لم يكن المستشفى يوحي لأحد بأنه من أدوات السلطة حتى عرّته حفريّات فوكو، واضعة إياه في نفس المنزلة مع السجن والمخفر. وبمرور العقود ستتهاوى أقنعة مؤسّسات عدّة، حتى المدرسة سنجد فوق يديها آثار الإخضاع والعنف. كلها مؤسساتٌ تصبو إلى إعادة إنتاج الطاعة، وكلها في النهاية تمارس "السيطرة على الجسد".
الجسد، إنه حاضر في مكان آخر من المدينة. في مكان يقبل بخروجه عن القواعد التي سبقت نشأتُها نشأة السلطة. تُلغى قوانين وتُستحضر أخرى أكثر تقطيراً. الجميع يطيع؛ فالجميع حيال سرديّة مقنعة لأنها حقيقية جداً. في هذا الفضاء تتجمّع كل أدوات الضبط؛ مستشفى وسجن ومدرسة وثكنة (...).
يوجد الجسد هناك حسب معادلة أخرى، فيوضع في مواقع تنظّمها السلطات التي تتحكّم في كل شيء؛ سلطات مدنية وغيبية وأخلاقية وذوقية وغيرها تتشابك فتفتح الأعين على البشاعة والرغبة والوحشة المستقرّة في قاع مجتمع بعينه.
هنا السلطة عارية. لا حاجة إلى فيلسوف يخترق حجبها. في هذا المكان، تغتسل من نفاقها. ممن ستخجل إن بدت عوراتها؟ هنا لا يأتي سوى من تعرّت المنظومة أمامهم مرّات ومرّات.
لم يكن عقل السلطة نفسه يعلم بدور المستشفى حتى كشفته العلوم. ماذا عن دور الماخور، هل هو بالبراءة نفسها؟ من يمكنه أن يفترض البراءة في مثل ذلك الديكور؟ كل شيء مدروس في هذه السينوغرافيا.