ويرى غزالي، والذي قاد الحكومة الجزائرية بداية التسعينيات حتى اغتيال الرئيس الراحل محمد بوضياف، أنّ "غياب الحكمة والعقل السياسي لدى النظام أضاع على الجزائر فرصة ثمينة في تحقيق انطلاقة اقتصادية واجتماعية خلال الفترة السابقة". وأشار إلى أنّ "جمع 200 مليار دولار أميركي في الخزينة العمومية في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، ليس دليلاً على الحكمة الاقتصادية والسياسية، بل دليل على غياب أي سياسة اقتصادية أو تفكير سياسي في كيفية استثمار واستغلال هذه الإمكانات المالية في خلق الثروة لانطلاقة اقتصادية جدّية والخروج من التبعية للنفط".
ويوضح غزالي أنّ السلطة التي وفّرت هذه العائدات المالية، فتحت الباب واسعاً أمام الفساد المالي والسياسي، في الوقت الذي كان يفترض بالجزائر التي تعادل مساحتها دول أوروبية مجتمعة، أن تتحول إلى نموذج "كاليفورني" جديد في شمال أفريقيا.
ويعزو غزالي، والذي شغل أيضاً منصب المدير العام لشركة "سوناتراك" النفطية في السبعينيات، هذا الفشل إلى عوامل عدة، أبرزها "عدم شرعية المؤسسات". ويطرح غزالي "إشكالية مدى شرعية السلطة السياسية التي تمارس الوصاية الجبرية" على حد قوله، إضافة إلى "غياب الرؤية الاستراتيجية لنظام الحكم للعمل وفرض أنظمة عملية خاطئة، جرّت ويلات اقتصادية وسياسية واجتماعية على الشعب الجزائري، وأثّرت في وتيرة مواكبة تطورات البشرية الحاصلة في مختلف الدول".
ويعيد غزالي السبب الثاني إلى "احتقار نظام الحكم للشعب الجزائري واعتباره شعباً قاصراً ويجب ممارسة الوصاية عليه، وأنّ الشعب في خدمة الحاكم وليس العكس، من خلال الممارسات التي أثبتتها الشواهد اليومية".
اقرأ أيضاً الجزائر: صراع ثلاثي وأحلاف استعداداً لمرحلة ما بعد بوتفليقة
ويلفت غزالي إلى أن "النظام يدير البلد بوسائل تقليدية للهروب من المسؤولية، كما كان يفعل سابقوه في العقود الماضية". ويوضح أنّ "عشية الاستقلال، في عام 1962، كان عدد الطلاب الجامعيين 500 طالب، وعدد طلاب المدارس 300 ألف، 5 في المائة منهم إناث. أما في عام 2015، فقد بلغ عدد الجامعيين 1.5 مليون طالب، وعدد التلاميذ تجاوز 8.5 ملايين تلميذ مناصفة بين الذكور والإناث"، مشيراً إلى أنّ "هذا الوضع المتناقض بين التطور الحاصل على الصعيد الديموغرافي وبين أدوات الحكم، هو الذي ولّد حالة الاحتقان الاجتماعي وتفكّك جدار الثقة".
ويصف رئيس الحكومة الوضع الذي بلغته الجزائر بالـ"كاريكاتوري" على جميع الأصعدة. ويعيد السبب إلى "عدم احترام السلطة للقوانين التي شرّعها النظام نفسه، وهو ما ينطبق على كل المجالات، وأهمها خرق الدساتير وهي أعلى وثيقة سامية، وخرق إرادة الأمة من خلال تكريس التزوير وعدم المحاسبة ونهب الثروات المالية باسم القانون وخارج القانون". ويوضح أنّ "الجزائر هو البلد الذي لا يُحاسب فيه المسؤول عما يفعل ولا يُساءل عما لا يفعل، ممّا ولّد حالة الفلتان وتجاوز قرارات الدولة وقوانينها مع وجود حماية فوقية". ويهاجم غزالي نظام الحكم الحالي، بالقول إنّه "نظام يتصرف كوكالة خاصة، تعمل لتأمين مصالحها، ولا يهمها مصلحة المواطنين والبلد والتنمية والتطوّر".
اقرأ أيضاً الجزائر: نشطاء ينتقدون الحكومة لاستقبالها مفتي النظام السوري