضة لسياساته التعليمية. لم تخل الخطبة بالرغم من أنها كانت تستهدف رسم مستقبل التعليم وسياساته من العبارات الرنانة التي اتسمت بها معظم خطبه، فقد استهل الخطبة بـ: "عندما أتولى الحكم وأصبح رئيساً لكم، سوف تجدونني قائداً وطنياً لسياسة "الخيارات المدرسية" أنا أريد أن أرى كل طفل كبلته مدرسته الفاشلة غير قادرة على إطلاق قدراته وكفاءاته- حتى وإن كان يقطن أبعد المدن - يتمتع بحريته ويمارس حقه المدني في الانخراط في مدرسة من اختياره".
سياسة الخيارات المدرسية
"الخيارات المدرسية" School Choice Plan هي كلمة دارجة في المجتمع الأميركي وتشير إلى حزمة من البرامج المقدمة للطلبة وأولياء أمورهم وتفتح أمامهم عددا من الخيارات المختلفة من المدارس.
ومن المعروف أن الطالب في الولايات المتحدة يحدد له مدرسة وفق الموقع الجغرافي لسكنه. وبالرغم من تعدد تلك البرامج التي تستهدف كلها فتح المجالات والخيارات أمام الأهالي والطلبة وإتاحة أكبر مساحة ممكنة من حرية (بل وقدرات الخيار الاقتصادية) إلا أن البرنامجين الأكثر شهرة بين الأهالي هما "منحة العائد الضريبي"، وبرنامج "القسائم التعليمية".
أما بالنسبة للبرنامج الأول فهو برنامج يتيح للأفراد أو الهيئات الحصول على عوائد للضرائب في مقابل التبرعات التي يدفعونها لدعم الجمعيات الأهلية وغير الربحية التي تعمل في المجال التعليمي والتي من بين برامجها تقديم المنح التعليمية، أما البرنامج الثاني فهو برنامج يقدم على مستوى الولايات ويتيح الانخراط في مدرسة تقع خارج حزام المنطقة السكنية للطالب وهي مخصصات مالية تدفع للأهالي لدعمهم مالياً في حال اختاروا مدرسة تفوق قليلاً إمكاناتهم وقدراتهم المالية. القسائم تدفع على كافة أنواع الخدمات التعليمية المرتبطة بعملية التعلم.
وقد تمحورت السياسة المستقبلية لترامب في ما يخص إصلاح التعليم المدرسي في ست نقاط تم تحديدها ونشرها على موقعه وتتلخص في إضافة فورية لـ 20 مليار دولار لدعم سياسة الخيارات المدرسية تضاف إلى الاستثمارات الفيدرالية من خلال إعادة النظر في أولويات الموازنة على المستوى الفيدرالي، والسماح للولايات بأن تختار إذا كانت تريد أن توجه تلك المخصصات إلى الطلبة المنخرطين في المدارس الحكومية والخاصة. وإعادة توزيع تلك المخصصات المالية سوف تكون في صالح تلك الولايات التي تتعدد فيها الخيارات المدرسية، واعتبار إتاحة الخيارات المدرسية لكافة الطلاب الفقراء -وعددهم 11 مليوناً - هدفاً وطنياً.
والعمل بالتعاون مع الكونغرس لإصلاح الجامعات وتطويرها بما يسمح بتقليل المصروفات الجامعية ودعم الطلبة ذوي القروض في مقابل الضرائب الفيدرالية. والتأكيد على ضرورة توفير وتيسير فرص كاملة للالتحاق الجامعي (معهد - كلية أو جامعة) أو الانخراط في سلك التعليم المهني والتدريب على المهارات التقنية والحرفية وأن كل هذا سوف يكون أمراً سهلاً متاحاً من كافة النواحي (بصفة خاصة الاقتصادية).
وعود انتخابية أم سياسة مستقبلية؟
ويبقى كل ما سبق في إطار الوعود الانتخابية، وتبقي التخوفات والشكوك حاضرة في أذهان العديد من المهتمين بالتعليم في الولايات المتحدة، وعلى رأسهم جيمس راين عميد كلية الدراسات العليا في كلية التربية والتعليم -جامعة هارفارد- الذي قال: "لا أحد لديه رؤية واضحة جلية لما سوف تؤول إليه الأحوال، ومما يجعل المؤكد الوحيد هو الدور الكبير الذي وقع الآن على كاهلنا كتربويين.
أما أرفين سكوت البروفيسور في الجامعة فيقول إن الأمر يذكره بالحادي عشر من سبتمبر، وأن الأمر يقلقه، ولكن هناك حاجة ملحة للنقاشات وتبادل الآراء بين كافة الأطياف دون إقصاء للحفاظ على الولايات "متحدة"، أما ديفيد كاين، بروفيسور اقتصاديات التعليم كان أكثر تحديداً عندما أوضح أن الصراع الحقيقي في قطاع التعليم صار بين سلطة الولاية وسلطة المركز (واشنطن) وأن على القائمين على الإدارات التعليمية في الولايات أن يعملوا بجدية لإسقاط سلطة واشنطن في ما يخص التحكم في كيفية صرف الموازنات التعليمية.
أما بول ريفيل بروفيسور سياسات التعليم في الجامعة فقد أوضح أن ترامب والمرشحة الديمقراطية الخاسرة هيلاري كلينتون، لم يوليا التعليم الأهمية التي يستحقها وجاءت سياستهما الخاصة بإصلاح التعليم هامشية في البرنامج، وجاءت بما يضمن عدم فقدان أصوات المقترعين وكلها في إطار الدعاية الانتخابية.